Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مدى إضرار اتفاق بريكست بقطاع الخدمات المالية البريطانية؟

اعتبر بوريس جونسون أن غياب التوصل لتفاهم حول تحرير قطاع الخدمات المصرفية مع أوروبا آثاره هامشية

تأثير متفاوت لبريكست واتفاق التجارة مع أوروبا في الاقتصاد البريطاني (أ ف ب)

لسنوات وفي شكل مفهوم ربما، هيمنت على العناوين الرئيسية التي خصصتها وسائل الإعلام لبريكست، الآثار المرئية لمغادرة الاتحاد الأوروبي، بمعنى إمكانية وقوع فوضى حدودية وفرض رسوم جمركية كبيرة على صادرات البضائع البارزة كالسيارات والأسماك. في المقابل، إثر اتفاق التجارة الذي أُبرِم في اللحظة الأخيرة وشمل التجارة "الخفية" للمملكة المتحدة، أي صادراتنا من الخدمات (المالية والمصرفية)، أصبحت تلك المسألة محط تركيز أكبر. إذ أبرز زعيم حزب العمال، كير ستارمر، المسألة في مجلس العموم الأسبوع الماضي مُعتبِراً أن الحماية الضئيلة لصادرات المملكة المتحدة من الخدمات في الاتفاق، تشكّل "فجوة كبيرة".

وكذلك ردّدت وجهة النظر هذه رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، التي ذكرت إنها "شعرت بخيبة أمل" إزاء العناصر الهزيلة المتعلقة بالخدمات، في ذلك الاتفاق.

ولقد تأرجح بوريس جونسون بين قبول تلك التهمة وإنكارها. ففي مستهل الأمر، اعترف بأن عناصر الخدمات المالية في الاتفاق "لا تقترب مما نريد"، لكنه غيّر نبرته جذرياً في مقابلة أجرتها معه "هيئة الإذاعة البريطانية" ("بي بي سي") الأربعاء الماضي، زاعماً أن "هنالك بالفعل حواجز هائلة تحول دون وصول الخدمات (المالية) البريطانية، إذ لا توجد سوق داخلية لها في الاتحاد الأوروبي". وتشير هذه الحجة التي قدمها رئيس الوزراء إلى أن الفشل في تأمين تحرير كبير لتجارة الخدمات في الاتفاق، لا عواقب له، بل يبقينا تقريباً حيث نحن الآن. هل ثمة حقيقة في ذلك؟ هل المخاوف في شأن تأثير بريكست في الخدمات مبالغ فيها؟

تتمثّل الإجابة القصيرة في كلا. إذ يتفق خبراء التجارة على أن السوق الموحدة المصممة لمصلحة إزالة الحواجز التنظيمية كلها التي تعوق التجارة داخل الاتحاد الأوروبي، أكثر تطوراً في مجال البضائع بالمقارنة بوضعها على صعيد الخدمات (المالية)، لكنهم يرفضون زعم رئيس الوزراء بأن السوق الموحدة للخدمات غير موجودة على الإطلاق في الاتحاد الأوروبي.

ومن المؤكد أن شركات الخدمات البريطانية استفادت منها في العقود الأخيرة.

إذ تظهر البيانات الرسمية أن المملكة المتحدة صدّرت في 2019 خدمات (مالية ومصرفية) بقيمة 124 مليار جنيه إسترليني (حوالى 170 مليار دولار أميركي) إلى الاتحاد الأوروبي. وفي العام نفسه، صدّرت 170 مليار جنيه إسترليني من البضائع إلى الاتحاد. وفي المقابل، شهدت القيمة النسبية لصادرات الخدمات إلى الاتحاد ضمن مزيج صادراتنا، ارتفاعاً سريعاً.

ففي مطلع الألفية الثانية، مثّلت صادرات المملكة المتحدة من الخدمات إلى الاتحاد الأوروبي 25 في المئة من إجماليها. وفي العام الماضي، سجلت هذه النسبة 42 في المئة من المجموع. واستطراداً، يقبل المحللون التجاريون فكرة أن عناصر الخدمات في الاتفاق بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تتفق مع ما أمّنته كندا واليابان في اتفاقيهما الأخيرين للتجارة الحرة مع الاتحاد في السنوات الأخيرة.

وفي المقابل، يشدد أولئك المحللون على أن قدرة شركات الخدمات البريطانية في الوصول إلى عملائها الأوروبيين، ستشهد انخفاضاً وليس ارتفاعاً. إذ يرى مدير الإستراتيجية التجارية في مؤسسة "إرنست أند يونغ" EY، جورج ريدل، "إن تلك القدرة على الوصول بعيدة كل البعد بالنسبة إلى السوق المشتركة".

وهذا الأسبوع، ذكرتْ زميلة السيد ريدل في "إرنست أند يونغ" EY، سالي جونز، في تدوين صوتي (بودكاست) لمعهد الحكومات، إن الاتفاق يتضمن مستوى لائقاً إلى حد مذهل من القدرة على الوصول إلى المحامين البريطانيين، لكن "الضبابية أكبر مما كنت أتوقعه". وأشارت إلى مجموعة من العوائق الجديدة الناجمة عن الاتفاق بالنسبة إلى شركات "خدمات الأعمال"، كمؤسسات مراجعة الحسابات والمحاسبة والاستشارات الإدارية.

ويبدو أن طلب فريق التفاوض البريطاني باستمرار الاعتراف العام بالمؤهلات المهنية البريطانية، قد جُوبِه بالرفض. واستطراداً، فمن شأن العوائق الجديدة التي تحول دون حرية الحركة، مع بروز الحاجة إلى تأشيرات عمل الآن [بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي]، أن تجعل من الصعب على الشركات البريطانية إرسال عامليها إلى القارة كي ينجزوا مهمات، بالمقارنة بالحالة الآن. وفي ذلك الصدد، ترى السيدة جونز إنه "لسوء الحظ، ستضطرون إلى النظر في القواعد الخاصة بكل دولة عضو ترغبون في تقديم الخدمات إليها، بهدف معرفة إذا كنتم في حاجة إلى تأشيرة أم لا". وثمة أيضاً معوقات جديدة تواجه الفنانين والموسيقيين عندما يتعلق الأمر بتقديم أعمالهم في الاتحاد الأوروبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تُعتبَر شركات الخدمات المالية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، كالمصارف ومؤسسات إدارة الأصول asset managers، من الجهات الرئيسية المصدّرة للخدمات إلى الاتحاد. وبموجب الترتيب الجديد [في اتفاق التجارة مع أوروبا]، خسرت تلك الجهات "جواز سفرها" الذي مكنها من خدمة عملاء مؤسسيين وماليين في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، باعتبار ذلك الأمر حقاً من حقوقها. وفي ذلك المنحى، منح الاتحاد الأوروبي الشركات الكائنة في القلب التجاري للندن، حقوقاً مؤقتة للاستمرار في ذلك اعتباراً من 1 يناير (كانون الثاني). لكن، من المرجح أن ينتهي هذا الأمر إلى نظام "موازٍ" غير متوازن equivalence regime، يمكن أن تلغيه فعلياً الهيئات التنظيمية في الاتحاد ضمن مهلة قصيرة.

وتشكل هذه العوائق كلها، أي قواعد الترخيص المحلية، والمتطلبات التنظيمية الجديدة، وتأشيرات السفر، وما إلى ذلك، ما يُعرَف باسم "الحواجز غير الجمركية". ولذا، فمن الغريب أن يزعم رئيس الوزراء عشية عيد الميلاد أن الاتفاق الذي نجح في تأمينه من شأنه إزالة تلك الحواجز. وفي ذلك الوقت، أفاد خبراء في التجارة بإن ذلك الزعم زائف، وبعدما درسوا تفاصيله لم يغيروا رأيهم بكل تأكيد.

إذاً، ما هو التأثير الاقتصادي التراكمي لكل هذه العرقلة التجارية الجديدة في الخدمات؟

في ذلك الإطار، تعطينا النمذجة التي وُضِعت في السنوات الأخيرة في شأن الأثر المحتمل لاتفاقية أساسية للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، بعضاً من المؤشرات المفيدة. إذ أشار عمل أنجزه باحثون في المؤسسة البحثية "المملكة المتحدة داخل أوروبا متغيرة" في 2019، إلى خسارة تصيب نصيب الفرد من الدخل البريطاني بحوالى 2.5 في المئة جراء اتفاق التجارة الحرة [مع أوروبا] مقارنة بالبقاء في السوق الموحدة.

وفي سياق التوصل إلى هذا الاستنتاج، افترضوا أن الانتقال إلى اتفاق للتجارة الحرة من شأنه أن يزيد الحواجز غير الجمركية، مع رفعه على الفور التكاليف التجارية لشركات الخدمات صعوداً بحوالى سبعة في المئة. وعلاوة على ذلك، افترضوا أن المملكة المتحدة لن تستفيد من انخفاض متوقع في المستقبل في هذه التكاليف ستبلغ نسبته 11 في المئة. إذ يعود ذلك الأمر إلى خفض للحواجز التجارية المفروضة على الخدمات داخل السوق المشتركة يُتوقَّع حصوله خلال السنوات المقبلة. وكذلك استخدم خبراء الاقتصاد الحكوميون أرقاماً مماثلة إلى حد كبير في دراسة مستندة إلى نمذجة وضعتها الإدارة العامة عام 2018، فاحتسبوا زيادة تتراوح بين أربعة إلى 14 في المئة في الحواجز غير الجمركية المفروضة على تكاليف صادرات شركات الخدمات. وبالنسبة إلى الشركات المالية، احتسبوا تكلفة إضافية تصل إلى 22 في المئة تتأتى من خسارة "جواز السفر" إلى السوق الموحدة".

وفي دراسات عدّة، بلغ متوسط التقديرات للضربة البعيدة الأجل التي ستصيب الناتج المحلي الإجمالي البريطاني نتيجة اتفاق التجارة الحرة [مع أوروبا] بالمقارنة بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، حوالى أربعة في المئة.

وليس من الواضح على وجه التحديد ما هي النسبة من هذه الخسارة التي يمكن عزوها إلى انخفاض تجارة الخدمات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالمقارنة بتجارة البضائع، لكنها ستكون نسبة كبيرة نظراً إلى حصة الخدمات المرتفعة والمتزايدة في صادرات بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي ذلك السياق، عزت دراسة للحكومة البريطانية في 2018، كامل التأثير السلبي لاتفاق تجارة حرة بالمقارنة بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، إلى حواجز غير جمركية جديدة. وكذلك يُلاحظ أن الضرر الناجم عن ذلك المصدر يكاد يكون كبيراً في سيناريو التوصّل إلى اتفاق للتجارة الحرة، يتساوى مع سيناريو عدم إبرامها. إذ يتضمن ذلك بطبيعة الحال الحواجز غير الجمركية، التي تؤثر في مصدري البضائع.

وعلى الرغم من ذلك، يصبح الانقسام بين البضائع والخدمات غير واضح على نحو متزايد الآن، مع اكتساب المصنعين المصدرين حصة متزايدة في أرباحهم تأتي من الخدمات المربوطة مع البضائع التي يوفرونها. ويتلخص الأمر الأكثر إحباطاً في أن المحللين يرون إن ذلك الاتفاق [في التجارة الحرة مع أوروبا] لا يشمل كثيراً مما يمكن أن يُبنَى عليه لمصلحة مصدّري الخدمات البريطانيين.

إذ تفيد السيدة جونز من "إرنست أند يونغ"، بإنه "من الصعب أن نرى كيف يمكن إجراء تسهيلات وتيسيرات في سياق هذا الاتفاق بعينه. وثمة شوط طويل وطريق صعب أمام قطاع الخدمات البريطاني، قبل أن يحقق أي مستوى من القدرة على الوصول إلى السوق، على غرار ما حازته قبل [الخروج من الاتحاد الأوروبي]".

© The Independent