Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فرص الوجود التركي في الصومال

أمام أنقرة خياران إما أن تكون حليفة لواشنطن أو إلى جانب التكتل الأفريقي قيد التشكل

استمرار الوجود التركي في الصومال يؤثر في دول عدة (غيتي)

تلفت التفجيرات المتكررة التي استهدفت أفراداً تابعين لشركات تركية في مقديشو الأنظار إلى الوجود التركي في الصومال التي باتت محطة أخرى للتغلغل في أفريقيا، خصوصاً منطقة القرن الأفريقي، بعدما فقدت تركيا أحلامها في إيجاد موطئ قدم لها في جزيرة سواكن ومينائها على ساحل البحر الأحمر في السودان، على إثر ثورة ديسمبر (كانون الأول) وإسقاط نظام عمر البشير الحليف لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. ووسط هذه التدخلات تنشط حركة الشباب الصومالية المسلَّحة في مواجهة الوجود التركي في الصومال. وقد ظلَّت تذكِّر برفضها له وتبنيها هجمات مسلحة وانتحارية ضد البعثات التركية هناك بمنطلقات ذاتية ودوافع خارجية. ما قد يحدُّ مع عوامل أخرى من فرص تركيا لتحقيق أهدافها في الصومال والقرن الأفريقي عموماً.

تنازع دولي

يلتقي التاريخ السوداني والصومالي خلال القرن السادس عشر عند بدء الدولة العثمانية فرض سيطرتها على منطقة القرن الأفريقي، في منافسة بينها وبين القوى الأوروبية التي أبعدت الإمبراطورية عن ساحل البحر الأحمر ودفعتها نحو منطقة القرن الأفريقي. فكان من نصيبها فرض نفوذها على السودان والصومال وإريتريا. واستمر الوضع، بحسب مصادر تاريخية، حتى القرن الثامن عشر عندما تنازل السلطان العثماني عن مدينتي زيلع وبربرة الصوماليتين للخديوي إسماعيل حاكم مصر. وبعد اندلاع الثورة المهدية عام 1885 في السودان آلت المدينتان إلى الإدارة البريطانية. ولم يكن ذلك هو التنازع الدولي الوحيد على هذه المنطقة، فقد شهدت بعده تنازعاً بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، خلال الفترة التي شهدت المد الشيوعي في المنطقة، فأقام الاتحاد السوفياتي قاعدة عسكرية في ميناء بربرة تطل على البحر الأحمر وتقع في القرب من مضيق باب المندب. وبعد اشتعال الحرب بين إثيوبيا والصومال عام 1977، تحولت القاعدة السوفياتية إلى قاعدة أميركية.

وبعد أحداثٍ كثيرة ما بين الاستعمار والاستقلال وسقوط دول ونهوض أخرى في المنطقة، لم يكن النفوذ التركي في الصومال عام 2011 مثيراً للانتباه، لأنه تزامن مع المجاعة هناك، ومع تحركات تركية أخرى في دول القرن الأفريقي. قدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في زيارته الصومال في أغسطس (آب) من ذلك العام مساعدات إنسانية وتمويلاً لمشاريع تنموية ومدارس وغيرها، منتهزاً فرصة عزوف وكالات الإغاثة الدولية عن الدخول إلى الصومال لأسباب أمنية. وفي العام التالي، وقَّع البلدان اتفاقاً يقضي بإنشاء قاعدة عسكرية أُسِّست بعد ذلك في سبتمبر (أيلول) 2017. أما زيارة أردوغان الثانية، فكانت في يناير (كانون الثاني) 2015، وشهدت ترميم مطار مقديشو ومينائها، وفتح أول خط طيران دولي بين مقديشو وإسطنبول بعد إغلاقه لعقدين.

حالة اللادولة

تعودت تركيا على استثمار الفرص وترسيخ وجودها في مناطق النزاعات والمناطق التي تشهد هشاشة سياسية وأمنية، مثل وجودها في ليبيا وصراع قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان، فضلاً عن الصومال. وعندما دخلت إلى الصومال أعلنت أن هدفها هو انتشال الدولة من حال التمزق، وفي ما بعد تكشفت أهداف أخرى. وبتبنٍّ كاملٍ للحالة الصومالية عقدت تركيا مؤتمرات عدة في إسطنبول لحل المشكلة بين الأفرقاء الصوماليين، وجمعت المانحين الدوليين لتقديم مساعدات وحل قضية الديون. ووسط هذا الزخم الدولي، أعلنت عن سدادها بعض ديون الصومال. وهي تعلم أن ما يمكن أن تجنيه بعد ذلك أكبر بكثير من قيمة تلك الديون. وتركز هدفها الثاني في التصوير الإنساني للاستثمار في مشاريعها التجارية التي تدعمها ببعض المشاريع التنموية على شكل منح ومساعدات. ومن خلال إنشاء القاعدة التركية في الصومال، أسست لسوق جديدة للأسلحة التركية ودعم عسكري بإشراف الجيش التركي على تدريب الجنود الصوماليين في تلك القاعدة. وعلى الرغم من توقف الحرب وتدفق الموارد فإن الصومال ظل على ما هو عليه بسبب تجاذبات التدخلات الدولية والصراع الداخلي.

