Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"استحلي وخود" مبادرة تربط الجسور بين الآداب والموائد

أطلقها لغوي لبناني وجد أن المكتبات الخاصة يمكن أن تفيد غير ملاكها

في طرابلس اللبنانية مشهد يثير فضول المارة ومحبي الكتاب. أكداس من الكتب مطروحة على طاولة كبيرة عند مدخل أحد المطاعم، وفي الداخل يدعوك صاحب المطعم إلى تصفح هذه الكتب، قائلاً للزبون "استحلي وخود"، وهي العبارة نفسها التي تختزل مبادرةً للتشجيع على اقتناء الكتاب والقراءة، والتي أطلقها بلال عبد الهادي، ابن صاحب "مطعم الدنون".

انطلقت هذه المبادرة منذ 5 أشهر، وقدم خلالها أصحاب المطعم مئات الكتب القيمة من جميع الأنواع الأدبية والميادين العلمية والثقافية. يقول إنه لطالما راودته فكرة تأسيس مكتبة مجانية لعامة الناس، فهو يمتلك مكتبة منزلية كبيرة يقدرها بنحو 15 ألف كتاب، ويمتلك التصميم الهندسي للمكتبة، إلا أنه كان يفتقر إلى المكان. تطورت الفكرة عنده، وبدأ يبحث عن طريقة لتمويلها وتأمين موارد للاستمرارية. ومع الوقت، جاءت الانهيارات الاقتصادية لتهز بنيان فكرته، لذلك فقد اهتدى إلى تحقيق الشراكة بين فكرته المثالية ومطعم والده المغرق في الشهرة. من هنا، فقد بدأ عبد الهادي مشروعه من خلال عرض عدد كبير من كتبه في البهو الداخلي للمطعم، حيث يمكن للزبائن اقتناء أي كتاب مجاناً.

يغذي عبد الهادي المكتبة العامة بصورة مستمرة، حيث "يستعير" في كل مرة من مكتبته الخاصة نحو 50 كتاباً ليعرضها، ويقدمها مجاناً للزائرين.

يخالف عبد الهادي في حديثه لنا الفكرة الشائعة بأن "الكتاب طفل عزيز لدى المالك لا يتخلى عنه"، ويقول "عندما أضع الكتاب في خزانتي، سأحتكر قراءته، ولن يستفيد منه الآخر".

أدب المآدب

يشير عبد الهادي في حديثه باستمرار إلى حبه لمهنة والده، فهي قدمت له الفرصة للتقدم والعطاء، كما أتاحت له الفرصة للتواصل مع الناس عامة، كما أنها في نظره خطوة تجدد تأصيل الرابط اللغوي بين الأدب والمآدب. لذلك يقول "أنا أشتغل بالآداب والمآدب أيضاً، وكلاهما تعود إلى بطن واحد هو الأدب لأن جذرها اللغوي (أ د ب)".

مع تعزيز عبد الهادي "الأخوة بين الأكل والأدب" من خلال الربط بينهما، يواجه سؤال القطيعة بين غذاء الجسد الذي يقوي النزعة الشهوانية، وغذاء الفكر الذي ينمي النزعة العقلانية، بالرد "ليس بالعقل وحده يحيا الإنسان، وليس بالجسد وحده يحيا، لأن الإنسان جسم وروح، فمن يهتم بالجسد وحاجاته المادية وحدها إنما يحوله إلى جثة"، لذلك فهو يعتبر أن "القراءة هي الفريضة المغيبة في عالمنا اليوم".

من المكتبة إلى المطعم

أعطت هذه المبادرة وجهاً ثقافياً للمطعم، وحقق رهان صاحبها بأن "أي مهنة تنتعش في ظلال الثقافة"، إذ لقيت المبادرة ترحيباً عاماً، مع القناعة من جانب المهتم بنجاحها بأن بعض الناس لن يستفيد من الكتب التي يأخذها، إلا أنه يكتفي بأن تكون كالمطر تغذي كل مشتاق. ويلفت إلى أن بعض محبي القراءة استغلوا الفرصة لاقتناص بعض العناوين المميزة، لذلك ازداد ارتياد المطعم من قبل شريحة هواة جمع الكتاب، لذلك لا يمانع في حصول الزائر على كتابين، أو أكثر من أجل تعزيز المعرفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يؤكد عبد الهادي أن في مكتبته الشخصية "كتباً عزيزة" لن يستغني عنها، وهي التي ترتبط ببدايات تشكل الوعي الفكري والثقافي، حيث تربطه "علاقة حميمة" مع بعض الكبت والمجلات التي بدأ جمعها في 1978. يعود بالذاكرة ليستشهد بأهمية الكتاب لجيله، فكان "يفضل شراء الكتاب على أن يشتري الطعام"، وصولاً إلى "تكوين مكتبته الشخصية الكبير، حيث واظب على شراء كتاب واحد كل يوم"، ويستمر بهذه العادة إلى يومنا هذا.

مساهمون جدد

المبادرة التي بدأت فردية آخذة بالتوسع، وفقاً لعبد الهادي الذي كشف عن قيام نحو 12 شخصية بتقديم كتب ومجلات ثقافية، لعرضها في المكتبة لديه، ومن بينها كتب قيمة، مثل مؤلف les fables de la Fontaine، وكتب تربوية، وتوعوية، وتاريخية. كما أبدت بعض دور النشر استعدادها لتقديم مجموعات من الروايات والكتب العلمية والسير الذاتية، في حين يطمح هو إلى تأسيس مكتبة لأدب الأطفال، وقد بدأ بالتجهيز لهذه الخطوة على أن تكون متنوعة وشاملة.

ينصح عبد الهادي بالقراءة المتنوعة، لأنها مفيدة كالغذاء المتنوع، ويرى أنه من الضروري أن يقرأ الإنسان ما هو "مضاد لفكره".

إنجاز إضافي

لم تكن الكتب التي المعروضة أمام القراء رصيد الرجل الوحيد، فهو أيضاً مؤلف، وقد أصدر كتابين هما "لعنة بابل"، و"الكتابة على جلدة الرأس". ويعود الأول إلى الأسطورة التوراتية حول تعدد اللغات الذي يعود إلى لعنة بابل، عندما حدثت بلبلة في المشروع، لأن "التواصل أساس كل مشروع". أما في كتابه الثاني فيجمع عديداً من المقالات المتعلقة باللغة وأركان العملية التواصلية، ويبرر عنوانه انطلاقاً من صورة ذهنية، ويفترض أن هناك شخصاً كتب رسالة على جلدة رأسه بدلاً من ورقة، ولما نبت الشعر على رأسه، أصبح من المتعثر قراءتها، لذلك لا بد من العودة إلى الحالة الأصلية لمعرفة هذا الإنسان.

في المحصلة، تشكل هذه المبادرة فاتحة لمبادرات جديدة للمصالحة بين عامة الناس والكتاب في عاصمة العلم والعلماء، طرابلس، كما تسهم في فتح الباب أمام إعادة بعث الحياة في الكتب الورقية في عصر الرقمنة والوسائط الإعلامية المتعددة، ليكون الكتاب في مكانه الصحيح، وفي حيازة من يحتاج إليه، وألا يبقى مجرد أداة ووسيلة للزينة على الرفوف وفي الصالونات الفارهة.

اقرأ المزيد

المزيد من كتب