Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كتلة "الاتفاق النووي" في واشنطن فتحت معركة العودة إلى الوراء

اللاعب الأكبر الذي يقف وراء هذه الهندسة ليس بايدن بل أوباما الذي يريد استرجاع ما انتُزع منه

أحد أهداف الضغط على بايدن هو وضعه على الطريق السريع للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني (رويترز)

مع أن الرئيس الأميركي المنتخب، المفترض، جو بايدن، لم يدخل بعد البيت الأبيض، فإن الآلة السياسية التي عملت على السياسة الخارجية أيام باراك أوباما، بدأت عملها بسرعة ودقة، مطلقةً المبادرات الدبلوماسية التي قد نراها في الأشهر الأولى من تسلم بايدن البيت الأبيض، بعد حسم اعتراض الرئيس دونالد ترمب في يناير (كانون الثاني) 2021. ومن بين أهم المبادرات التي أطلقتها الكتلة الضاغطة المؤيدة للاتفاق النووي الإيراني، حملة ضغط هادفة إلى وضع الرئيس المنتخب على الطريق السريع للعودة إلى الاتفاق.

فقد رفع 150 عضواً في مجلس النواب الأميركي مذكرة إلى بايدن، مطالبين فريقه بـ"العودة السريعة" إلى الاتفاق النووي مع إيران حال انطلاق إدارته في الشتاء المقبل. وعللت هذه "الكتلة" مطالبتها بـ"العودة" بما وصفته بـ"ضرورة منع طهران من استكمال خطواتها لإعادة تشغيل المفاعل النووي". واعتبرت المذكرة أن انسحاب ترمب من الاتفاق النووي "كان خطأً كبيراً، لأنه أدى إلى إعادة تنشيط المفاعلات وتشغيلها، بدلاً من ايقافها". وكأنها تقول: أوباما نجح عبر الاتفاق في إقناع الإيرانيين في التوقف عن تخصيب اليورانيوم، أما ترمب فقد تاه بانسحابه من الاتفاق، ما أدى إلى خروج طهران عن التزاماتها. هذه الكتلة ترى المعادلة وكأن إيران دولة طبيعية ومسالمة وتلتزم القانون الدولي. وهي لا ترى أن النظام الإيراني هو الذي التف على الاتفاق واستعمله ليغطي توسيع نطاق سيطرته في أربع دول عربية، وعزز ترسانته الصاروخية الباليستية، واشترى أسلحة استراتيجية، ولم يلتزم بدقة في تطبيق الاتفاق، الضعيف أصلاً. إلا أن هَمّ المشرعين المؤيدين لأوباما وبايدن هو العودة إلى الاتفاق الذي هندسوه بين 2009 و2015. والمثير للانتباه هو أن بيان النواب حث على "الإسراع في العودة إلى موجبات الاتفاق"، ما يدل على أن فريق التفاوض عندما يدخل البيت الأبيض لن ينتظر طويلاً، وبالتالي لن يتفاوض على شروط جديدة. وما يعني عملياً أن العودة ستكون غير مشروطة، كما جاء في البيان النيابي: "نعود إلى الاتفاق، ونواصل التنفيذ، وبعدها نجلس لنتكلم"! وهذا ضغط على بايدن يهدف إلى إحداث تغيير سريع وعميق في سياسة ترمب تجاه إيران والشرق الأوسط قبل أي مفاوضات استراتيجية في شأن معادلة جديدة. بأي هدف؟

هذه الكتلة الضاغطة، وقد يصف البعض عصبها بأنه الذراع التشريعية للوبي الاتفاق النووي، تهدف إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران فوراً، والسماح بالاستيراد والتجارة والاستثمار في داخل الجمهورية الإسلامية. ولكن، لماذا يوقع 150 مشرعاً على خطوات مستعجلة للانخراط في اتفاق انسحبت منه الولايات المتحدة، لا يحبذه جزء كبير من الرأي العام، ولا تفهمه أصلاً أكثرية الأميركيين؟ الجواب سياسي بامتياز.