كيان موازٍ

كانت حركة الشباب الصومالية، في البداية، شبه متوائمة أيديولوجياً مع التوجه التركي، ولكن هناك أسباباً عدة باعدت بين توجهات الطرفين، وهي تقارب أردوغان مع نظام عبدالله فرماجو، والأطماع التركية في النفط والغاز الصومالي، إضافة إلى أن تركيا بعدما حازت استثمارات كبيرة في الصومال ونشرت شركاتها واستقوت، بدت وكأنها قد سحبت البساط من تحت أقدام الحركة. فحركة الشباب طوال فترات قتالها مع الحكومة، كانت تؤسس لتصبح كياناً موازياً لها، أو أن تسيطر على مفاصل الدولة، ويبدو أن وضعها كتابعة لأي قوى داخلية أو دولية ليس مقنعاً لها، إذ يمتد طموحها للسيطرة الكاملة والانفراد بالسلطة. ولهذا ظلت غير مقتنعة بالوجود التركي في الصومال، خصوصاً بعدما فاقت الأطماع التركية حدودها، في ما أسمته الحركة احتلالاً واستغلالاً لخيرات بلادها بعد شروعها في الاتفاق على الاستثمار في النفط. وأحدث ذلك هجوماً ابتدأ بالبيانات ثم تطور إلى الأسلحة والتفجيرات.

بين إيران وتركيا

تُعدُّ العلاقة بين تركيا ودول القارة الأفريقية إحدى تبعات التعاون الاقتصادي المشبوهة. فهي لا تستطيع غض الطرف عن الثروات التي أمامها، أو الفائدة من مواقع استراتيجية وغيرها، إذ تعاود الظهور من مكان إلى آخر وترتبط بتحولات جذرية مع النظم الحاكمة. والحال كذلك في ممارسة إيران قوتها الناعمة مع الدول ذاتها، إذ إن ما تقدمه من مساعدات مشحونة بالثورية لا تصمد وتأبى إلا أن تنهار أمام هاجس الأمن القومي، بالنسبة إلى تلك الدول. لذا، هي تلجأ إلى تنظيمات مثل حركة الشباب. إن إيران، وخلافاً لتركيا، قامت بتقوية علاقتها مع حركة الشباب في رابطة معقدة لمساعدتها في محاربة تنظيم "داعش". وتبعاً للتجربة الإيرانية مع تنظيم "داعش" في العراق، فقد رأت حركة الشباب أن إيران أنسب من تركيا التي قد تستعين بالتنظيم لبناء نفوذ في أفريقيا، وفق صفقات معينة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح تقرير استخباري يُقال إن مصدره جهاز خليجي أُعد في 2018 عن أثر الشبكات الإيرانية في الصومال، أن هناك تعاوناً وثيقاً يربط بين الاستخبارات الإيرانية ورئيس حركة الشباب الصومالية أحمد ديري، الذي قام في عام 2014 بتزويد الحوثيين في اليمن بوحدة لوجستية تكون مسؤولة عن توفير المعدات العسكرية لهم. وتقوم إيران بترتيبات سرية لتنسيق التجارة بين الصومال ودول الجوار، من أجل السماح لحركة الشباب بتصدير فحمها وشراء ما تحتاج إليه من أسلحة. ومن ناحية أخرى، تعتقد حركة الشباب أن تعاونها مع دولة تناصب الولايات المتحدة العداء مثل إيران هو أوقع أثراً في فرض السيطرة والانتقام من نظام الحكم في البلاد وتهديد الجوار الإقليمي.

فرص محدودة

فمن شأن استمرار الوجود التركي في الصومال أن يؤثر في دول عدة، منها إثيوبيا التي ترى أن في ذلك استقواء بتركيا في مجال التعاون العسكري، الذي يمكن أن يبني جيشاً قوياً يحمي الداخل الصومالي من التهديدات الإثيوبية، خصوصاً أن الجيش الإثيوبي استُنزف في صراعات داخلية عدة آخرها حرب تيغراي. إضافة إلى المعارضة الداخلية للوجود التركي في الصومال، إذ رفضت وساطة تركيا في مشكلة الحكومة مع إقليم أرض الصومال (صوماليلاند)، واعتبرت أن تركيا جزء من هذه المشكلة.

وعلى الرغم من أنه قد تكون لدى تركيا ترتيبات للتعامل مع مثل هذه الأزمات بتهديدها بإشعال الحرب على الجميع، فإن هناك إجراءات تقلل من نتيجة هذه الخطوة. ومع كل ما تفعله قد تتبدد الأحلام التركية في الصومال. فأردوغان يعتقد أن تجربته في استخدام القوة الناعمة بالنسبة إلى الحكومة الصومالية فريدة، مثلما اعتقد في البداية أن احتواء حركة الشباب بالنسبة إلى الوحدة الأيديولوجية بينهما ليست صعبة، ولكن تباينت أهداف كل طرف وتمايز المفهوم الجيوسياسي لكل منهما، فأدى إلى تضارب المصالح.

وفي الإطار المحيط بالصومال ودول القرن الأفريقي، تتسارع الخطى نحو اندماج المنطقة وتكاملها بما يمكن أن يحقق تفاعلاً من نوع آخر، إذ تأمل الصومال بأن يكون الكيان الأفريقي الجديد حامياً لها من التدخلات الإثيوبية في شؤونها الداخلية، وأن يبذل مساعدته لها في القضاء على حركة الشباب. ولكن، وسط سيطرة آبي أحمد ومخاوف محمد عبدالله محمد فرمانجو من أن تتجاوز طموحات الأول حدودها، ستزداد تعقيدات الواقع الصومالي. ما يجعله حريصاً على وجود الحليف التركي إلى جانبه. وهذا من ناحية أخرى، يضع أمام تركيا خيارين، إما أن تكون حليفة للولايات المتحدة في منطقة القرن الأفريقي، وقد جرَّبت هذا المسار سابقاً حين دعت الولايات المتحدة إلى نشر قواتها في مقديشو، أو أن تكون إلى جانب التكتل الأفريقي قيد التشكل، بروابط تعمل في اتجاهي تقوية نفوذها في الداخل الصومالي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل