Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إحراق مخيم بحنين... إشكال فردي أم نار تحت الركام؟

حوادث متكررة تغذيها عوامل مختلفة أسهمت في تعقيد الوضع وإرهاق اللبنانيين واللاجئين السوريين

ساعات قليلة كانت كافية لتحويل مخيم بحنين في شمال لبنان إلى محطة جديدة لنكبة اللاجئين السوريين، فالمخيم الذي طالما صدحت فيه أصوات الأطفال صار كومة من الرماد يظللها الدخان ورائحة الحريق. فليلة 26 ديسمبر (كانون الأول) كانت استثنائية بكل المعايير عندما كتبت النار صفحة من صفحات العلاقة بين اللاجئ السوري في لبنان ومحيطه، صفحة لم يكن عنوانها التعايش والتكامل، وإنما الخوف والقلق من الآخر.

في المقابل، جاءت الهبة الإغاثية غير المسبوقة من قبل أبناء المنية لتقول إن الاستقواء على الضعيف ليس من شيمهم، مؤكدين أن "ما جرى يعد أمراً معيباً لا يمكن أن نرتضيه لأنفسنا، ولا لغيرنا".

مخيم الرماد

عند الساعة التاسعة من مساء السبت الماضي، سمع دوي إطلاق نار في الأرجاء، وبحسب شهود ترافق إطلاق النار بالهواء مع قيام مجموعة من الشبان بمحاصرة المخيم. وما إلا دقائق حتى اندلعت النار بالخيام المصنوعة من الألواح البلاستيكية والخشب، وأسهم في سرعة انتشار النيران وجود عدد كبير من قوارير الغاز وخشب التدفئة وخزانات المازوت. 

هرع الأهالي للهرب والنجاة من الموت المحتم وصعدوا سلماً خشيباً تعاقبوا عليه جميعاً قبل أن يتجهوا إلى بساتين الزيتون. وتروي إحدى السيدات صعوبة تلك الليلة، حيث كان البرد قارساً، ولم يكن في حوزتهم بطانيات، أو ملابس سميكة. واحتضنت الأمهات أطفالهن في البرية، في حين كان حظ البعض أفضل، وبات في منازل الأقرباء.

عند الصباح عاد الأطفال والنساء إلى مكان عهدوه ملجأ لهم، ولكن المشهد كان بشعاً "لم يبقَ لديهم شيء، كل شيء محطم، وما تم جمعه لسنوات منذ عام 2013، احترق في ليلة الإشكال الفردي المقيت". تتحسر سيدة من سكان المخيم لما نتج عن خلاف فردي، وهي ترى كيف احترق أثاثها، وألعاب أطفالها وأحلامهم، متسائلةً "هل يجوز إحراق مخيم مؤلف من 95 خيمة بسبب خلاف فردي بين شاب لبناني وآخر سوري؟". وتشير إلى أن صاحب المخيم الذي يستأجرون منه الخيمة لقاء 200 ألف ليرة لبنانية، كان ينجح في السابق بفض أي إشكال بين سكان المخيم والمحيطين به، إلا أنه فشل في حل الخلاف هذه المرة.

رواية مبهمة

يحيط الغموض حول ما جرى في المنية، وعلى الأرض عاينت "اندبندنت عربية" روايتين لما حدث. الرواية الأولى تتحدث عن خلاف نشب بين رب العمل من آل المير والعمال السوريين الذين يقطنون في المخيم. وأدت المطالبة بالمستحقات المالية إلى نشوب خلاف تطور إلى تضارب، ومن ثم أعمال انتقامية كان نتيجتها إحراق المخيم. 

 

في المقابل، يشير، ثابت، أحد سكان المخيم الذي يعمل في قطاف الليمون مع أصحاب الأراضي إلى أن الإشكال بدأ عند الثامنة مساء، في حين استمرت ألسنة اللهب من التاسعة إلى منتصف الليل، ويلفت إلى أن بعض الشبان من آل المير الذين "تربطهم عشرة عمر مع أهالي المخيم" جاءوا لتأمين العمال من داخل المخيم، ولشراء بعض الأطعمة من داخل أحد الدكاكين الواقعة ضمن أحد المساكن. ويعتقد أن هناك سوء تفاهم وقع، وسط توجيه اتهامات وتدافع، حيث سمع بتعرض "أحد الشبان لأحد المحال الذي يملكه أ. ج"، واستتبع هذا الخلاف شد عصب بين الطرفين، وصولاً إلى وقوع الإشكال الذي تخلله إطلاق الرصاص، واشتعال الخيام وهروب السكان 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأصدر آل المير وأعيان المنية بياناً استنكروا ما حدث مع السوريين، وأكدوا العلاقة الوطيدة معهم وعدم وجود أي خلافات سابقة، وأنهم يعملون معاً منذ أكثر من 15 عاماً ويدفعون لهم أتعابهم. كما أكد آل المير وقوفهم إلى جانب الشعب السوري والقيام بتأمين فرص عمل لهم. وأشار البيان إلى تعرض أحد أفراد العائلة إلى هجوم من قبل بعض سكان المخيم، مؤكداً عدم ضلوع آل المير بعملية إطلاق النار وإحراق الخيام، ومطالباً القضاء اللبناني والقوى الأمنية بالكشف عن المندسين الذين هاجموا المخيم وقاموا بأعمال تخريبية. 

حادث فردي أم عنصرية دفينة؟ 

في شهر واحد شهدت منطقة شمال لبنان حادثتين ضد اللاجئين السوريين، والقاسم المشترك بينهما: حادث فردي يتطور إلى إطلاق نار، ومن ثم تتم محاصرة الخيام ويطلب من اللاجئين إخلاء مساكنهم والمغادرة. 

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فر نحو 270 عائلة سورية لاجئة من بلدة بشري شمال لبنان بعد اتهام مواطن سوري بقتل مواطن لبناني بالرصاص، مما أثار توترات على نطاق واسع.

ويطرح تكرار مثل هذه الأحداث في أكثر من منطقة على امتداد الأراضي اللبنانية أسئلة حول نزعة عنصرية دفينة يعززها نقص الموارد ومحدوديتها.

يرى الناشط محمد الدهيبي وجوب عدم حصر الإشكال في الإطار الفردي والعنصرية الجماعية، ويعتقد أن هناك خطاب كراهية آخذ بالارتفاع تجاه اللجوء السوري بسبب تعزيز نظام الحكم استخدام النزعة العنصرية، والتي أدت إلى تحول الإشكالات الفردية إلى عقوبة جماعية. ويعطي الدهيبي أمثلة على ذلك انطلاقاً من حادثة بشري، وما سبقها وتلاها في البقاع وبحنين. ويصف ما حصل في مخيم بحنين بـ"محاولة قتل جماعية لنحو 95 عائلة سورية، تضم قرابة 485 شخصاً، من بينهم 116 طفلاً". 

ويلفت إلى تعزيز العنصرية من خلال التحريض على العمال السوريين العاملين في القطاع الزراعي. 

ويكشف الدهيبي عن استغلال هذه الشريحة من الأجراء، حيث يشتكي هؤلاء من هضم حقوقهم وأجورهم باستمرار، بدءاً بعمال البناء والأشغال العامة، وحالياً العمالة الزراعية.

من ناحية أخرى، أسهم الانهيار الاقتصادي في لبنان في تعزيز هذه الحالة المضطربة والتنافسية بسبب تأخر أرباب العمل في دفع أجور اللبنانيين والسوريين على السواء. 

وتضافرت الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان منذ أشهر مع تفشي جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت في تعقيد الوضع وإرهاق المواطنين اللبنانيين والسوريين المقيمين في البلاد.

بيئة مندمجة

أما الناشط طارق المبيض فيقول عن تاريخ هذا المخيم، إنه أنشئ لإيواء العمال الزراعيين منذ عقود من الزمن سعياً وراء أجور مرتفعة مقارنة مع تلك التي يحصلون عليها في مناطق الحسكة مثلاً، مشيراً إلى التراتبية داخل هذه الجماعات، حيث يتولى الشاويش مهمة دفع الأجور، ما أدى إلى عدم اندماج العمال في البيئة الاجتماعية اللبنانية المحيطة بهم. في المقابل، هناك شريحة ممن قدموا إلى لبنان تحت وطأة الحرب السورية، وحصل هؤلاء على مساعدات وإيواء من خلال مؤسسات الأمم المتحدة التي سعت إلى دمجهم في المجتمع اللبناني من خلال تشجيع أصحاب العقارات اللبنانية الموجودة في طور الإنشاء، وتقدم المال لهم (بما يوازي 6 آلاف دولار أميركي) لقاء تجهيزها وإسكان العائلات اللاجئة، أو تقديم بدلات الإيجار، الأمر الذي أسهم بارتفاع قيمة الإيجارات المنزلية. 

وأدت سياسات الإدماج إلى تفاعل بين المقيمين والوافدين مقابل حفاظ سكان على نظامهم الاجتماعي المستقل. وينطلق مبيض من هذا التحليل ليؤكد "عدم وجود نزعة عنصرية تجاه السوريين في المنية، حيث يقدر وجود بين 10 و15 ألف لاجئ في المنطقة، وأغلبهم مندمج في مجتمع المنية على خلاف أهالي المخيمات". وهذا التحليل يجد ما يصدقه على أرض الواقع. فعلى أرض المخيم تجتمع المكونات اللبنانية والسورية لرفع الركام ومسح الأوجاع. ويؤكد الشاب السوري علي، البالغ من العمر 20 عاماً، أنه شب وكبر في المنية، وقد تآخى مع أبنائها. ويلفت في روايته إلى أن "استقلال أهل المخيم عن المحيط، قد يكون سبباً لمضاعفة أي سوء تفاهم". ويعتقد أن "القصة تم تضخيمها على الألسنة، ووسائل التواصل، ما أسهم في إشعال الفتنة على يد الطابور الخامس، وترويج ما ينافي الحقيقة من خلال الحديث عن وقوع ضحايا وجرحى". 
أما المواطن اللبناني ماهر فهدة، صاحب أحد المشاريع الزراعية، فيؤكد العلاقة المتينة مع العمال السوريين، ويأسف لما تعرض له هؤلاء، لأنهم "في حاجة لتطوير الزراعة في المنية ومحيطها"، معبراً عن رفض الأهالي لما حدث. 

الجهد الإغاثي مضاعف

وشهدت منطقة المخيم جهوداً إغاثية استثنائية، ويقول سكان المخيم "قام الناس بواجبهم وأكثر". كما استجابت جمعيات إغاثية إلى النداءات العاجلة، ويكشف صلاح خربطلي من جمعية "رحمة وورد وايد" عن تأمين مواد غذائية ووسائل تدفئة وتنظيف للعائلات المنكوبة، كما قامت بتوزيعهم على بعض الورش المعدة للسكن المؤقت، وتأمين الحليب والحفاضات للأطفال.

ويوضح الناشط أبو شادي أن هناك خطة لإعادة بناء المخيم، وأن العمل الإغاثي هو امتداد لمساعدات سابقة يتم تقديمها لنحو 6 آلاف أسرة سورية مسجلة، وتتوزع على منطقة المنية وبحنين وعكار.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير