Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كل الحكاية الهوليوودية في مذكرات "ديفيد سيلزنيك"

     السينما الأميركية قبل أن يصبح اسم المخرج فوق العنوان

 المنتج ديفيد أو سيلزنيك وإلى جانبه الممثلة الأميركية أوليفيا دي هافيلاند ( غيتي)

 للوهلة الأولى قد لا يعني اسم ديفيد أو سيلزنيك شيئاً لأحد اليوم، وحتى لئن عرف البعض من هو، سيكون السؤال الحاسم "ثم ماذا... إنه ليس أكثر من منتج عمل في هوليوود فاستثمر مالاً حقق به المكاسب العديدة؟". هذا صحيح، لكن للوهلة الأولى فقط. بعد ذلك، حين نتذكر التعريف الذي أطلقه المخرج الإنجليزي الكبير على السينما بأنها المكان الذي يتحول فيه المال إلى نور، ندرك المكانة الحقيقية لسيلزنيك، الذي كان يجسد، في شخصيته ومساره، تاريخ هوليوود كلها، هوليوود التي صنعها أمثال سيلزنيك، أكثر بكثير مما صنعها أمثال أورسون ويلز، ويليام وايلر، أو جورج كيوكور.

ذلك لأن المنتج في هوليوود كان كل شيء تقريباً في عملية صناعة الفيلم، من اختيار النجم إلى إعادة النظر في السيناريو، ومن تبديل المخرج إلى استكشاف الأسواق الجديدة. المنتج كان السيد المطلق وسط الماكينة الهوليوودية الضخمة. وهذا القول قد يوقعنا في فخ السهولة ويدفعنا إلى القول: إذن، فمعنى ذلك أن المال كان هو السيد المطلق، عبر المنتج الذي يحركه ويحوله إلى صور وأضواء. غير أن هذا الافتراض غير دقيق، لأن المنتجين من نمط سيلزنيك، لم يكونوا مجرد آلات تفرّخ أموالاً وتراكم الأرباح. ويصح هذا الكلام، تحديداً، حتى أواسط الستينيات، ما جعل واحداً من مخضرمي هوليوود يقول لدى رحيل سيلزنيك يوم 22 حزيران (يونيو) 1965 "اليوم نشعر بأن صفحة أساسية من تاريخ هوليوود قد طويت".

 هذا صحيح، لأن تلك السنوات كانت التي شهدت بداية تحول المنتجين من مبدعين حقيقيين إلى مديرين تكنوقراطيين يمضون ساعات يومهم في مراجعة الحسابات أكثر مما يمضونها في الاشتغال على تحقيق الفيلم.

صراعات وأهواء

كان سيلزنيك في مجال عمله مبدعاً حقيقياً. وهو أمر يمكننا أن نتحسسه من خلال قراءتنا المتأنية مذكراته عن حياة هوليوود التي كتبها خلال سنوات تقاعده، ونشرت بعد رحيله، تقدم في الحقيقة صورة مختلفة كل الاختلاف عن المعهودة، إذ هنا لا يعود القارئ أمام مصنع أحلام وأموال، إنما أمام شريحة حقيقية من الحياة، أمام صراعات وعواطف وأهواء وفي خضم كواليس الأفلام الكبرى، وعلى تماس مباشر مع النجوم ونزواتهم. وهكذا، أمام رؤية سيلزنيك هوليوود تنقلب الصورة فجأة لنجدنا في خضم الحياة نفسها، وهو أمر كنا قد نسيناه قبل ذلك، معتقدين أن الأخيرة هي الواجهة البراقة لا غير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد كان في إمكان سيلزنيك أن يصف هوليوود بدقة، لأنه رافق مسارها سنوات طويلة، بل كان محركاً لبعض خفاياها، وهو لم يتنقل فقط بين الأفلام، بل بين شتى شركات الإنتاج العملاقة ما جعله يكاد يختصر في حياته ومساره وتقلباته، تاريخ هوليوود كلها، فقد كان ابناً للمنتج لويس سيلزنيك، المنافس الرئيسي لماير وزوكور في تلك السنوات الغابرة. وهو بعد إفلاس أبيه، أنتج أول فيلم خاص به في العام 1924 (روليت).

 لكنه اضطر بعد ذلك إلى الانضمام إلى شركة مترو غولدوين ماير كمجرد قارئ للسيناريو، وحين تركها بعد زواجه من ابنة لويس ماير، انضم إلى شركة بارامونت، حيث أنتج العديد من الأفلام خلال ثلاثة أعوام. وحين ترك بارامونت، أصبح نائباً لرئيس شركة ر. ك. أو. راديو، حيث أنتج 15 فيلماً، وكان من الحصافة بحيث اكتشف أن بإمكانه تعزيز موقعه الهوليوودي عبر الاستعانة بفنانين كانوا يبرزون في أوروبا من هتشكوك إلى فيفيان لي، ومن أنغريد برغمان إلى آليدا فالي، ما جعله واحداً من أفضل مكتشفي المواهب و"الرجل الذي حقق واحدة من أكبر الثورات الهوليوودية".

ذهب مع الريح

بيد أن ثورته الحقيقية حصلت بعد لك، وبخاصة بعد عودته إلى مترو غولدوين ماير، وتركها ليؤسس شركة خاصة به، ثم لينتج الفيلم الأكثر أسطورية في تاريخ هوليوود: "ذهب مع الريح".

مع هذا الفيلم وفي الوقت الذي أكد سيلزنيك مواهبه السينمائية كمنتج ومنظم ومكتشف للمواهب (فيفيان لي) ومروض للمتمردين (كلارك غابيل)، كشف عن وجه حقيقي لهوليوود، هو وجه المكان الذي لا وجه له، من خلال إخراج الفيلم الذي حقق أعظم أرباح في تاريخ السينما، قبل استشراء موجة ستيفن سبيلبرغ. فنحن إن كنا منصفين اعتبرنا سيلزنيك المخرج الحقيقي للفيلم، أي استنتجنا أنه حُقق من دون مخرج، على الرغم من أن ثلاثة مخرجين كباراً تقلبوا عليه: سام وود، جورج كيوكور وفكتور فليمنغ.

الحقيقة أننا في صدد هذا الفيلم الذي بات أسطورياً في تاريخ هوليوود منذ ما قبل عروضه الأولى، لن نكون في حاجة إلى سيلزنيك نفسه أو إلى البحث في كتاب مذكراته لكي نجد أنفسنا أمام تلك الحكاية التي تؤكد ليس فقط سطوة المنتج في هوليوود ما – قبل – الاسم قبل العنوان (في إشارة منا هنا إلى تلك العبارة الشهيرة التي سوف يستخدمها المخرج "الروزفلتي" فرانك كابرا عنواناً لمذكراته مشيراً فيها بوضوح إلى أسبقية المخرج على المنتج وبقية العاملين في الفيلم إلى درجة يأتي اسمه قبل عنوان الفيلم)، بل كذلك الدور الفني الكبير الذي كان المنتج يلعبه.

الاستغناء عن المخرج

حكاية "ذهب مع الريح" ماثلة دائماً لتروي لنا كيف اشتغل سيلزنيك على كل الاختيارات المتعلقة بإنتاج الفيلم وأماكن تصويره واختيار الممثلين الذين سيلعبون شتى الأدوار فيه، وصولاً إلى اختيار المخرجين بنفسه واحداً بعد الآخر تبعاً لرصده الكيفية التي يشتغل بها كل واحد منهم على الفيلم حتى انتهى به الأمر إلى الاستقرار على فكتور فليمنغ الذي كمنت مزيته الرئيسية في طواعيته التامة ومرونته أمام كل ما يطلبه منتجه سيلزنيك منه، وهذا بالتحديد ما جعل مؤرخي هوليوود يتحدثون دائماً عن هذا الأخير بوصفه المبدع الحقيقي وراء الفيلم. وإذا كان سلزنيك قد استنكف في مذكراته التركيز على هذا الأمر، فإن فليمنغ نفسه، مع نزاعاته الكثيرة مع المنتج طوال شهور إنجاز الفيلم، لم يفته أن القول إن "ذهب مع الريح" كان مدرسته السينمائية الحقيقية "المدرسة التي لم يكن فيها سوى بروفسور واحد هو دافيد أو. سيلزنيك"!

لقد أثبت سيلزنيك من خلال حكاية "ذهب مع الريح" العجيبة أن هوليوود بإمكانها أيضاً الاستغناء عن المخرج وتحقق فيلماً ضخماً هائل الحجم والأهمية، لكنه أثبت في الوقت نفسه أن على المنتج أن يكون فناناً حقيقياً لكي يوفر لهوليوود هذه الإمكانية. وفي هذا المجال كان سيلزنيك رائداً، تاريخه هو تاريخ هوليوود، وتحمل بصماتِه حتى الآن أفلام رائعة مثل: "ليالي الحي الصيني" (1929) و"ما ثمن هوليوود" (1930) و"عصفور الجنة" (1932) ثم "صراع في الشمس" و"مولد نجمة" و"دايفيد كوبرفيلد" و"آنا كارنينا".

اقرأ المزيد

المزيد من سينما