Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما وراء انفصال ألوية "العتبات" عن "هيئة الحشد" في العراق؟

"هذه الخطوة تمثل حدثاً ربما يكون عنوان بداية انحسار نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران"

تشكّل الحشد الشعبي عام 2014 على إثر فتوى الجهاد الكفائي ضد "داعش" (أ ف ب)

بعد خلافات طويلة في التوجهات، وإشكالات تنظيمية بين الفصائل المختلفة داخل الحشد الشعبي في العراق، يبدو أن هذا التشكيل الذي مثّل حدثاً فارقاً في معادلة الصراع مع تنظيم داعش، قد شهد انقساماً كبيراً في الفترة الأخيرة، الأمر الذي بات يهدد وجوده، خصوصاً بعد إعلان ألوية المرجعية انفكاكها منه، أو ما بات يطلق عليه بـ"حشد العتبات"، وارتباطها بمكتب القائد العام للقوات المسلحة.

حشد العتبات

 يتألف الحشد الشعبي من نحو 119 فصيلاً، بينها 67 فصيلاً شيعياً، و43 فصيلاً سنياً فضلاً عن 9 فصائل للأقليات، ويقدر عدد منتسبيه بنحو 164 ألف منتسب، فيما يبلغ عدد منتسبي الجناح الشيعي نحو 110 آلاف عنصر، مقابل نحو 45 ألف عنصر للمكون السني، ونحو 10 آلاف عنصر للأقليات. 

وتمتلك الأجنحة الولائية التي يبلغ عددها 44 فصيلاً (وهو مصطلح يشير إلى الفصائل المسلحة الموالية لإيران) الجسم الأكبر من عدد المنتسبين، إذ يقدر عددهم بنحو 70 ألف عنصر، مقابل 40 ألفاً موزعة بين حشد المرجعيات الأخرى وسرايا السلام التابعة للتيار الصدري، بحسب دراسة نشرها الباحث في الشأن السياسي هشام الهاشمي مطلع يوليو (تموز) الماضي، قبل اغتياله بأيام.

في المقابل، يتألف حشد العتبات، من أربعة فصائل رئيسة، وهي كل من فرقتي "الإمام علي القتالية" و"العباس القتالية"، ولواء "علي الأكبر"، ولواء "أنصار المرجعية"، فيما تتباين التقديرات بشأن أعداد منتسبيها، لكن غالبية التقديرات تشير إلى أنها تضم نحو 20 ألفاً.

بداية التشكيل 

بعد اجتياح تنظيم "داعش" لعدد من المحافظات العراقية، في يونيو (حزيران) 2014، أطلق المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني فتوى الجهاد الكفائي الشهيرة، التي تدعو كل من يستطيع حمل السلاح إلى التطوع في القوات الأمنية لقتال مسلحي التنظيم، وأسست على إثرها "هيئة الحشد الشعبي" التي انبثقت من مكتب رئيس الوزراء حينها نوري المالكي لمنحها صفة رسمية، الذي أسهم في تقديم تسهيلات لعدة أطراف مسلحة لتولي معظم المهام الإدارية والمالية للهيئة، الأمر الذي أدى في وقت لاحق إلى إحكام الجبهة الولائية سيطرتها عليها.

وعلى الرغم من إصدار مرجعية السيستاني فتوى الجهاد الكفائي، إلا أن خطب ممثليها طوال السنوات الماضية اكتفت بإطلاق صفة "المتطوعين"، ولم تستخدم مصطلح "الحشد الشعبي"، الأمر الذي يبين حجم الخلافات منذ السنوات الأولى للتأسيس.

ويرى مراقبون أن الدافع الرئيس لإصرار ممثلي مرجعية السيستاني على الاكتفاء بإطلاق صفة المتطوعين، هو سيطرة الفصائل الموالية لإيران على الهيئة وتوظيفها سياسياً لخدمة مصالحهم.

ولعل ما يميز ألوية حشد العتبات عن بقية الفصائل داخل هيئة الحشد الشعبي، هو أنها شكلت بناء على الفتوى، وبإشراف من إدارة العتبات الدينية لقتال مسلحي تنظيم داعش، في مقابل الفصائل الرئيسة الأخرى، التي يعود تشكيل غالبيتها إلى ما قبل الفتوى بسنوات، ويرتبط عديد منها بكيانات سياسية فاعلة مقربة من إيران، أو ما بات يطلق عليه بالفصائل الولائية، التي تعلن ولاءها للمرشد الإيراني علي خامنئي.

