Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الدفع المؤجل" رواية البريطاني فورستر في عرض مسرحي مصري

رؤية جديدة إلى أسطورة فاوست ونهاية محتومة للبحث عن الملذات

من العرض المسرحي المصري (اندبندنت عربية)

استلهم كثير من الأدباء الحكاية الألمانية الشعبية عن الخيميائي يوهان جورج فاوست، الذي يوقع عقداً مع الشيطان ويسلمه روحه مقابل الحصول على المعرفة المطلقة وملذات الدنيا كافة، من بين هؤلاء الروائي الإنجليزي سي إس فورستر المولود في القاهرة عام 1899، في روايته "الدفع المؤجل".

هذه الرواية تحولت إلى عرض مسرحي (أعدته سحر الدنجاوي) بعنوان "للإيجار" من إنتاج نقابة المهن التمثيلية في مصر، وتم تقديمه ضمن مهرجان النقابة المسرحي الخامس، على مسرح النهار وسط القاهرة.

فكرة هذا المهرجان قائمة على إتاحة الفرصة للفنانين أعضاء النقابة، لتقديم أنفسهم للجمهور والنقاد والمخرجين، لعلهم يحظون بالعمل في السينما أو التليفزيون، لذلك فقد ضمت لجنة تحكيم الدورة الأخيرة مخرجين من السينما والمسرح والتليفزيون وممثلين ومهندسي ديكور ونقاداً.

تقدم للمشاركة في المهرجان خمسون مخرجاً، اختير سبعة منهم بعد مناقشة مشروعاتهم، وتولت النقابة إنتاجها، وأفصحت الدورة كسابقاتها عن عدد من المواهب التمثيلية، التي ربما يلتقطها هذا المخرج أو ذاك، كما حدث مع المواهب في الدورات السابقة، ومنها من حصل على فرص عمل في السينما والتليفزيون، وفي أدوار مهمة.

أزمة مالية

العرض، الذي أخرجه كريم البسطي، يدور حول رجل يعمل محاسباً في أحد البنوك، يتعرض لأزمة مالية بسبب كثرة إنفاق زوجته وابنته، ويرفع الدائنون قضايا ضده. يهبط عليه ابن شقيقته العائد من استراليا فجأة، وتبدو عليه مظاهر الثراء، فيطلب الرجل من ابن شقيقته بعض الأموال حتى لايتعرض للسجن. يرفض الشاب ويزين الشيطان للخال قتل ابن الأخت والاستمتاع بأمواله، فيقتله بالفعل عن طريق وضع السم في الشراب ويدفنه في حديقة المنزل. وبعد أن صار الرجل ثرياً بدأ الشيطان يزين له الاستمتاع بملذات الحياة، وأرشده إلى سيدة فائقة الجمال تمتلك متجراً في الحي. وبدأت علاقة بينهما، اكتشفتها الابنة والزوجة، واكتشفت الزوجة كذلك مصدر الأموال التي هبطت على زوجها، حيث فاجأت الزوج وعشيقته وهي تهدده بتقديمه للعدالة جراء قتله لابن الأخت. وتنتحر الزوجة بتناول السم نفسه الذي وضعه الزوج في شراب ابن شقيقته. وعندما يعاتب الزوج الشيطان، الذي زين له جريمة القتل وماترتب عليها من أحداث، يبرز له الأخير العقد الذي وقعه معه.

بدأ المخرج مشهده الافتتاحي من وسط الجمهور حيث يخترق الصالة ممثلان (ياسر عزت في دور الباحث عن منزل للإيجار، ووليد فوزي السسمسار)، يحمل الأول مصباحاً وسط حالة من الإظلام، ثم يفتح الستار عن منزل قديم، ويبدأ السمسار في ذكر مزاياه. لكنه أثناء التجوال يدخل مكاناً ويخرح من مكان آخر، وكأن المخرج أراد منذ البداية التلميح إلى شخصية السمسارغير البشرية. وعندما يسأله الرجل عن حقيقة جريمة قتل وقعت في البيت من قبل، يبدأ السمسار في سرد الحكاية، ويختفي الاثنان.

وفي الحكاية يقوم الممثلان بدوري مستأجر البيت والسمسار، وربما عمد المخرج إلى ذلك، بحيث كان بإمكانه الاستعانة بممثلين آخرين في المشهد الافتتاحي. لكنه أراد تأكيد فكرة التشابه بين كثير من البشر في سعيهم إلى تحقيق أغراضهم بأية وسيلة، والإيحاء ببقاء هؤلاء في الدائرة نفسها، دائرة تحالف الإنسان مع الشيطان بحثاً عن الملذات، وكأن أغلبنا  متشابهون في مسعانا الخاطئ.

ضابط الإيقاع

لعب ياسر عزت دور المحاسب الغارق في ديونه، المضطرب، المستجيب لمطالب زوجته وابنته المبالغ فيها، التي أدت إلى إفلاسه، وبحثه عن أي طريق للثراء، حتى لو كان طريق التحالف مع الشيطان. لعبه بهدوء واتزان، وبانفعالات محسوبة بدقة، وذلك نظراً إلى خبرته الطويلة وقراءته الواعية لطبيعة الشخصية وفهم أزمتها ودوافعها، فجاء أداؤه معوضاً بعض الثغرات التي استطاع سدها. وكذلك خطوط الحركة التي بدت في بعض اللحظات عشوائية وغير مبررة. كما نجح في احتواء زملائه على الخشبة، وبدا كضابط لإيقاعهم ومرشد لهم، لتجنب الوقوع في مزيد من الأخطاء.

وعلى الرغم من موهبة سمر علام (قامت بدور الزوجة) وتجاربها المسرحية العديدة، فإن المساحة التي أتيحت لها لم تكن كافية لاستغلال خبراتها بالشكل المتوقع، بخاصة أن أهم مشاهدها كانت في المنطقة الخلفية، يمين المشاهد، التي حجبتها بعض قطع الديكور، ما أبعدها نسبياً عن الرؤية الجيدة، ومن ثم التفاعل، من قبل المشاهدين.

وليد فوزي، الذي لعب دور الشيطان، أداه هو الآخر بطريقة بسيطة ومراوغة بعيداً عن الصورة المعتادة والنمطية، التي يمكن أن يقع فيها ممثل خبرته محدودة. وكذلك سالي عبدالعزيز في دور الابنة الناقمة على أبيها، وإن كانت مساحة دورها لم تفصح بشكل جيد عن إمكاناتها كممثلة موهوبة.

كولين صاحبة المتجر التي ارتبطت بعلاقة مع الزوج وقامت بابتزازه (لعبت دورها شيماء عبدالناصر) كانت إحدى نقاط الضعف في العمل فهي بالغت كثيراً، سواء في طبيعة ملابسها أو في أدائها لدور الغانية، وهي مسؤولية المخرج، الذي يجب أن يسيطر بشكل جيد على ممثليه ويوجههم إلى مايخدم العمل.

طبيعة الخشبة

الديكور، الذي صممه محمود فؤاد صدقي، كان أحد أهم عناصر العرض، صمم منظرين، الأول هو البيت الذي جاء على مستوى الصورة والوظيفة جيداً ومناسباً للأحداث ومعبراً عن البيئة (لندن) التي تدور فيها. لكن يبدو أن طبيعة خشبة المسرح ذات الأبعاد المحدودة، كانت عائقاً أمام تحقيق رؤيته، فاضطر إلى وضع حجرة استقبال في يمين مقدمة المسرح، تم استخدامها في كثير من أحداث العرض، ولم يكن وجودها مجانياً، لكنها حجبت أحداثاً أخرى مهمة جرت في المنطقة الخلفية، التي كان يجب أن تكون أعلى ارتفاعاً من المنطقة الأمامية حتى تتيسر الرؤية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المنظر الآخر تحول فيه المنزل إلى كهف للشيطان، وتم ذلك بدقة، وطريقة سلسة، لكن هذا المنظر، على براعة تنفيذه وتصميمه، لم يستخدم سوى دقيقة واحدة، وكان يمكن الاستغناء عنه لصالح الاعتناء بالمنظر الأول الرئيس.

العرض تميز بإضاءته التي صممها أبو بكر الشريف، وأضفى بها مزيداً من الجمال على الديكور، وراعى النقلات المتوترة والمفاجئة التي في العرض، وتماست الموسيقى التي أعدها كريم عرفة مع حالة الاضطراب والتوتر التي وسمت العرض منذ البداية وحتى النهاية.

إجمالاً، وبالنظر إلى أنها التجربة الاحترافية الأولى للمخرج، نحن أمام عرض فيه كثير من جوانب الجودة والاتقان، التي أفصحت عن مخرج موهوب ولديه إمكانات طيبة، وفريق عمل على قدر كبير من الوعي. وإن أفلتت بعض اللحظات من الاتقان المنشود في أي عمل مسرحي، فلأن جزءاً من ذلك يعود إلى طبيعة خشبة المسرح لاشك، لكن جزءاً آخر يعود إلى عدم المرونة في التعامل مع الخشبة وفق أبعادها. فالراقص الماهر يستطيع تقديم أعظم الرقصات، حتى لو أتيحت له حلبة مساحتها بضعة سنتيمترات فقط.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة