Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أحدب" فيكتور هيغو ينهض من رقاده ... ليقرع أجراس كاتدرائية نوتردام حزنا وحدادا

لو كان للرجل الأحدب القبيح الذي يدعى كوازيمودو، أن ينهض من رواية فيكتور هيغو التي تحمل إسمه "أحدب نوتردام" ويرى بعينه المتورمة ألسنة النيران ترتفع من قلب الكاتدرائية، لهرع يقرع الأجراس التي طالما قرعها، ولكن حزناً هذه المرة، وربما حداداً على هذه التحفة المعمارية التي ما برحت  تسحر الملايين من الزوار منذ القرون الوسطى. ولو كان للراقصة الغجرية أزميرالدا، بطلة الرواية الشهيرة، أن تصحو من نومها الأبدي وتبصر ما يعتري الكاتدرائية من حريق وخراب، لرقصت رقصة الموت على وقع وجيب النار التي التهمت الكنيسة القديمة وارجاءها الوسيعة. حتى لو كان لفيكتور هيغو الذي كتب رواية هذه الكاتدرائية التي خلدته مثلما خلدها، أن يحثو عن جسده التراب لقام كالمجنون ليكتب للكاتدارئية قصيدة يرثي فيها أبراجها التي اسودت وسط غمائم الدخان الاسود.

ما أصعب تذكّر رواية فيكتور هيغو البديعة في مثل هذا اليوم الحزين. من شدة ما اقترن إسم هذه الرواية بالكاتدرائية، بات من يزورهذه التحفة المعمارية المنتصبة على ضفة نهر السين، وأياً كانت هويته، يتذكر للفور أبطال الرواية وأحداثها والمآسي التي دارت في زواياها وساحاتها. لكنّ مأساة الحريق لا تضاهيها مأساة روائية، مثل مأساة الأحدب كوازيمودو الذي ولد بائساً وعاش بائساً واضطهد وعذّب، ولم يذق سوى نعمة الحب اليائس الذي كنّه  للراقصة الغجرية البائسة أيضا ازميرالدا التي احبته كذلك، ولكن حب التعاسة والألم. كان لا بد لزوار الكاتدرائية الذين قرأوا رواية فيكتور هيغو من أن يرفعوا أنظارهم إلى أعلى الأبراج حيث تتدلى الأجراس ليروا إن كان سيطل كوازيمودو ليقرعها. أما في أرجاء البهو الداخلي فلا بد لهم من إلقاء نظرات بحثا عن الكاهن والراقصة وسائر الاشخاص الذين ملأوا الرواية. إنها الكاتدرائية نفسها كما رواها فيكتور هيغو وكما بناها على المسارح الدرامية والأوبرالية فنانون كبار بل كما صورها سينمائيون مبدعون في افلام حققت رواجا. ليست كاتدرائية فقط، انها تحفة معمارية، تحفة الفن الغوطي في أوج صعوده، تحفة يمتزج فيها الديني والبشري، وتتجلى في أنحائها عبقرية المهندسين الذين استلهموا جماليات الماوراء اللامرئية.

 ما أكثر القصائد والنصوص السردية التي كتبت عن هذه الكاتدرائية العظيمة، وما أكثر اللوحات التي يرع رساموها في نقل أبراجها وقناطرها ومنحوتاتها عصراً تلوعصر وعلى اختلاف المدارس الفنية، وما أكثر الأعمال المسرحية والموسيقية والأوبرالية التي استحضرت الكاتدرائية بجمالها الباهر... لكنّ رواية فيكتور هيغو "أحدب نوتردام" كانت وتظل بمثابة التحفة الادبية التي تماهت مع بهاء هذه الكاتدرائية وتاريخها المتعدد العصور والحقبات والحروب والمآسي. ومثلما كانت "أحدب نوتردام" رواية الكاهن والاحدب والراقصة وما جمعهم من حب وصراع وبؤس، كانت أيضا رواية الحاكم والشعب والشارع... إنها كاتدرائية النوتردام، أو  "سيدتنا مريم"، كاتدرائية باريس عاصمة الثوار، عاصمة الأنوار، عاصمة الحرية. ليست الكاتدرائية التي التهمت النيران بعضا من معالمها تحفة فقط، إنها التاريخ، تاريخ الهندسة والفن الهندسي، وتاريخ الجماعة والفرد، وقد اتحدا في معلم هو من أبرز معالم الحضارة البشرية.      

المزيد من ثقافة