Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المخطط الفلسطيني للتفاوض مع الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية العتيدة

كيف سيرتب اللقاء المصري - الأردني - الفلسطيني  المشهد المقبل على المسارات المختلفة؟

يريد الجانب الفلسطيني نقل رسالة إلى الإدارة الأميركية الجديدة مفادها أن السلطة لديها خياراتها وقراراتها (وفا)

التقى وزراء خارجية مصر والأردن وفلسطين في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في القاهرة لوضع إستراتيجية التحرك العربي باتجاه الجانبين الإسرائيلي والأميركي، مع تأكيد الدول الثلاث المعنية بالتطورات الفلسطينية، على وجود مسارات تحرك حقيقية تمهيداً لما هو مقبل. ويبدو أن هذا الأمر هو الأهم في التعامل مع التطورات الجارية في الأراضي الفلسطينية، لا سيما تسارع مسارات الاستيطان بصورة كبيرة لفرض إستراتيجية الأمر الواقع التي تريدها إسرائيل خوفاً من احتمال إقدام الإدارة الأميركية الجديدة على ممارسة ضغوط حقيقية على الحكومة الإسرائيلية لوقف مخطط الاستيطان. وحذر إعلان القاهرة الذي صدر عقب اللقاء، من خطوات إسرائيل الراهنة في هذا الملف.
وجاء "إعلان القاهرة" بما تضمنه من بنود رافضة للخطوات الإسرائيلية في ملف الاستيطان والممارسات غير المشروعة، لتؤكد على الحضور الثلاثي في ما هو مقبل من مسارات للتحرك في الفترة المقبلة، قبل أسابيع من تولي الرئيس المنتخب جو بايدن مقاليد الحكم في البيت الأبيض.

استراتيجية محددة

قبل انعقاد اللقاء الثلاثي في القاهرة، كان الجانب الفلسطيني بدأ خطوات مهمة في أكثر من اتجاه، حيث أقدم على استئناف التنسيق الأمني من دون ضغوط إسرائيلية أو أميركية، بهدف تقديم أوراق اعتماد حقيقية للإدارة الأميركية، التي استقبلت القرار الفلسطيني بهدوء، على اعتبار أن الإدارة في مرحلة انتقالية. وغلب التأييد والترحيب على ردود الفعل الإسرائيلية تجاه الخطوة على أساس أنها تؤكد على وجود الشريك في الجانب الآخر، ممثلاً في الرئيس محمود عباس، والتعامل معه على أنه "الرئيس الفلسطيني" وفقاً لاتفاقية أوسلو، التي لا تزال على الرغم من كل ما جرى، المرجعية الرئيسة في هذا الإطار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، حتى إشعار آخر.

ويريد الجانب الفلسطيني نقل رسالة إلى الإدارة الأميركية الجديدة مفادها أن السلطة لديها خياراتها وقراراتها، وأنها لا تزال ممسكة بقواعد اللعبة الرئيسة، وأنه لا يوجد طرف آخر يمكن أن يحل محلها في الوقت الراهن لاعتبارات متعلقة بشرعية نظام الحكم الفلسطيني وقيادة الشعب الفلسطيني ممثلةً بالرئيس عباس، حيث لا تزال السلطة الفلسطينية متوجسة من تحركات "حركة حماس" إقليمياً ودولياً، إذ تسعى إلى إعادة تدوير دورها وطرح نفسها كطرف مقبول يمكن أن يعبّر عن الشعب الفلسطيني كله وليس قطاع غزة فقط، ويدفع ذلك السلطة إلى حساب كل الخيارات الداخلية الفلسطينية في ظل تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ما يعني بقاء الأمور على ما هي عليه داخل القطاع والضفة، أي لن يحدث تغيير في المواقع في الفترة المقبلة.

