Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فتوى بتحريم كتاب تاريخ مدرسي في السودان بسبب "لوحة الخلق"

وزير التعليم كلف لجنة بمراجعة المناهج وتقديم اقتراحات بشأن تعديلها

تخضع مناهج التعليم في السودان لتعديلات كل أربع سنوات (غيتي)

أثار كتاب مادة التاريخ لمرحلة الأساس، الذي أعده المركز القومي للمناهج في وزارة التربية السودانية، ضجة وانقساماً في الأوساط الدينية والأكاديمية والتربوية ووسائل التواصل الاجتماعي، بعد ما وجهت انتقادات لتعديل أضاف إلى الكتاب لوحة "خلق الله" للرسام الإيطالي مايكل أنجلو، على اعتبار أنها تُجسد الذات الإلهية في صورة بشر "رجل"، يمد يده إلى آدم، في إشارة لنفخ الروح.

فتوى تحريم تدريس كتاب التاريخ

وفي رد فعل مباشر، أصدر مجمع الفقه الإسلامي التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية فتوى بتحريم تدريس الكتاب، بحجة احتوائه على مخالفات وصفها بـ"الخطيرة والعظيمة"، تشمل إساءة قبيحة للذات الإلهية وتصويرها مجسدة، فضلاً عن الإساءة للإسلام وتصويره ديناً للإرهاب، وتمجيده الثقافة الغربية بوصفها ثقافة العلم والحضارة، بينما يقدم الثقافة الإسلامية ثقافة للتخلف وتدمير الرقي والنهضة.

وقال المجمع، إن الكتاب اختصر الفترات الإسلامية للممالك والحضارات اختصاراً مخلاً، ولم يظهر ما كان فيها من تطور وترابط لأجزاء التاريخ، كما اشتمل على أخطاء فادحة لا ينبغي أن تكون في منهج التاريخ، وأورد حقائق تاريخية مغلوطة.

ونوه المجمع، إلى أن الكتاب يكرس العنصرية بنزوعه للمقارنة بين الأديان والأعراق والثقافات والقبائل، بجانب احتوائه صوراً توجه رسائل ومضامين خطأً، في العقيدة والتاريخ والثقافة، واشتمل على صورة لخراب (سوبا) فيها هوية المخربين من المسلمين، كما أن الصورة في بداية الوحدة الثانية تظهرهم على أنهم متخلفون وبدو وهمج، مشيراً إلى أنه طمس للهوية السودانية التي شكلتها مجموعة تلك الأعراق والثقافات.

احتدام السجال ولجنة للتقييم 

وعلى الرغم من بعض الأصوات التي لا ترى في اللوحة مساساً بالعقيدة، كونها لا تعدو نموذجاً للفن في عصر النهضة الأوروبية، فإن السجال والجدل حولها امتد إلى المساجد، وتناولها عدد من الأئمة بالنقد والتحسر على قيم الدين ومرتكزاته وذرف بعضهم الدموع أمام المصلين، ووصلت المسألة إلى مناقشات العامة في الأسواق والمواصلات.

من جانبه، وجه وزير التربية والتعليم محمد الأمين التوم، المركز القومي للمناهج والبحث التربوي بمراجعة مادة التاريخ للصف السادس، مطالباً بتقوية باب وحدة النهضة الأوروبية في الكتاب.  

وكلّف الوزير لجنة من التربويين والمتخصصين في علم التاريخ بتقييم الكتاب شكلاً وموضوعاً، على أن تقدم له تقريراً مفصلاً خلال أسبوع واحد.

ونفى التوم إقالة أو استقالة مدير المركز القومي للمناهج على خلفية اعتماد اللوحة، مؤكداً تمسك الوزارة به، على الرغم من تقديم جهات عدة، بعضها رسمي، مطالبات لإقالته، سمى منها حزب الأمة القومي وبعضاً ممن وصفهم بفلول النظام البائد.

اتهام الفلول بمناهضة المنهج الجديد 

على الصعيد نفسه، وعد مدير المركز عمر القراي، لدى مخاطبته المؤتمر الأول لمناهج المرحلتين المتوسطة والثانوية، الثلاثاء في 5 يناير (كانون الثاني)، بالنظر في آراء كل السودانيين في هذا الموضوع، وقال إن الهجوم على المناهج الجديدة كان متوقعاً، وأن حملات الرفض يقودها المساندون للنظام السابق الذين يعارضون كل جديد، بهدف الإبقاء على المناهج السابقة التي وضعها النظام لتمكين نفسه، مشيراً إلى أن ثورة ديسمبر (كانون الأول) ستقتلع مناهج حكومة عمر البشير.

وأكد القراي أن إدارته لن تصمت أمام هذه الهجمات، وأنها لن تخيفه أو تجبره على الاستقالة، ملوحاً بتقديم شكاوى قضائية ضد بعض أئمة المساجد.

وأوضح أن "مادة التاريخ للصف السادس فيها باب يتحدث عن النهضة الأوروبية، وفي مجال الفن وردت لوحات منها لوحة الموناليزا، وخلق آدم لمايكل أنجلو"، مشيراً إلى أن الكتاب لم يشرح اللوحات الواردة فيه، بما فيها لوحة أنجلو، التي اقتُطع نصفها العاري، مؤكداً أن اللوحة نفسها وردت في كتب تُدرس من بينها مقررات بجامعة أم درمان الإسلامية.

 

وأعلن أنه غير معني بفتوى مجمع الفقه الإسلامي، لأن المركز هو الجهة المخولة بوضع وإجازة المناهج وليس وزارة الشؤون الدينية.

واعتبر ما جرى في عدد من المنابر بأنه "تكفير"، حيث وصف بأنه "عدو الله"، مما يعد تحريضاً على قتله، مطالباً وزارة الشؤون الدينية بضبط الخطاب الديني في المساجد.

مستشار مجلس السيادة ينتقد

ضمن المنتقدين، كتب المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة، العميد الطاهر أبو هاجة، مقالاً على صفحة القوات المسلحة على "فيسبوك"، قال فيه إن الطريقة المتبعة في تغيير المناهج أحدثت احتقاناً وغضباً شديدين، مؤكداً ضرورة تغيير المناهج لمواكبة العصر وتطور أدوات المعرفة.

ودعا إلى ضرورة البعد عن تسييس قضية المناهج، متسائلاً "أليس من الممكن إرجاء الأمر إلى حين استكمال هياكل السلطة الانتقالية؟".

في السياق ذاته، يرى وزير التربية والتعليم الأسبق بولاية الخرطوم، الدكتور الأمين عبد القادر، أن الهجوم الذي يتعرض له منهج التاريخ له ما يبرره، انطلاقاً من الأهمية الخاصة للمناهج الدراسية التي تبنى عليها الأجيال وعقول الطلاب، وهم عهدة بين يدي وزارة التربية والتعليم، لا سيما في مرحلة الأساس. 

وطالب بأن تُنقى بصورة محايدة وعلمية بعيداً عن التسييس أو التطرف أياً كان، إذ جرى العرف في معالجة المناهج بسحبها تدريجياً ومن دون أن يشعر الطلاب، وليس دفعة واحدة، حتى لا تضعف ثقتهم فيها.

مخاوف على التعليم من السياسة

وعبّر عبد القادر عن مخاوفه من أن يسقط التعليم العام ضحية الصراع السياسي بين أقصى اليمين واليسار، لأنه من الواضح أن النزاع الذي يدور حول المناهج تشوبه النكهة السياسية التي بلا شك ستفسده إذا استمرت أكثر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشف الوزير السابق أن النظام السابق أدخل كثيراً من الحشو في المناهج بما فيها قضية الانتماء السوسيولوجي، بل حتى أسماء المدارس أخضعت للمظهر الإسلامي الإيديولوجي، فضلاً عن الحمولة الزائدة من المقررات والكتب وكلها قضايا تحتاج بالفعل إلى معالجات تنقية، لكن على أسس علمية محايدة.

ووصف عبد القادر، اتجاه وزير التربية والتعليم نحو مراجعة مقرر التاريخ بأنه أمر جيد وإيجابي ويأتي في سياق طبيعي، إذ تُغيّر الكتب المدرسية كل أربعة أعوام وفق نظام وزارة التربية والتعليم في البلاد.

نماذج مشابهة وتساؤلات 

واستشهد الوزير السابق بنماذج مشابهة صادفته خلال عمله قائلاً، "بلغني وأنا وزير أن أستاذة في إحدى المدارس المعروفة، قامت برسم وتدريس ما سمته الرسومات المحمدية، التي تجسد فيها صورة النبي محمد، وقد فصلت عن العمل. كما أن إحدى المدارس العريقة ذات المنهج الخاص، كانت تقدم دروساً باللغة الإنجليزية تتضمن ممارسة الجنس معززة بالرسومات الإيضاحية. وبينما دعا بعض المتشددين آنذاك إلى إغلاق المدرسة وسحب ترخيصها، اخترت نزع الصفحات المعنية من الكتاب تحت إشرافي الشخصي".

واقترح عبد القادر "إعدام الصفحات التي تحوي لوحة الخلق تفادياً للكلفة الكبيرة التي قد تترتب على إعادة الطباعة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية". 

وتصنف لوحة "خلق آدم" أو "خلق الإنسان" التي رسمت عام 1511، من أعظم الكنوز الفنية على مستوى العالم، وهي جزء من فريسكو مصور على سقف كنيسة سيستين في الفاتيكان.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير