قبل أن تدخل عالم الموضة متربعة على الأنف، متمسكة بالأذنين، حاجبة للعينين، مضفية الغموض على الوجه بألوانها وأشكالها وأحجامها، كان للنظارات الشمسية تاريخ حافل. وفي حين يعتبرها البعض واحدة من الكماليات والإكسسوارات في الحياة، ارتداها مواطنو الإسكيمو منذ التاريخ القديم. وكانت مصنوعة حينها من عاج حصان البحر المعروف بالفظّ مع شقوق ضيقة للرؤية بهدف تفادي العمى الثلجي.
ويذكر التاريخ عالم الفيزياء العربي الحسن ابن الهيثم الذي كان رائداً في استخدام الزجاج كمصحح للنظر عندما خلصت تجاربه إلى العدسة المحدّبة أو المقوّسة لتكبير الخط بهدف القراءة.
كما يذكر أن جزيرة مورانو الإيطالية المشهورة بزجاجها الصافي والملون، التي عاش فيها الطبيب الإنجليزي روجيه باكون الذي يعتبر بحسب بعض الروايات الأب الأول للنظارات، هي مهد هذا الاختراع، إذ كانت تسمّى العدسة "زجاجة القراءة"، وكانت تصنع من الكوارتز في القرن الثاني عشر، ثم ازدهرت لاحقاً مع اختراع الطباعة وانتشار القراءة.
ولكن هذه النظارات كان هدفها تكبير الحروف، ولها عدسات مقوّسة للرؤية القريبة، قبل أن تطور العدسات المقعرة لتصحيح الرؤية البعيدة. وكانت النظارة تثبّت في جذع على عين واحدة قبل أن تستقر على الأنف وتثبّت وراء الأذنين بعد ذلك في القرن السادس عشر.
أما النظارات الشمسية، فلها قصص أخرى، من عدساتها الملونة، إلى إطاراتها، وصولاً إلى دخولها عالم الموضة.
الزمرد والكوارتز عدسات ملونة
تشير بعض الحكايات غير الموثقة تاريخياً إلى أن الإمبراطور الروماني نيرون كان يشاهد المبارزات بين المصارعين، مستخدماً عدسات الزمرد في مجوهراته.
كما استعمل الصينيون ألواحاً مسطحة من حجر الكوارتز الكريستالي بعد تعريضه للنار ليصبح مائلاً للون الأسود للعدسات في القرن الثاني عشر، بهدف إخفاء تعابير القضاة في المحكمة عند استجواب الشهود.
أما العدسات الملونة الأولى، فتعود إلى القرن الثامن عشر، إذ برزت العدسات الخضراء والزرقاء للمساعدة في مشكلات الرؤية تجاه أشعة الشمس. وابتكرت في منتصف القرن من قبل متخصص البصريات الإنجليزي جيمس أيسكوف، إذ كان الاعتقاد السائد أن الزجاج الملون الزمردي يساعد في تصحيح النظر. أما الأصفر أو البني منه، فيوصف لمرضى الزهري كون الحساسية من الضوء واحدة من أعراض هذا المرض.
وبالنسبة إلى النظارات الشمسية التي نعرفها في عصرنا هذا، فيعود انتشارها إلى التاجر الأميركي سام فوستر عام 1929 وكانت في بدايتها تعتّم الرؤية من دون أن تخفف الوهج أو تحمي العيون.
بعدها طوّرت العدسات لحماية الطيارين من الأشعة ما فوق البنفسجية أثناء التحليق فوق قمم الجبال، حيث الحرارة المتدنية جداً تتسبب بتجميد العيون. فكان الطيارون يعزلون عيونهم بنظارات مبطنة بالفرو. وكانت حادثة تجمّد عيون أحد الطيارين سبباً رئيساً في جعل زميله يعمل على تطوير نظارات تحمي العيون بشكل كامل. وبيعت في بادئ الأمر في محال الأجهزة الرياضية.
أغلى نظارة شمسية
ترتبط النظارات الشمسية في ذهن جيل كامل بالمخبر السري، الذي يتخفى ويرصد الناس أو يتجسس عليهم. كما أن اللون الأسود القاتم، اقترن بفاقدي البصر الذين تخفي العدسات السوداء عيونهم كلّياً.
واعتمد نجوم هوليوود والعالم منذ ستينيات القرن الماضي الظهور بالنظارات الشمسية سواء في الأفلام أو على المسارح وفي حياتهم اليومية، قبل أن تصبح النظارات الشمسية واحدة من الإكسسوارات التي باتت دور الأزياء تعتبرها أساساً ضمن منتجاتها التي تتألق في العروض.
ويعدّ الفنان البريطاني إلتون جون من أكثر الشغوفين بتجميع النظارات، وكان قد صرّح منذ نحو 10 سنوات لـ"بي بي سي" أنه يمتلك أكثر من ربع مليون زوج منها.
وزيّنت الإطارات التي اختلف شكلها مع الموضة وصيحاتها النظارات الشمسية، فصُنع بعضها من الذهب ورصّع بالألماس والأحجار الكريمة، ووصل سعر أغلاها إلى 400 ألف دولار أميركي، وهي مصنوعة من 60 غراماً ذهب عيار 24 و51 قطعة ألماس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اختيار النظارات الشمسية
ويبقى الأهم كيفية اختيار النظارات الشمسية واستخدامها المناسب لحماية العين. في هذا الإطار، يتحدث لـ"اندبندنت عربية" متخصص البصريات وقياس النظر أمير أبو عديلة، الذي برز دوره في المجتمع اللبناني عقب تأسيس جمعية "العناية بالنظر"، عبر تأمين فحص النظر المجاني وتقديم النظارات المجانية إلى آلاف المرضى في لبنان. كما له دور كبير في تعديل قانون تنظيم المهن البصرية في البلد.
يقول أبو عديلة إن أنواع النظارات وألوانها تعتمد على شكل الوجه من الدائري إلى المربع إلى الماسي وغيره، مع شكل الحاجبين. واختيار اللون من الأفضل أن يتناسب ولون البشرة والشعر إلى جانب دور كبير للذوق الشخصي، أما الإطار فبحسب الموضة الرائجة.
المهم بالنسبة إلى أبو عديلة هو الزجاجات، فيوضح أنها تقسّم إلى نوعين: الزجاج بلوري والزجاج بلاستيكي. ويتمتع الأول بنقاء لا تضاهيه أي نوعية زجاج أخرى، كما يصعب خدشه ولكنه سريع الكسر. أما البلاستيكي، فلديه قدرة قوية على التحمّل ضد الكسر، ولكن يمكن خدشه بسرعة. ويشير إلى وجود مواد يغلّف بها الزجاج، فيجعله غير قابل للخدش Scratch Resistant، أو ذات قدرة على عكس الضوء المزعج للعين Anti Reflection وغيرها.
ألوان الزجاج
بالنسبة إلى لون الزجاج ودوره، يشرح متخصص البصريات وقياس النظر أن لكل لون خاصية معينة. فالأصفر والبرتقالي يستعملان في ظروف الأجواء الباهتة، الليلية، الصيد، ولبعض الأمراض الشبكية التي تؤثر في رؤية الألوان بشكل واضح. واللون البني والألوان القاتمة تستعمل في البلدان حيث أشعة الشمس قوية بغية الحصول على أعلى نسبة من الحماية. أما الأحمر والألوان الأخرى وزجاجة المرآة، فتستخدم كموضة أولاً، وثانياً لإخفاء العيون أو الحصول على بعض الخصوصية.
في كل الفصول
ويتحدث أبو عديلة عن العدسات المستقطبة polarized، مشيراً إلى استخدامها لتخفيف توهّج الضوء المنعكس أفقياً، مما يساعد على القيادة في الظروف الممطرة وتوهّج الشمس على الأسطح اللامعة.
أما لحماية كاملة، فينصح بارتداء النظارات الشمسية في النهار المشمس، وحتى خلال الطقس الممطر لما يشكّله من ارتفاع في نسبة الأشعة ما فوق البنفسجية (UV 400)، مشيراً إلى أن قزخية العين تعدّل نسبة الضوء الذي يدخل إلى العينين. ويوضح أنه في الظلام تتوسع حدقة العين، مما يسمح بدخول المزيد من الضوء، وفي حال غياب فلتر الـUV 40، تدخل الأشعة ما فوق البنفسجية لتصل إلى شبكية العين التي ستُدمّر مع الوقت، مروراً بعدسة العين البلورية التي تؤدي إلى فقدان شفافيتها ونقائها بشكل أسرع وتعجّل إمكانية تشكّل الماء الزرقاء في العين.
ولهذا يعتبر أبو عديلة أنه من المهم اختيار المكان المناسب لشراء النظارات الشمسية، إذ تكون الثقة الباب الأول بين المريض والمتخصص، مع وجوب وجود متخصص بصريات وقياس النظر في محل بيع النظارات، إضافة إلى حصول المحل على إذن مزاولة للمهنة من وزارة الصحة، والتأكد من خلال فحص الزجاجات على الـUV meter. بالتالي، "يجب الامتناع عن شراء النظارات الشمسية من محال الثياب أو الصيدليات أو غيرها، بخاصة محال الـ Online، التي تنعدم لديها المسؤولية والضمير الطبي في كثير من الأحيان".
نظارات طبية وشمسية
ويقول أبو عديلة إن الشخص الذي يستعمل نظارات طبية يستطيع أن يرتدي نظيرتها الشمسية بعد تعديلها لتحتوي على الدرجات الطبية لتصحيح نظره، شرط أن تكون الزجاجات معالجة بفلتر الـ400 UV كي لا نقع في مضار النظارات المقلدة التي تؤذي صحة العين.