النواب الذين وقعوا المذكرة معظمهم لا علاقة مباشرة لهم بالسياسات الشرق أوسطية - إذا قرأنا عن اهتماماتهم ومشاريعهم التشريعية - كعلاقة عشرات النواب المؤيدين لإسرائيل في الكونغرس بهذه الدولة البعيدة جغرافياً، ولكن الموجودة بقوة داخل الطوائف الإنجيلية واليهودية. إذاً، لماذا هناك 150 عضواً في الكونغرس يؤيدون رفع العقوبات عن طهران وإعادة ضخ المال إلى مصارف الحرس الثوري؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جواب هذا السؤال الحرج هو أن هؤلاء السياسيين مقتنعون بأن شراكة أميركية مع إيران قد تأتي باستقرار وسلام في المنطقة. وقد يكون هناك من أقنعهم بهذه الرواية، ولكن الوقائع تشير إلى أن هذه الرواية غير واقعية، إذ لم يجمع عشرات النواب عقيدة أو نظرة مشتركة حاسمة تجاه الاتفاق النووي من قبل. وإذا وضعنا جانباً حوالى خمسة عشر عضواً في مجلس النواب من الراديكاليين كأعضاء "الرهط الرباعي" المعروف بدعمه العلاقات مع إيران والإخوان، والذي يضم النواب إلهان عمر، ورشيدة طليب، وألكسندريا أوكازيو - كورتيز، وإيانا بريسلي، وغيرهم، فإن النواب 135 الآخرين ليسوا عقائديين إلى هذا الحد، أو على الأقل ليس تجاه إيران والشرق الأوسط. إذاً، ما الذي دفعهم إلى إرسال المذكرة إلى بايدن؟

والجواب: إن بايدن نفسه بارك خطوتهم ليرفعوا مذكرة كهذه كضغط عليه من "قاعدة الحزب" في الكونغرس، وذلك ليظهر أن بايدن غير مستعجل، ويريد التفاوض ووضع شروط على إيران وإلى ما هنالك. إلا أن رسالة كهذه ستعطي الرئيس المنتخب المفترض مساحة مناورة لكي يبرر الطلب من فريق عمله ويبدأ الخطوات للالتحاق بالاتفاق، مبرراً أنه غير قادر على رفض طلب أكثرية نواب حزبه في الكونغرس. لكنه في الحقيقة يريد هذه العودة إلى الوراء لكي ينفذ أجندة تضم الاتفاق، كمشروع أساسي لإدارته.

إلا أن اللاعب الأكبر الذي يقف وراء هذه الهندسة ليس بايدن، بل الرئيس السابق باراك حسين أوباما، فهذا الأخير هو الذي نظم حملة بايدن من وراء الكواليس، وعمل على تعبئة التنظيمات الشارعية التي انتشرت في المدن، وصاحب فكرة التصويت عبر البريد، والهمس في أذن الإعلام الصديق، وغيرها من التحركات التي أدت إلى إعلان انتصار بايدن، على الرغم من صعود الكتلة الناخبة لترمب في السنوات الماضية. فأوباما له رصيد مع بايدن، والرئيس السابق يريد استرجاع ما انتُزع منه، أي الاتفاق النووي.

ولكننا كما أسلفنا في كتابات سابقة، فإن "الاتفاق" ليس خطة دبلوماسية لحل أزمة فحسب، بل هو إطار مارد لمصالح مالية هائلة، تبدأ بمن يستفيد من الـ150 مليار دولار التي حولت إلى الملالي، ولا تنتهي عبر الاستثمارات الكبيرة التي ستنهال على إيران ويستفيد منها جزء من القطاع الخاص الأميركي والدولي.

من هنا، فإن الـ150 نائباً الذين تقدموا بالمذكرة إلى بايدن إنما ينفذون تعليمات القيادة السياسية في سيناريو متفق عليه مسبقاً، لتمكين "البيت الأبيض الآتي" بعد حل أزمة انتقال السلطة، من أن يهرع إلى طاولات التطبيع مع طهران، وإعادة سياسة أوباما، لإرضاء النخب الاقتصادية التي كانت تنتظر في الظل منذ سنتين قبل الانسحاب من الاتفاق.

إلا أن الأرضية السياسية والدستورية في أميركا ليست ثابتة بشكل قوي بعد للسماح بهذه العودة السريعة إلى الوراء. وستتضح الأمور النهائية ما بعد العشرين من يناير، وللكلام صلة.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء