غرقت البشرية في غياهب كورونا، وما إن كادت تشم أنفاسها حتى قرر الوباء أن يتحور ويعاود طرح نفسه في سلالات جديدة، وكأنه لا يستهدف البشرية فقط، بل يتربص بتنميتها باعتبار التنمية حياة. وقد جرى العرف على أن تنتظر دول العالم صدور تقارير التنمية البشرية السنوية على مدى ثلاثة عقود بفارغ الصبر، لتلمّ بما أنجزته أو عجزت عن تحقيقه على مدى عام.
عصر الإنسان
هذا العام، صدر تقرير التنمية البشرية 2020 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحت عنوان "الحدود التالية: التنمية البشرية وعصر الإنسان". وهو يعي أن الوباء لم يعد مجرد أزمة صحية، بل تحد استثنائي للتنمية البشرية في العالم.
وفي كلمة ألقاها مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيم شتاينر، قبل أيام ضمن مؤتمر صحافي افتراضي عقدته منظمة الصحة العالمية، قال "نتوقع أن يتراجع تقدم التنمية البشرية للمرة الأولى منذ 30 عاماً مع نهاية العقد، وقد يعيش مليار شخص في فقر مدقع، ربع هؤلاء قد يُدفعون إلى براثن الفقر كنتيجة للجائحة".
ووصف شتاينر الوقت الحالي بأنه غير مسبوق، مشيراً إلى أن "الجائحة هي الأخيرة في أحداث متسلسلة، بسبب الضغط المتنامي الذي نضعه على الكوكب باسم التقدم. هذه حقيقة عصر الإنسان أو البشر، وفيه دخلت البشرية في حرب ضد نفسها".
حرب البشرية ضد نفسها تتمثل في المؤشر التجريبي الجديد لقياس التنمية الذي أورده التقرير، لافتاً إلى عدم الاكتفاء بالمؤشرات التقليدية، مثل الصحة والتعليم ومستوى المعيشة، والمؤشر الجديد يقيس انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والبصمة المادية، وهي كمية المواد الخام المستخرجة لتلبية متطلبات الاستهلاك في "عصر الإنسان".
مزيد من الاستهانة
يحذر التقرير من مزيد من الاستهانات البشرية بالطبيعة، وهو ما يفاقم حجم الأخطار التي يواجهها الكوكب. ويرى أن الوقت حان لجميع الدول لإعادة تصميم مساراتها، وذلك من خلال المساءلة الكاملة للضغوط الخطيرة التي يضعها البشر على الكوكب، وتفكيك الاختلالات الجسيمة في القوة، والفرص التي تمنع التغيير.
وكعادة التقارير الأممية، فإن الحديث عن المساواة يبرز بشكل واضح، لكنه هذه المرة يتناول عدم المساواة الذي يتسبب فيه الاستعمار والعنصرية، حيث الأشخاص والدول الذين يملكون أكثر يستفيدون من الطبيعة أكثر، ويصدرون كلفة هذه الاستفادة إلى الآخرين ممن لا يملكون القدرات والقوى نفسها.
فكرة التقرير السنوي الطموحة هذا العام، كما يشرحها مدير مكتب تقرير التنمية البشرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بيدرو كونسيساو، ترمي إلى معالجة عدم المساواة والاستفادة من الابتكار والعمل مع الطبيعة وليس ضدها، حتى تتخذ الطبيعة البشرية خطوة تحويلية إلى الأمام لدعم المجتمعات والكوكب معاً.
نصيب الجانب العربي في التقرير الأممي الصادر في 2020 حمل بعضاً من الأخبار طيبة، إذ صنّف ست دول عربية ضمن التنمية البشرية المرتفعة جداً، وهي الإمارات والسعودية والبحرين وقطر وعمان والكويت، والجزائر ولبنان وتونس والأردن وليبيا وفلسطين ومصر ضمن الدول ذات التنمية البشرية العالية، أما المغرب والعراق وسوريا وجزر القمر فضمن الدول المتوسطة النمو، وموريتانيا وجيبوتي والسودان ضمن المنخفضة النمو.
مفترق الطرق العربي
وبينما تناول التقرير الأممي المؤشر التجريبي الجديد لقياس التقدم البشري عبر إدماج البصمة المادية وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون منها، تخرج ورقة منفصلة تتناول التنمية البشرية العربية 2020، لكن من منطلق آخر وزوايا مغايرة.
ويشار إلى أن المكتب المسؤول عن تقارير التنمية البشرية أعلن قبل سنوات أن المنطقة العربية تقف في مفترق طرق رئيس، تحتاج فيه إلى تقويم سنوي مستقل، وعلى الرغم من إحرازها تطوراً ملموساً في كثير من نواحي التنمية الإنسانية، وتمكنها من خفض معدل الفقر وعدم المساواة بشكل كبير في القرن الـ 20، قبل اندلاع معظم الصراعات الحالية وانتشار الوباء، فإنها لم تتطور بالسرعة التي تطورت بها مناطق أخرى، وذلك لافتقار المؤسسات الحكومية للشفافية والمساءلة وعدم المساواة الشديد الذي تتعرض له المرأة. ورأى المكتب أن المنطقة "أغنى مما هي متقدمة، وأن نمو الدخل القومي لا يعني التنمية".
وفي هذا الضوء، صدرت الورقة المعنونة بـ "المواطنة 360 درجة في المنطقة العربية" قبل أيام، وهي تنطلق من فرضية أن الغالبية العظمى من المواطنين العرب تعتبر الفساد والاقتصاد المتعثر من المشكلات الأكبر التي تواجههم، ويسلط الضوء على الفئات الأفقر التي تؤثر فيها تحديات التنمية الموجودة في المنطقة بشكل واضح.
وبحسب الاستطلاعات التي أجريت في المنطقة العربية، فإن ربع المواطنين العرب الذين جرى استطلاع آرائهم قالوا إنهم لا يستطيعون تأمين حاجاتهم من الغذاء. فيما ذكر ستة في المئة فقط أن لديهم مدخرات.
تستجيب أو لا تستجيب
هذه المؤشرات المستخدمة في تحديد المكانة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية، تعني أن الحديث عن مؤشر البصمة المادية لن يجد كثيراً من الآذان المصغية عربياً، إن لم يكن بسبب كورونا وضغوطه الهائلة، فلدوائر الفقر العديدة والعنيدة، وانعكاساتها الكثيرة.
ولعل النسب المتقاربة في آراء المواطنين العرب المتضاربة حول إذا ما كانت حكوماتهم تخضع للمساءلة أم لا، تقول كثيراً عن مشكلات المجتمعات العربية، فـ31 في المئة يذكرون أن حكوماتهم لا تستجيب لمطالب المواطنين، و34 في المئة يؤكدون أنها تستجيب، و35 في المئة ليس لديهم تصور حول ما إذا كانت تستجيب أم لا تستجيب.
تقارب وتضارب
هذه النسب المتقاربة في الحجم والمتضاربة في التوجه، تشير إلى مشكلة عربية أكبر تتعلق بطبيعة المعلومات المتوافرة، أو بدرجة الوعي بالحقوق والمسؤوليات ومعنى المواطنة، أو بكل ما سبق.
اللافت أن 40 في المئة يقولون إن درجة استجابة الحكومات لحاجاتهم لم تتغير خلال السنوات العشر الماضية، في حين قال 30 في المئة إن الاستجابة تدهورت، و22 في المئة أكدوا أنها تحسّنت. وكما هو متوقع، فإن المواطنين العرب الأيسر حالاً كانوا أكثر ميلاً إلى قول إن حكوماتهم تستجيب، والعكس صحيح للأفقر حالاً. وفي الدول التي ضربها الصراع مثل ليبيا وسوريا واليمن، كانت نسبة من رأوا أن الحكومات تستجيب منخفضة جداً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال 50 في المئة إنهم لا يلعبون أي دور في ما تتخذه حكوماتهم من قرارات أو خطوات. وذكر 44 في المئة من المستطلعة آراؤهم أن معدلات العنف والجريمة زادت، وتنفيذ العدالة تدهور خلال السنوات العشر الماضية. وفي ليبيا وسوريا واليمن وكذلك تونس، ترتفع النسبة بشكل لافت.