وتناور السلطة الفلسطينية بإعادة طرح وتقديم رؤى سياسية سبق وأن قُدمت في السنوات الأخيرة، منها المطالبة بعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط مع العمل على طرح رؤية عربية وظهير عربي داعم، وهو ما برز في لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في القاهرة منذ أسابيع،  في ظل التنسيق المباشر مع الأردن ومصر. ويسير التحرك الفلسطيني في اتجاهات عدة بانتظار ما ستسفر عنه مسارات   التحرك  الأميركي في بحث ودراسة الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، الذي لن يكون كما يتصور البعض أن الإدارة الأميركية ستعجل بالفعل بالتدخل في توجيه مسار التفاوض العربي - الإسرائيلي، وهو أمر مستبعَد تماماً لاعتبارات متعلقة بالداخل الأميركي والأولويات المطروحة لدى الإدارة الجديدة، التي لها حساباتها وتقييماتها.

كذلك، تذهب السلطة الفلسطينية في اتجاه عدم الصدام مع الحكومة الإسرائيلية، على الرغم من القلق الفلسطيني بأن حكومة بنيامين نتنياهو الحالية قد لا تستمر في موقعها، وأن إسرائيل ستتجه إلى انتخابات جديدة، ما يدفعها إلى إعادة ترتيب حساباتها وقراراتها في الفترة المقبلة. وستعمل السلطة الفلسطينية وفق نموذجين في التعامل، الأول هو "الاستمرار" ويكون من خلال الحفاظ على قنوات التواصل مفتوحة مع الجانب الإسرائيلي، حيث عُلِم من مصادر خاصة أن عباس سيبدأ باستقبال وفود حزبية وشخصيات إسرائيلية، وبعض المحسوبين على قوى اليسار والداعين إلى السلام والتسوية كمدخل للعلاقات مع الجانب الإسرائيلي في الفترة المقبلة. ويبدو واضحاً أن هناك تياراً داخل السلطة يقوده فريق الأمنيين (الحرس القديم)، الذين يتواصلون مع أقرانهم في الجانب الإسرائيلي، يدعو إلى عدم الاندفاع في هذا التوقيت باتجاه إسرائيل، إلا بعد أن تستقر الأوضاع فيها، لأن الرهان على استقرار الوضع الراهن سيحتاج إلى ضوابط ومعايير غير موجودة حالياً. أما النموذج الثاني في التعامل، فهو "المراجعة"، بمعنى انتظار السلطة إلى حين اتضاح الرؤية، بخاصة وأنه ليس لدى الجانب الفلسطيني المنظور الشامل، الذي يمكن التحرك من خلاله. وتعمل السلطة وفق هذا السيناريو وفق قاعدة المصالح الآنية، وليس المؤجلة، ووفق حسابات وتقييمات واقعية. والواقع أنه، على الرغم من كل ما طرحه عباس من خيارات ورؤى على الجانبين الإسرائيلي والأميركي، ما زال يعيد ترتيب الخيارات الفلسطينية داخلياً وإسرائيلياً وأميركياً، وما زال مؤمناً بتقييمات محددة سياسياً وإستراتيجياً لن يحيد عنها، بل سيستمر في تبنيها، مع أن هذا الأمر قد يؤدي إلى استمرار حالة التجاذب مع القوى الفلسطينية الأخرى، وعلى رأسها حركة حماس التي لن تقبل باستئناف السلطة العمل مع الجانب الإسرائيلي، ومن ثم الوسيط الأميركي، وسترفض أي مسار فلسطيني سيسعى في مضمونه إلى تحييدها أو التعامل معها كطرف فصائلي، وليس كشريك في المعادلة الفلسطينية الراهنة.

لهذا جاء لقاء القاهرة الثلاثي لينقل الصورة الراهنة لدى السلطة في إطار متطلباتها وخططها في توقيت بالغ الأهمية يحتاج إلى التنسيق مع مصر والأردن تحديداً، بخاصة وأن للبلدين اتصالات مباشرة مع إسرائيل ويمكن أن يفتحا أي مسار بما في ذلك توجيه رسائل مباشرة ومعلنة إلى إسرائيل، الأمر الذي طُرح في إعلان العاصمة المصرية الذي أكد على الثوابت بالنسبة إلى الجانبين الفلسطيني والأردني خصوصاً في ملف الإشراف الهاشمي على المقدسات الإسلامية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


رهانات محددة

 ستتحرك السلطة الفلسطينية بعد لقاء القاهرة  للتعامل مع محيطها العربي والدولي وفقاً لمسارات محددة، على النحو التالي: 

المسار الأول: يشمل الدول العربية الرئيسة ومنها الأردن ومصر باعتبارها دول منخرطة في تفاصيل ما يجري فلسطينياً وإسرائيلياً، وقد يكون في تقييم السلطة الفلسطينية تشكيل وفد مشترك فلسطيني - أردني أو عربي (يضم مصر والمغرب أيضاً) على غرار ما جري في مطلع المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية في مدريد في مطلع التسعينيات بهدف فرض المواقف والتوجهات ومواجهة كل السيناريوهات الإسرائيلية المطروحة، وعلى الرغم من وجود بعض العقبات، إلا أن هذا الخيار وارد، بخاصة وأن الحديث عن وجود أطراف عربية أخرى من الدول التي أبرمت اتفاقيات سلام مستبعد في الوقت الراهن على الأقل،  ولا ينطبق إلا على الجانب المصري الذي سيظل قريباً من المفاوضات وشريكاً عن بُعد ووسيطاً عند الضرورة، وهو ما يمكن أن يدعم الجانب الفلسطيني الذي ما زال يراجع آليات تفاوضه مع الجانب الإسرائيلي طوال حقبة التسعينيات وسبق أن طلب الرئيس محمود عباس دراسة وتقييم هذه التجربة بكل تفاصيلها، والاستفادة منها حال بدء الاتصالات الفلسطينية - الإسرائيلية.

المسار الثاني: ويشمل الدول العربية التي بدأت مسار السلام مع إسرائيل أخيراً، حيث تسعى السلطة الفلسطينية إلى تعطيل ما يجري إسرائيلياً وعربياً، من خلال اتخاذ إجراءات مباشرة في اتجاه الجانب الإسرائيلي والتأكيد على أنه لا يوجد من يتحدث باسم الشعب الفلسطيني غير السلطة، التي ستعيد تذكير كل الدول العربية أنها وحدها المعنية بحسم قضاياها. ولا تتوقع السلطة الفلسطينية أي تغيير في بعض المواقف العربية أو في الجامعة العربية، ما يؤكد على أن التعويل على أي مواقف مستجدة، غير وارد، في ظل غياب مؤسسة القمة العربية وانقسام الموقف العربي في اجتماعات الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية.


الرسائل الأخيرة

يمكن الإشارة إذاً إلى أن السلطة الفلسطينية ستتحرك على مستويات عدة، وليس فقط باتجاه الجانب الإسرائيلي، مع التأكيد على أن مسارها الأساسي سيركز على الجانب الأميركي، مدعوماً بموقف مصري – أردني، بخاصة وأنها ترى أن الإدارة العتيدة في البيت الأبيض قد تدفع بمسار سياسي تفاوضي جديد، ولكن الإشكالية الحقيقية تكمن في المسار التفاوضي المقترَح، خصوصاً وأن للسلطة الفلسطينية آراء عدة باتت تطرحها في سياق جديد وأغلبها تصورات سبق وأن تم تداولها منذ سنوات. وستعمل السلطة على إعادة ترتيب حساباتها تجاه الجانب الإسرائيلي، لا سيما مع استمرار حالة عدم الاستقرار راهناً في إسرائيل، المرشحة للاستمرار لبعض الوقت في ظل تنازع قطبَي الائتلاف الحكومي، حزب الليكود، وتحالف أزرق - أبيض، بالتالي فإن الإشكالية التي تواجه السلطة الفلسطينية هي التحرك على قاعدة راسخة ومن خلال خطوات مدروسة وليس إجراءات أو تدابير مؤقتة.

وستمضي السلطة في اتجاهاتها، ولن تمانع في توقيتات معينة الانتقال من التفاوض المعلن إلى اتباع إستراتيجية التفاوض غير المعلن مثلما جرى في مفاوضات أوسلو، التي أُنجِزت في ظل ظروف وتحديات حقيقية، ما قد يتكرر إذا توافرت الإرادتان الفلسطينية والإسرائيلية في توقيت محدد، وهو أمر وارد على الرغم من كل ما يجري من تطورات على كل المستويات. وتميل السلطة إلى توسيع الدعم المصري - الأردني ليشمل المغرب بهدف الضغط على الجانب الإسرائيلي، ودفعه إلى التماهي مع الأفكار الأميركية.

المزيد من الشرق الأوسط