وأشارت دراسة الهاشمي التي ركزت على الخلافات داخل هيئة الحشد الشعبي، إلى أنه "من الممكن اعتبار أن الهيكل التنظيمي القيادي والإداري لهيئة الحشد الشعبي يدار بنسبة 80 في المئة من خلال قيادات وإدارات تنتمي لمرجعية الحشد الولائي، في حين الحشود المرجعية وحشود السنة والأقليات ليس لديهم مناصب قيادية عليا أو وسطى داخل الهيكل التنظيمي لهيئة الحشد".

إعلان الانفكاك وعودة التعاطف 

مثل مؤتمر حشد العتبات الذي نظم مطلع الشهر الجاري، مفاجأة كبيرة للتيارات الولائية، فقد أُعلن فيه رسمياً، انفكاك الألوية التابعة للمرجعية من هيئة الحشد الشعبي، ومطالبة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي بتسريع الإجراءات الكفيلة بدمجه بمكتب القائد العام للقوات المسلحة.

ويحظى متطوعو الحشد بتعاطف شعبي، وهو ذات التعاطف الذي صدر من العراقيين للشبان المتطوعين لصد داعش في بداية اجتياح التنظيم للمحافظات العراقية، إلا أن هذا التعاطف الشعبي وتحديداً مع الحشد كمؤسسة، تعرض إلى انتكاسة وتخوّف بعد تسييسه وظهور الهيمنة الإيرانية عليه بشكل جليّ، خصوصاً التصريحات التي أطلقها زعماء الفصائل الولائية عن ارتباطهم بإيران، وتحديهم للدولة في أكثر من مناسبة، فضلاً عن الاتهامات بالتورط بالفساد والتحريض وعمليات اغتيال واختراق للمؤسسات الأمنية.

هذا الموقف الشعبي المربك إزاء الحشد الشعبي، خصوصاً مع الهيمنة الإيرانية عليه، جعلت الرأي العام العراقي في مأزق كبير، حتى شهر أبريل (نيسان) الماضي، حين أعلن حشد العتبات مغادرة الهيئة التي يديرها فالح الفياض وعبد العزيز المحمداوي الملقب بـ"أبو فدك"، والارتباط بمكتب القائد العام للقوات المسلحة.

مخاوف من الأدلجة وخلافات عقائدية

 لعل أحد أبرز أوجه الخلافات بين حشد العتبات والفصائل الولائية، يرتبط بالفروق الفقهية بين الطرفين، حيث يرجع الجناح الولائي بالتقليد الفقهي إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، أما حشد العتبات فيرجع بالتقليد إلى المرجع الشيعي الأعلى في النجف علي السيستاني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومثّل هذا الأمر، بحسب متابعين،  أحد أبرز عناوين الخلافات بين الحشود داخل الهيئة، حيث تركز ألوية العتبات على التزامها الدولة العراقية وارتباطها بالمرجع السيستاني، في مقابل عدد كبير من الفصائل التي لا تخفي ولاءها للمرشد الإيراني، فضلاً عن إعلان عديد من قادتها التسلح والإمداد من إيران.

ويرى مراقبون أن الهاجس الأكبر الذي كان يراود حشد المرجعية طيلة السنوات الماضية، يتعلق بمحاولات التيار الولائي في الهيئة (الذي يسيطر على غالبية المناصب العليا فيها) استنساخ تجربة الحرس الثوري في إيران، وإنشاء جهاز مؤدلج مواز للدولة، الأمر الذي ربما يكون أبرز الدوافع لانفكاك ألوية المرجعية.

ويقول الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي، "كانت فتوى المرجع السيستاني محددة جداً في تقيّد المتطوعين بأوامر الدولة العراقية، فضلاً عن أن المرجعية لم تكن تريد أدلجة الحشد وحاولت بشتى الطرق دفعه باتجاه الخيار الوطني، إلا أن الفصائل الولائية أرادت احتواء الحشد واستنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني"، مبيناً أن هذا الأمر "مثل منطلق الخلافات الأولى بين تلك الأطراف".

"أبو فدك" وعودة الخلافات 

 على الرغم من أن بوادر الخلافات كانت واضحة منذ العام الأول لتأسيس الحشد الشعبي، إلا أن أي تصريحات بهذا الشأن لم تكن ظاهرة، حتى قال قائد "فرقة العباس" ميثم الزيدي عام 2016، في لقاء متلفز، إن هناك مشكلة بالفعل تتعلق بتعامل "أبو مهدي المهندس" نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي آنذاك مع فصائل المرجعية.

وعادت الإشكالات إلى الظهور مرة أخرى في فبراير (شباط) الماضي، عندما عبّرت فصائل المرجعية عن اعتراضها على تسمية "أبو فدك" نائباً لرئيس الهيئة خلفاً لأبو مهدي المهندس، ولم تبد الفصائل الولائية اهتماماً لها ومضت في تسليمه القيادة الفعلية للحشد. 

ولم تمض فترة طويلة حتى اتخذ حشد المرجعية الخطوة الأولى، في أبريل الماضي، ببداية إعلان قرار مفاجئ يتعلق بانسحاب فصائل العتبات من هيئة الحشد الشعبي، وإعلان الارتباط بالقائد العام للقوات المسلحة، وفي الأول من ديسمبر (كانون الأول)، أُعلن بشكل رسمي هذا الانفكاك خلال مؤتمر دام ثلاثة أيام.

ويشير الباحث أحمد الشريفي إلى أن "الخلاف الرئيس منذ البداية كان يتعلق بالخيارات الوطنية، حيث ترعى المرجعية توجه الحشد نحو الدولة، فيما لم تبد الأطراف الأخرى التزاماً بهذا النسق وكانت توجهاتها ذات طابع سياسي وعقائدي واضح".

وبشأن توقيت الانفكاك من هيئة الحشد الشعبي، يبين الشريفي إلى أن "حشد العتبات بات يستشعر مخاطر البقاء داخل الهيئة في هذا الوقت، خصوصاً مع تحدي الفصائل الولائية للدولة، والتحرك في سياق أشبه بالتمرد على قراراتها"، مشيراً إلى أن ما جرى يعد "حركة استباقية ليكون حشد العتبات بمنأى عن تلك الخلافات، وحتى لا يُزج عنوان المرجعية في أي صراعات سياسية مستقبلية".

مخاوف من استغلال الحشد في الانتخابات مرة أخرى

مثل مؤتمر حشد العتبات أول إعلان رسمي من قبل الألوية التابعة للمرجعية الانفصال التام عن الهيئة، بعد عديد من المطالبات التي طرقت مسامع المرجعية خلال السنوات الماضية، للإيذان بتفكيك منظومة الحشد.

ولم تكتف حشود العتبات بإعلان الانفكاك، إذ أكدت في البيان الختامي التزامها الكامل القانون والدستور، ومنع مقاتليها من القيام بأي إجراء يخالفهما، بما في ذلك الدخول في النشاط السياسي أو الارتباط الحزبي أو الاستغلال الوظيفي بكل أشكاله. 

وأضاف البيان "كما نلتزم منح كامل الحرية لمقاتلينا في اتخاذ قراراتهم الخاصة بالاشتراك في العملية الانتخابية كناخبين حصراً، وليسوا مرشحين فعلاً، وانتخاب مرشحيهم الذين يعتقدون أنهم سيغيرون الواقع المتردي ويحاربون الفساد، وغير ذلك من تطلعات الشعب".

ويلفت الشريفي، إلى أنه "على الرغم من أن الخلافات بين تلك الأطراف بدأت منذ الفترة الأولى لتشكيل الحشد الشعبي، وكانت بعدة عناوين بعضها مالي وإداري وتنظيمي، إلا أن استغلال التيار الولائي لهذا العنوان في انتخابات عام 2018 مثّل الحدث الفارق، الذي دفع ألوية المرجعية إلى إعادة حساباتها، والتحرك عملياً لفك الارتباط بالهيئة والاندماج بمكتب القائد العام للقوات المسلحة".

ويتابع، "رأي المرجعية كان واضحاً منذ تأسيس الحشد الشعبي في ضرورة ألا يتم استدراجه للسجالات السياسية"، لافتاً إلى أن مخاوف المرجعية من أن يكون الحشد "جسماً موازياً للدولة هي التي حفزّت الانفكاك".

استنفار من الجبهة الولائية

مثّل المؤتمر الأخير الذي عقده حشد العتبات انعطافة كبيرة في ما يتعلق بمستقبل هيئة الحشد الشعبي واستمرارها، الذي عقد تحت عنوان "حشد العتبات: حاضنة الفتوى وبناة الدولة".

وعلى الرغم من دلالة عنوان المؤتمر على أحقية تلك الحشود بتمثيل الحشد الشعبي، كانت تصريحات زعماء الألوية خلال المؤتمر واضحة في هذا الإطار، فقد اعتبر المتحدث باسم المؤتمر حازم صخر في تصريح لوكالة "فرانس برس" أن "حشد العتبات هو أصل الحشد". 

وأضاف أنهم "ملتزمون بالقانون العراقي ووصايا المرجعية الدينية" ويعملون وفق "توجيهات الوكيلين الشرعيين في العتبتين الحسينية والعباسية". وتحدث قادة ألوية العتبات، خلال المؤتمر بنبرة توحي بحجم الخلاف الكبير مع بقية الأطراف داخل الحشد الشعبي، فقد قال آمر لواء "علي الأكبر" علي الحمداني، إن المؤتمر معني فقط بالفصائل التي "التزمت منذ صدور فتوى الجهاد الكفائي توصيات المرجع السيستاني".

هجوم ولائي ومخاوف واضحة 

لم يمر المؤتمر بهدوء، فقد شنت منصات على صلة بالفصائل الموالية لإيران وشخصيات مقربة منها هجوماً على حشد العتبات، وصل إلى حدود غير مسبوقة بالاتهام بالعمالة إلى دول أجنبية. 

ولعل حالة الاستنفار الكبير من قبل التيارات الولائية، كانت واضحة من خلال تصريحات قيس الخزعلي زعيم "عصائب أهل الحق"، أحد أكبر الفصائل المسلحة الموالية لإيران، فقد اتهم حراك حشد العتبات خلال مقابلة متلفزة بأنه "مشروع إسرائيلي أميركي".

وهاجمت منصات على صلة بالفصائل الولائية وشخصيات مقربة خطوة حشد العتبات، ووصفته بـ"حشد الانشقاق"، و"رأس الفتنة الجديدة"، كما كتب القيادي السابق في حزب الدعوة المقرب من قيادات الفصائل الولائية سليم الحسني.

ويقول الكاتب العراقي هشام الموزاني، "لا يبدو مستغرباً رد الفعل الذي أظهرته شخصيات على صلة بالتيار الولائي أو قيادات فيه، لأن هذه المنظومة تدرك أن خروج ألوية المرجعية التي تعرف باسم حشد العتبات من الهيئة، تعني الإيذان بنهاية منظومة الحشد الشعبي"، مبيناً أن "الرصيد الجماهيري لهيئة الحشد يأتي من خلال حشد المرجعية، لأنه لم يكن داخلاً في إطار الاستثمار السياسي الذي تمارسه بقية الأطراف".

ويشير الموزاني إلى أن، ما دفع شخصيات ولائية إلى توجيه الاتهامات الصريحة بالعمالة لحشد العتبات، كونها تدرك أن "هذه الخطوة تمثل حدثاً ربما يكون عنوان بداية انحسار نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران"، لافتاً إلى أن "هذا الانفكاك من الهيئة ما كان ليتم دون موافقة السيستاني عليه، على الرغم من ادعاءات الأطراف الأخرى غير ذلك".

ويختم الموزاني أن، التخوّف الأكبر لدى التيارات الولائية يتمثل بكون تلك الخطوة قد تعني "انهيار الغطاء الذي استغلته الفصائل الولائية في تدعيم نفوذها الأمني والسياسي وسلطتها التي باتت موازية لسلطة الدولة". 

ولعل التحدي الأبرز الذي سيواجه هيئة الحشد الشعبي في الفترة المقبلة يتمثل في كيفية إعادة تعريف نفسها بعد فقدانها غطاء المرجعية، والصراعات العديدة بين فصائل داخلها والدولة العراقية، الأمر الذي يبدو أنه سيكون المأزق الأكبر أمامها خلال المرحلة المقبلة.
 

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات