قلما ذكرت رؤية المملكة المتحدة كـ"سنغافورة منخفضة الضرائب ومنخفضة القيود الناظمة [في قطاع الأعمال] على نهر التايمز" في حملة الاستفتاء عام 2016، لكن كثر الكلام حولها مع اقتراب موعد انسحاب المملكة المتحدة الكامل من الاتحاد الأوروبي.
ومن المشكوك فيه أن يصب هذا النموذج في مصلحة العديد من المصوتين على قرار الانسحاب والساعين إلى استعادة السيطرة. وليس من الواضح تماماً حتى ما إذا كان هذا النموذج سيتماشى مع الوعد الذي قطعته الحكومة بتحسين أوضاع البلاد ومستواها.
لكن هل تتجه المملكة المتحدة حقاً لتصبح ملاذاً ضريبياً من الحجم الكبير، كما يقترح البعض؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المفاجئ أن الاتفاق التجاري الخاص بمرحلة ما بعد "بريكست" لا يذكر شيئاً عن قضايا فرض الضرائب، لكن الخبراء يؤكدون وجود بعض المقاطع التي يمكن أن تدل عليها.
وفي رأي ريتشارد مورفي، البروفيسور والناشط في مجال الضرائب، الاتفاق هو في مقام هدية للأفراد والشركات الراغبين في تجنب الضرائب.
ويقول مورفي هذا الكلام مشيراً إلى بند في الاتفاق يعفي المملكة المتحدة من التزامها بالامتثال لمعايير الاتحاد الأوروبي لقواعد السلوك المتعلقة بضرائب الأعمال التجارية.
وفي منشور حديث له، يستذكر مورفي المعارك التي خِيضت مع حكومتي جيرزي وغيرنزي بشأن القانون إياه على مدى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
"نتيجة للحملات التي عملت عليها آنذاك، تغيرت قوانين الطرفين الضريبية بصورة جذرية"، يكتب مورفي، "وفشلت خططهما لتفادي الالتزامات المنبثقة عن هذه المدونة".
ومع فقدان المدونة قابليتها للتطبيق، يفترض مورفي أن تكون الهيئات القضائية قادرة على إعادة إرساء "وضع الملاذ الضريبي الكامل".
وسيكون السبيل إلى ذلك في القدرة على إعادة إنشاء آليات واقية صناعية تؤيد دافعي الضرائب غير المقيمين وتدعمهم، لا بل وتمنحهم معدلات ضريبية منخفضة للغاية.
ومع هذا كله، ليس الكل على اقتناع بعد بأن "بريكست" سيعيد الزخم إلى معركة مكافحة التجنب الضريبي من قبل الشركات، على اعتبار أنه من الممارسات التي تكلف الحكومات نصف تريليون دولار من الإيرادات المهدرة كل عام.
وفي هذا الصدد، يقول بول موناغان، الرئيس التنفيذي لمنظمة "فير تاكس مارك" (علامة الضريبة العادلة) المعنية بتحديد معايير الممارسات الضريبة الجيدة، إن الاتفاق قد يلحق الضرر بأقاليم ما وراء البحار والأقاليم التابعة للتاج البريطاني مع فقدان المملكة المتحدة مقعدها على طاولة الاتحاد الأوروبي وقدرتها على الدفاع عنها.
ويؤكد موناغان أن المملكة المتحدة تعهدت بالمضي قدماً في إجراءات "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD) لمكافحة التجنب الضريبي أو ما يعرف بتآكل الضريبة ونقل الأرباح.
ومن جهته، يلحظ عضو حزب العمال، اللورد سيكا الذي يشغل منصب أستاذ محاسبة ومؤسس مشارك في "شبكة العدالة الضريبية"، أن النقاشات البرلمانية بشأن اتفاق التجارة وفرض الضرائب وحقوق العمال هذا الأسبوع بالكاد حصلت على ذكر في المجلسين الأعلى والأدنى.
ويضيف "ستمسي الضرائب نقطة صدام مع الاتحاد الأوروبي بعد انفصالنا عنه. وإن كان على برامج الرعاية الاجتماعية، فالدول الإسكندنافية وفرنسا وألمانيا تنفق عليها أكثر منا بكثير".
"وقد سبق وخفضنا ضرائب الشركات والضريبة على الأرباح الرأسمالية. ولو أردنا تخصيص الشركات بمزيد من التخفيض، فهل ستعتبر هذه الخطوة من قبيل المعونة الحكومية؟" لغاية الآن، وجد الاتحاد الأوروبي صعوبةً كبيرة في إيلاء الدول مهمة فرض ضرائب متدنية على الشركات.
وفي 2016، علمت المفوضية الأوروبية أن إيرلندا منحت "آبل" معونة حكومية غير شرعية عن طريق تخصيصها بمعدل ضريبة فاعل لا يتجاوز الـواحد في المئة. لكن هذا العام، ألغت "محكمة العدل الأوروبية" هذا الحكم. وطعنت المفوضية بقرار الإلغاء.
ومن القضايا المثيرة للقلق إلى حد كبير هو مناصرة الحكومة للموانئ الحرة وإشادة كل من مايكل غوف وريتشي سوناك بفضائل هذه المناطق الاقتصادية المخصصة وإيجابياتها، على أساس أنها تروج لإعادة التجديد؛ وذلك على الرغم من النقاد الكثر الذين يعتبرون أن الموانئ الحرة تأخذ، بكل بساطة، كثيراً من الإعفاءات الضريبية والتنظيمات الخفيفة لعالم ما وراء البحار وتطبقها في الداخل.
عدا عن ذلك، يرى النقاد أن الموانئ الحرة تسهل عمليات تبييض الأموال وتخفف من إيصالات الضرائب الوطنية في الوقت الذي تندر فيه الأدلة على قدرتها على تحفيز النمو الاقتصادي.
وبالعودة إلى اللورد سيكا، فهو يقر أن الموانئ الحرة مبدئياً، تفضل الشركات الأكبر حجماً التي تستغل مزايا المجتمع، على غرار القوى العاملة المتعلمة والبنية التحتية الممولة من القطاع العام، من دون مقابل ومن دون مستويات ملائمة من الضرائب.
كما أنها تستقطب الشركات التي تهتم بشكل رئيس في دفع معدل ضريبة متدن وهي من نوع الشركات التي تفرح لانتقالها إلى سلطة قضائية أخرى يمكن أن تقدم لها عرضاً أفضل. بالمختصر المفيد، الموانئ الحرة تسوق لسباق نحو الحضيض، سباق يعري البلاد من قدرتها على سداد تكاليف الخدمات العامة. وهذا ما لم يصوت له 17 مليون بريطاني.
© The Independent