Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفتى الذي طوّع الرياح: إبداع هادئ في زمن السينما الصاخبة

ويليام الفتى الذي ولّد الكهرباء والأمل في مالاوي .. يجعلنا نتفاءل بسينما جميلة ببساطتها

صورة غلاف فيلم "الفتى الذي طوع الريح" (نيتفليكس)

لا يمكنك إلا أن تتوقف عند ’فيلم الفتى الذي طوَّعَ الرياح’ وتـُعجبَ به، خاصة عندما تجده يقف وحيداً على قائمة أفلام نيتفليكس وسط الإنتاجات السينمائية الضخمة والمُبهرة والحرب المستعرة بين المخرجين والمنتجين على تقديم أعمال تتنافس في المؤثرات البصرية المبالغ بها واستخدام التكنولوجيا الساحرة واستغلال جمال البطلات الحسناوات وعضلات النجوم المفتولة لجذب أكبر عدد من المشاهدين ومحاولة تعويض الأموال الطائلة التي أنُفقت على أعمالهم.

هذا الفيلم ليس عن مملكة في زمن غابر ولا عالم مستقبلي مجهول، ولا هو عن إمبراطورية مُتخيّلة كل شخصياتها ومدنها وأزيائها غريبة الأشكال والأسماء. 

الفيلم مقتبس عن كتاب سيرة ذاتية بنفس العنوان للكاتبين (ويليام كامكوامبا وبرايان ميلر) صدرت عام 2009. ولعل الفيلم والكتاب لا يشتركان فقط بالاسم وبأن مؤلف الكتاب هو البطل الحقيقي للقصة بينما أدى كاتب السيناريو والمخرج (تشيويتيل إيجيوفور) بطولة الفيلم .. بل يتشابهان أيضاً بويترة تطور الأحداث وتراكم التشويق مع مرور الصفحات والدقائق.

هذا الإنتاج البريطاني الذي انطلق في بداية السنة الحالية ، قد يبدو مملاً في البداية وأشبه بأفلام الأطفال التي يحاول القائمون عليها إدخال بعض العناصر لجذب انتباه الكبار رأفةً بالآباء والأمهات الذي يُجبَرون على متابعة "أفلام العائلة" مع أطفالهم خلال عطلة نهاية الأسبوع.

لكن مع مرور أحداث الفيلم الذي يبلغ طوله 113 دقيقة، سرعان ما تزداد القصة و الحبكة عمقاً.. تماماً مثل تلك التشققات في أرض ’ملاوي’ العطشى التى ركز عليها المخرج بلقطات قريبة وعامة وتصوير جوي لم يكن بغرض الاستعراض بقدر ما كان بهدف تقديم أكبر صورة ممكنة للمشاهد عن مدى قسوة الطبيعة في تلك البقعة المُعدمة من العالم. 

ولم يغفل الفيلم عن تقديم معاناة السكان الذين يعملون بغالبيتهم في الزراعة من ظلم السياسة إلى جانب جور الطبيعة عليهم.

مشهد الضرب المبرح الذي يتلقاه زعيم القرية من حرس الرئيس لمجرد أنه تجرأ وتحدث عن معاناة المزارعين رغم أنه أطنب في مديح الحكومة في بداية خطابه يلخص الوضع السياسي في البلاد.

وإن كانت أفواه الكبار قد كُممّت، فإن عقول الشباب تتأجج بالأفكار والأمل، وكلما ضاقت الأحوال زاد تصميم ويليام (الممثل ماكسويل سيمبا)، البالغ من العمر 13 عاماً، هذا اليافع الذي طُرد من المدرسة مراراً لعدم قدرة أهله على سداد أقساطها. وعلى عكس المراهقين في سِنّه في باقي أنحاء المعمورة الذين يحاولون بشتى الوسائل الهرب من المدارس .. نراه لا يعدم وسيلة للتسلل عائداً إلى الفصل الدراسي. تـُقفل كل الأبواب في وجه الفتى وأسرته، التي فعلت كل ما في وسعها لتقديم حياة أفضل لأبنائها من خلال منحهم فرصة التعلم، لكن العلم رفاهية لا يطالها إلا قلة قليلة في بلد فقير بلا أمطار ولا محصول ولا طعام ولا بذور للزرع في الموسم القادم الذي لا يعلم أحد هل سيكون من السنوات السمان أو العجاف.

ورغم سخرية البعض والتقليل من شأن فكرة ويليام إلا أنه يواجه المستحيل في سعيه لتصنيع عنفة تديرها الرياح من بطارية سيارة قديمة عثر عليها بين القمامة، معتمداً على كتب الفيزياء البالية التي يختلس قراءتها في مكتبة القرية المتواضعة، من أجل استنباط المياه من البئر واستخدامها في السقي، لكن العقبة الكأداء كانت في إقناع والده ترايويل (الذي لعب دروه الممثل والمخرج تشيويتيل إيجيوفور) بالتخلي عن دراجته الهوائية لاستخدام دوّاساتها للبدء بتحريك العنفة. قد لا تبدو دراجة هوائية صدئة ذات قيمة في زماننا هذا، لكنها كانت آخر ما يمتلكه الأب الذي خسر كل شيء حتى ابنته التي هربت خوفاً من أن تموت جوعاً بعد تقليص الأسرة لوجباتها إلى كمية ضئيلة من دقيق الذرة المعجون بالماء يتناولونها مرة واحدة في اليوم وتحضّرها الأم الصابرة والمتألمة أغنيس (الممثلة آيسا مايغا).

إدخال اللغة المحلية في نسيج الحوار جعل العمل أقرب إلى بيئته وأكثر واقعية لكنه في بعض المقاطع أتى على حساب الانتباه إلى أداء الممثلين لاضطرار المُشاهد إلى التركيز على الترجمة بدلاً من تعابير وجوههم. لكن لم يكن ممكناً أن يفوتك الأداء المتمكن لأبطال الفيلم وهو يظهرون العلائم الصادقة بالبهجة وانبعاث الأمل بعد يأس طال كثيراً على محيا ويليام وأسرته وسكان القرية أجمعين عندما سمعوا أول صوت ناجم عن حركة العنفة التى تمكن الصبي في النهاية من تصميمها عندما أدرك والده أن الخسارة هي قدره ولا بد له من المغامرة بدراجته الهوائية في رهان على حياته وحياة المحيطين به. إلا أن صبرهم انتهى بدموع انسابت فرحاً بقطرات الماء الأولى المندفعة من جوف الأرض مُعلنة نجاح التجربة.

مثلما ولّد ويليام الكهرباء من الرياح وأحيا الأمل في قريته وبين أهله بأدوات بدائية، يجعلنا الفيلم نتفاءل بأنه ما زال بالإمكان إنتاج أعمال سينمائية مبدعة وجميلة ببساطتها بعيداً عن البذخ والإبهار. 

المزيد من فنون