ومن الواضح أيضاً تضارب الأرقام والإجابات في ما يخص شيوع الفساد ممثلاً في دفع رشاوى مقابل الحصول على خدمات. فبينما قال 59 في المئة إنهم لم يجدوا أنفسهم في موقف مطالبة صريحة بدفع رشوة للحصول على خدمة، أكدت نسب كبيرة في دول مثل العراق 56 في المئة، وليبيا 61 في المئة، ومصر 46 في المئة، واليمن 45 في المئة، أنها تدفع في مقابل حصولها على خدمات.
قضايا تنموية كلاسيكية
وتستمر الدائرة العربية في انغلاقها في قضايا تنموية كلاسيكية، فـ40 في المئة قالوا إنهم يواجهون مصاعب في الحصول على فرص عمل بسبب الأزمة الاقتصادية. وذكر 28 في المئة أن هذه المصاعب وثيقة الصلة بشيوع الفساد الذي يكتنف عملية التوظيف. و17 في المئة أكدوا أن المشكلة وثيقة الصلة بانخفاض الأجور. وذهب سبعة في المئة إلى أن المشكلة تتركز في انعدام فرص التطوير والتدريب.
وعن الفقر، قال 58 في المئة إنه زاد خلال السنوات العشر الماضية، مع ارتفاع النسبة في الدول التي تعاني الصراع. ففي اليمن رجّح 85 في المئة أن الفقر زاد، وفي سوريا وصلت النسبة 77 في المئة، و62 في المئة بفلسطين. كما ذكر 64 في المئة في لبنان و67 في المئة بالأردن أن الفقر زاد.
وتقول الأولويات إن 62 في المئة يعتبرون الحصول على طعام مغذ بسعر مناسب هو الأولوية القصوى، تليها أولوية التعليم المناسب 22 في المئة، ثم الرعاية الصحية الجيدة بـ 20 في المئة.
تعليم وصحة ورضا
وتستمر الانقسامات في الرأي في ما يختص بالتعليم، إذ قال 44 في المئة إنهم راضون عن مستوى التعليم الذي يتلقاه الصغار في المدارس، في حين أقر 54 في المئة أنهم غير راضين. لكن عدم الرضا في ما يختص بالرعاية الصحية في الدول العربية كان أكثر وضوحاً، إذ ذهب 61 في المئة إلى أنهم إما غير راضين أو غير راضين جداً عن مستوى الرعاية الصحية المقدمة.
ومن الرضا إلى المعاناة في الوصول إلى شبكة الإنترنت، وما تعنيه من إتاحة تكنولوجيا المعلومات التي لم تعد رفاهية، بل وسيلة تمكين، إذ قال
33 في المئة إن خدمات الإنترنت تحسنت خلال العامين الماضيين، ورأى 20 في المئة أنها تدهورت، و40 في المئة أكدوا أن مستواها لم يتغير.
اللافت أن 52 في المئة قالوا إن الدور الرئيس للإنترنت والتكنولوجيا الرقمية هو الحصول على المعلومات، في حين ذكر 38 في المئة أنها حيوية لأسباب تتعلق بالعمل، و55 في المئة رأوها مهمة، لأنها تمكنهم من التواصل مع الأهل والأصدقاء. وترتفع النسبة بشكل ملحوظ في دول الصراع، مثل سوريا وليبيا واليمن. خمسة في المئة فقط قالوا إنها مهمة، لأنها تساعدهم في أن يبقوا ناشطين سياسياً.
تحد مضاعف
خصوصية المنطقة العربية ومعضلات التنمية، حيث القدرة على الوصول إلى الشبكة العنكبوتية ومشكلات جودة الاتصال ومدى الإتاحة، وأزمات البطالة والتعليم والانزلاق نحو الفقر وجودة الرعاية الصحية وغيرها من الجوانب الواردة في ورقة التنمية البشرية العربية لعام 2020، تجد نفسها في تحد مضاعف في ظل الوباء. فقد نال كورونا من المنطقة العربية بشكل مختلف، وربما مضاعف مقارنة بمناطق أخرى في العالم.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أشار إلى أن الجائحة كشفت عن تصدعات وانقسامات في المجتمعات والأنظمة الاقتصادية في العالم، وأن المنطقة العربية ليست استثناء. وقال إنه على الرغم من تمتع المنطقة بتنوع هائل وإمكانات ضخمة، فإن الدول العربية سواء كانت غنية بالنفط أم متوسطة الدخل أم من الدول الأقل نمواً، "تواجه صعوبات في الاستجابة".
وأشار إلى أن الأضرار الناجمة عن كورونا تصيب فئات بعينها، لا سيما النساء والمهاجرين الذين يمثلون 40 في المئة من القوة العاملة، و55 مليون شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة. ويضاف إلى هؤلاء نحو 26 مليون عربي من اللاجئين والنازحين الذين هم من أكثر الفئات تعرضاً للإصابة بالفيروس.
توقعات اقتصادية
التوقعات الاقتصادية تشير إلى تسجيل المنطقة تراجعاً يفوق خمسة في المئة، لا سيما أن بعض الدول تواجه انكماشاً بما يزيد على عشرة في المئة. ويعاني اقتصاد المنطقة صدمات عدة بسبب الفيروس والانخفاض الحاد في أسعار النفط والتحويلات المالية وحركة السياحة، مما يؤدي إلى توقعات اقتصادية هي الأدنى منذ نصف قرن. وحذر غوتيريش من أن ذلك دفع ملايين الناس إلى أدنى درجات السلم الاقتصادي، مما يعني أن ربع سكان المنطقة العربية يتجهون إلى الفقر.
وتفرض المنطقة العربية بتوتراتها وصراعاتها نفسها بشكل مختلف على خريطة العالم في العام الجديد. فيشير الأمين العام للأمم المتحدة إلى أنه "في منطقة تحفل بالتوترات وأوجه عدم المساواة، قد يكون للتطورات المأساوية عواقب وخيمة على الاستقرار السياسي والاجتماعي".
وهناك عواقب أخرى تطرح نفسها على المنطقة العربية في 2021، لكنها تحمل سيناريوين، الأول متفائل من جهة توقعات بتحقيق معدل نمو يصل إلى ثلاثة ونصف في المئة، والآخر أقل تفاؤلاً بنسبة نمو 2.8 في المئة.
وتحديد المسار يكمن، بحسب ما ورد في "مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية"، الصادر قبل أيام عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، في قدرة الدول على مواجهة جائحة كورونا، إذ خسرت المنطقة العربية بسبب الفيروس في 2020 نحو 140 مليار دولار، محققة نسبة نمو سالبة قُدرت بـ "3-" في المئة.
نمو ولكن
وعلى الرغم من أن كلا السيناريوين يتوقعان نسبة معدل نمو إيجابي، فإنه في الحالتين لن يكون كافياً لخلق فرص عمل لائقة. وبحسب المسح، فإنه يتوقع ارتفاع البطالة في المنطقة العربية إلى 12.5 في المئة خلال العام الحالي، وستبلغ أعلى معدلاتها في فلسطين 31 في المئة، وليبيا 22 في المئة، وستزيد على 21 في المئة في كل من تونس والأردن.
كما تسجل دول مجلس التعاون الخليجي معدلات بطالة بنحو 5.8 في المئة. وعلى الجانب الإيجابي، يتوقع أن تزيد صادرات المنطقة العربية بنحو 10.4 في المئة في 2021، بعد ما كانت انخفضت العام الماضي بفعل الجائحة بمقدار 50 في المئة.
وتظل الأزمة العربية الكبرى ذات طابع اجتماعي أكثر من كونه اقتصادياً بحتاً. يقول المشرف على فريق إعداد المسح محمد عبدالهادي بشير، إن أزمة المنطقة العربية تتجاوز المعطى الاقتصادي لتشمل تحديات اجتماعية كبرى، أبرزها الفقر الذي قد تصل نسبته خلال العام الحالي إلى 32 في المئة، ليطال 116 مليون عربي، والبطالة التي يتوقع أن تبلغ 26 في المئة بين الشباب العربي، مع استمرار عدم المساواة بين الجنسين، حيث الفجوة العربية تبلغ 40 في المئة، وهي الأعلى في العالم.
تحديات كبرى تنتظر المنطقة العربية في العام الجديد. فإضافة إلى ضغوط كورونا وضبابية الغد في ما يختص بموجاته وسلالاته ولقاحاته، فإن الحكومات العربية مطالبة بتوفير شبكات أمان اجتماعي عاجلة، لا سيما للاجئين والنازحين. ويُخشى من تدهور الظروف المعيشية لهذه الفئات الهشة، في ظل الركود الاقتصادي الذي ضرب الدول المانحة واستمرار الوباء.
وباء الدين
وباء آخر تحذر منه "الإسكوا"، وهو الديون التي تضاعف حجمها عربياً خلال العقد الأخير، ليصل حجمها إلى نحو 1.2 تريليون دولار في الدول العربية غير المتأثرة بالنزاعات، وإلى ما يزيد على 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية المتوسطة الدخل.
وتشير "الإسكوا" إلى أن هذا الوضع يعود إلى استمرار غالبية الدول العربية في تمويل إنفاقها الحكومي عبر الاقتراض، وهو ما يأتي بنتائج سلبية على الإنتاجية والنمو. كما تلفت إلى ضعف مستوى الحوكمة في المنطقة العربية، وهو ما يطرح تحدياً أمام الدول يكمن في "كيف تنفق" وليس "كم تنفق".
أولويات عربية
أربع مجموعات من الأولويات للمنطقة العربية في هذا الوقت الصعب تحدث عنها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وهي إبطاء انتشار المرض، وإنهاء النزاع، وتلبية الحاجات العاجلة، لا سيما للفئات الأكثر ضعفاً، ومعالجة أوجه عدم المساواة بالاستثمار في الصحة والتعليم والحدود الدنيا للحماية الاجتماعية، خصوصاً أن المنطقة العربية تشهد الفجوة الأكبر عالمياً بين الجنسين. كما أن إتاحة التعليم والفرص للشباب العربي أمر حتمي، لا سيما وهم يواجهون معدلات بطالة أعلى خمس مرات من المعدلات السائدة بين الأكبر سناً.
أما الأولوية الرابعة، فهي ضرورة تعزيز الانتعاش الاقتصادي بإعادة هندسة النموذج الاقتصادي للمنطقة ليتواكب واقتصادات خضراء أكثر تنوعاً، مع إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان وضمان وجود مجتمع مدني نابض بالحياة ووسائل إعلام حرة.
وأغلب الظن أن المنطقة العربية، وهي تخطو أولى خطواتها في 2021، تجد نفسها مشتتة بين الاستمرار في مسيرة تنمية قطعت فيها شوطاً على مدى سنوات، لكن رياح التغيير وما يسمى بـ "ثورات الربيع العربي"، وما نجم عنها من اشتعال الصراعات في عدد من الدول، وامتداد آثارها إلى الدول المجاورة، ألقت بظلال وخيمة على جهود التنمية.
وبينما تصارع دول من أجل الخروج من الأزمات، وأخرى تجاهد لاستعادة الطريق، إذ بكورونا يفرض سطوته على الجميع.
التوقعات كثيرة، لكن القول إن تحقيق الأهداف التنموية أو الخروج من دوائر الفقر، أو تحسين نوعية التعليم أو الصحة أو مساءلة الحكومات، أو تحقيق مزيد من التمكين الرقمي، أو تطبيق مؤشر البصمة المادية وقياس انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أو التحول إلى نمط الاقتصاد الأخضر، أو التغلب على معضلة عدم المساواة بين الجنسين أمور قابلة للتحقيق في 2021، غير واقعي وغير منطقي، فما زالت المنطقة العربية قابعة في خصوصية تنموية تعرقلها الصراعات حيناً، وتنال منها الجائحة من دون سابق إنذار.