Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حياد إندونيسيا لم يفدها في مواجهة التوغل الصيني

على الرغم من الشراكة التجارية بين البلدين إلا أن بكين تواصل اعتداءاتها على المياه الإقليمية

تعتبر إندونيسيا أن بحر "ناتونا" يخضع لسيادتها (غيتي)

على الرغم من أن الاقتصاد الإندونيسي هو سابع أكبر اقتصاد في العالم، وعدد سكانها الرابع عالمياً، إلا أن حضور البلاد على المستويين الإقليمي والدولي ضئيل جداً، بعدما اختارت منذ عقود سياسة عدم الانحياز في العلاقات الخارجية. 

لكن هذا الحياد لم يضمن لإندونيسيا، وفق مقال نشرته "فورين أفيرز" في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحماية من تعديات الجار الصيني على مياهها الإقليمية، تحديداً في بحر "ناتونا"، التي تزداد عدوانية في الآونة الأخيرة. 

العلاقة مع الصين

 عام 1990، استعادت جاكرتا وبكين علاقتهما بعد عقود من قطيعة بدأت منذ نجاح انقلاب مدعوم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، عام 1965، أطاح بحكم الرئيس الأول للبلاد أحمد سوكارنو، الذي كان يلعب دوراً قيادياً في حركة عدم الانحياز.

الانقلاب الذي قرّب جاكرتا إلى الولايات المتحدة في مشروعها المناهض للاتحاد السوفياتي، أبعد البلاد عن الصين، التي تعتبر اليوم الشريك التجاري الأكبر لها.

وفي السنوات الماضية، تعهدت بكين بتنفيذ عدد من المشاريع في إندونيسيا ضمن مبادرتها "الحزام والطريق". 

لكن هذا التعاون الاقتصادي لم يمنع الصين من ممارسة تعديات على المنطقة الاقتصادية الإندونيسية أو الاعتداء على الصيادين وقتل عدد منهم ومحاصرة مئات البحارة في السنغال، أو إساءة معاملة مهاجرين إندونيسيين على قوارب صينية، كما حدث في مايو (أيار) الماضي، ما أثار موجة استنكار واسعة بين الإندونيسيين، الذين لا ينظرون بعين الرضا إلى علاقة بلادهم ببكين.

والحال أن تراجع شعبية الصين في إندونيسيا تظهره استطلاعات للرأي. فقد تقلص تأييدها بين السكان من 66 في المئة عام 2014 إلى 36 في المئة عام 2019. وتتوقع "فورين أفيرز" أن تكون النسبة تراجعت أكثر الآن، خصوصاً أن الإندونيسيين يحمّلون بكين مسؤولية انتشار فيروس كورونا، الذي أصاب بلادهم أكثر من أي دول مجاورة عدة.

في المقابل، تعامل بكين الاستنكارات الإندونيسية بلا مبالاة، فهي لم تحاسب أياً من مرتكبي تلك الاعتداءات، ولم تمتنع عن الاستمرار في ممارستها، في حين أن موقف جاكرتا تجاهها بقي متردداً، فلم تعزز وجودها العسكري في بحر "ناتونا"، إلا بعد أن أصبحت اعتداءات بكين متكررة إلى درجة لا يمكن تجاهلها.

لكن الاعتراضات الإندونيسية لم تصل إلى مرحلة المواجهة، إذ لا تزال السلطات تستجيب لطلبات الصين، كما حصل عند تسليمها ثلاثة من طالبي اللجوء من الإيغور المسلمين إلى بكين ورفضها اتخاذ موقف بشأن أزمة حقوق الإنسان لديهم.

مواجهة إقليمية مع بكين

في موازاة محاولة الحوار الأمني الرباعي الذي يضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، مواجهة الهيمنة الصينية على المحيطين الهندي والهادئ، تعمل بكين على تعطيل فاعلية رابطة دول جنوب شرق آسيا، التي تضم إندونيسيا. وهي تجهض، عبر وكلاء شبه علنيين لها، مثل لاوس وكمبوديا، أي مسعى لمعالجة اعتداءاتها على المياه الإقليمية للدول الأعضاء.

لكن وفق "فورين أفيرز"، هناك مؤشرات تدل على استعداد البلاد لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه الصين. ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال زيارته إلى جاكرتا، السلطات على زيادة التعاون العسكري مع بلاده واتخاذ موقف أوضح بشأن الأقلية المسلمة (الإيغور) في الصين، مكرراً دعم واشنطن لموقف إندونيسيا من بحر "ناتونا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما تسعى الدولة الآسيوية إلى تعزيز علاقتها الأمنية مع أستراليا منذ عام 2016. وعبر هذه العلاقات، يمكنها أن تلعب دوراً أكثر حضوراً في المنطقة، يضمن وجود رد إقليمي موحد ضد تمدد بكين عسكرياً في بحر الصين الجنوبي.

ويمكن لجاكرتا أن تستفيد، في سياق تمتين تحالفاتها، من كون ثلاث من دول الحوار الرباعي هي من أكبر شركائها التجاريين بعد الصين، أي اليابان والهند والولايات المتحدة. وهذه الرباعية، وأستراليا ضمناً، تشكل ثقلاً تجارياً أكبر من التعامل مع الصين. 

 إلى ذلك، تملك إندونيسيا مجالاً للمناورة تجاه الضغوط الصينية، فهي تصدّر لها مواد خام مثل النيكل والبوكيست لا بدائل رئيسة لها في الصين. كما أن رحلات تجارية صينية عدة تستخدم المياه القريبة من إندونيسيا للوصول إلى أفريقيا والشرق الأوسط.

وتسأل "فورين أفيرز" عن فائدة السياسة الخارجية الإندونيسية المحايدة إذا كانت تسمح لمعتدٍ، كما هي حال بكين، بالتوغل داخل المياه الإقليمية لجيرانه وبدء حروب تجارية من منطلقات سياسية لمعاقبتهم؟ وتضيف أن "التوازن الدقيق"، كما عُرفت سياسة جاكرتا تجاه بكين في الماضي، لم تعُد كذلك الآن.

تشدد إندونيسيا في موقفها من الصين سيكون متّسقاً مع اتجاه سائد في الإقليم. ففي البداية، كانت اليابان وأستراليا، كما جاكرتا الآن، حذرتين من مواجهة الصين، خصوصاً أن الثانية تعتمد في اقتصادها على استهلاك الأخيرة لخام الحديد والفحم وصادرات زراعية. 

لكن دعوة أستراليا إلى إجراء تحقيق دولي شفاف بعد تفشي فيروس كورونا، الذي ظهر في الصين للمرة الأولى، تحوّلت إلى حرب تجارية بين البلدين فرضت خلالها بكين عقوبات. 

في المقابل، سعت اليابان إلى الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع بكين وواشنطن، تضمن لها الوصول إلى سوقَي البلدين. لكن عدوانية السياسة الصينية أخيراً، وفوضوية إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، دفعتا طوكيو إلى تمويل شركات يابانية لنقل العمليات بعيداً من الصين، إلى جنوب شرقي آسيا، تحديداً فيتنام، الحليف المحتمل للحوار الرباعي.

آفاق أخرى

التحركات الإندونيسية الأخيرة تشي باتجاه لتوثيق العلاقات مع دول الحوار الرباعي. وهي بدأت، بالفعل، منذ يوليو (تموز) الماضي بمساعدة أستراليا باستيراد المنتجات الزراعية منها، تعويضاً عن الانسحاب الصيني.

من جهة أخرى، التقى وزير الدفاع برابوو سوبيانتو مسؤولين من الهند واليابان والولايات المتحدة في الأشهر القليلة الماضية. وهو معروف بمواقفه العدائية تجاه بكين، وكان خلال ترشحه إلى الرئاسة في مواجهة خصمه والرئيس الحالي، جوكو ويدودو (الأكثر تحفظاً) قد حذر من أن بلاده صارت تعتمد بشكل كبير على الصين، واعداً في حال فوزه بمراجعة استثماراتها. 

لكن سوبيانتو نفسه يشكل عقبة أمام انضمام بلاده إلى الحوار الرباعي، بسبب إدراج اسمه على القائمة السوداء للسفر في الولايات المتحدة لدوره في أعمال العنف في تيمور الشرقية في تسعينيات القرن الماضي، عندما كان جنرالاً في القوات المسلحة، إذ ارتكب الجيش انتهاكات وحشية لحقوق الإنسان، ولم تفلح السلطات في محاسبة المرتكبين، الذين تولّى بعضهم مناصب حكومية. 

بالتالي، يتعين على جاكرتا وواشنطن تسوية هذه المشكلة، خصوصاً أن قيود الكونغرس الأميركي تحدّ من المساعدة العسكرية والتدريب ومبيعات الأسلحة بين البلدين حتى تعالج إندونيسيا سجلها في جرائم الحرب.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير