Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين يشيد بمآثر الجاسوس البريطاني جورج بلايك

موسكو تصفه بـ"رجل المخابرات الأسطوري" وتكشف عن تسليمه أسماء كثير من الجواسيس ضد روسيا

موسكو تودع الجاسوس البريطاني جورج بلايك بمراسم الفخر والإجلال  (غيتي)

مثلما فعلت مع سلفه كيم فيلبي ضابط المخابرات البريطانية الذي سبق ولجأ إلى "كي جي بي"، ودعت موسكو الجاسوس البريطاني جورج بلايك بكثير من مراسم الفخر والإجلال تقديراً لما قام به "لتأمين السلام العالمي وإنقاذ البشرية من تبعات الحرب الباردة"، إلى جانب الإشادة بدوره في مكافحة الفاشية وإسهاماته في فضح كثير من مخططات المخابرات الغربية إبان مطلع سنوات الحرب الباردة. وكان الرئيس فلاديمير بوتين في طليعة المبادرين بتقديم واجب العزاء في الجاسوس البريطاني، الذي نجحت موسكو في تجنيده منذ خمسينيات القرن الماضي، وقال، "إن العقيد بلايك أسهم خلال سنوات العمل الصعب والعصيب بدور لا يقدر بثمن في جهود ضمان التكافؤ الإستراتيجي والحفاظ على السلام في العالم. إن الذكرى المجيدة لهذا الشخص ستظل خالدة في قلوبنا".

ورغم ما يتردد حول أن جورج بلايك هو آخر ممثلي جيل الجواسيس البريطانيين الذين نجح الاتحاد السوفياتي السابق في تجنيدهم خلال سنوات الحرب الباردة، فإن هناك من الشواهد التي تقول بعدم صحة ذلك، ومنها ثوابت العمل في مثل هذه المجالات الحساسة شديدة السرية.

وكانت الأجهزة الإعلامية والأمنية الروسية أسهبت في تعداد مآثر الجاسوس البريطاني الراحل، انطلاقاً من تاريخ قديم شهد توقف الرئيس بوتين شخصياً عندما وصفه بكثير من مآثره. ونذكر أن الأخير سبق وأشار في برقية تهنئة بعث بها إلى الأول إلى أنه "ينتمي عن حق إلى كوكبة الرجال الأقوياء والشجعان والأكفاء الممتازين". وأضاف، أنه "أظهر في مختلف الظروف رباطة جأش وقدرة على التفاني في العمل، والقيام بكثير من الجهد، متحلياً بروح المسؤولية وتنفيذ المهام المطروحة".

ومن اللافت أن الرئيس الروسي والعقيد السابق في جهاز المخابرات الروسية "كي جي بي"، كشف ضمنياً عن أن بلايك ليس وحيداً، حين أعرب عن عالي تقديره لما أسهم به هو زملاؤه، في صيانة السلام وضمان الأمن والتكافؤ الإستراتيجي".

وكان الضابط البريطاني وقع في الأسر خلال سنوات الحرب الكورية في مطلع خمسينيات القرن الماضي ووافق على التعاون مع المخابرات السوفياتية "لاعتبارات عقائدية بالدرجة الأولى"، حسبما تقول المصادر. ومنذ ذلك الحين ارتبط بلايك بجهاز "كي جي بي"، الذي انتظم لاحقاً وبدأ هروبه إلى الاتحاد السوفياتي بين صفوفه برتبة "عقيد" تحت اسم "جيورجي ايفانوفيتش بلايك".

وكشفت السلطات الروسية عن الجهد الذي قام به بلايك بعد لجوئه إلى الاتحاد السوفياتي، ونجاحه في أن يحظى بثقة أجهزته التي عهدت إليه بعديد من المهام على الصعيد الداخلي دون أن تكشف عن ماهية هذه المهام. غير أن حرص الرئيس بوتين على تكريمه علانية بتهنئته بالذكرى التسعين لميلاده منذ قرابة التسع سنوات، وعودته إلى تقديم تعازيه في تاريخ وفاته إلى جانب حصوله على وسام لينين وعديد من الأوسمة والميداليات والمكافآت السوفياتية، يؤكد الأهمية التي كان يتمتع بها هذا الجاسوس البريطاني لدى أجهزة المخابرات الروسية. وكان ذلك منذ كشفه عن خطة المخابرات الأميركية والبريطانية بشأن حفر نفق يمتد إلى مواقع القوات السوفياتية بألمانيا في خمسينيات القرن الماضي، واستفادة المخابرات الروسية من هذه المعلومات لتضليل الأجهزة المضادة، وهربه إلى الاتحاد السوفياتي بعد نجاحه في الإفلات من السجن، وكان محكوماً عليه بالسجن لمدة 42 عاماً. وفي هذه المناسبة نشرت صحيفة "روسيسكايا غازيتا" الرسمية الروسية نعياً ضمّنته كثيراً من جوانب حياته وتقدير السلطات السوفياتية لمآثر ضابط المخابرات البريطاني، قالت فيه "إن بلايك لم يتعرض لأي ضغط لتغيير مواقفه السياسية، وكان قراره باعتناق الأفكار الماركسية طوعاً بمحض إرادته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحول نشاطه قالت الصحيفة، إن "بلايك سلم خلال سنوات تعاونه مع الاتحاد السوفياتي الذي استمر لما يزيد على عشرين عاماً، كميات ضخمة من المعلومات السرية التي سمحت لأجهزة المخابرات السوفياتية الكشف عن عديد من العملاء المزدوجين من البريطانيين حتى تاريخ اكتشاف أمره عام 1959 والحكم عليه في عام 1961 بالسجن لمدة 42 عاما"، وحتى تاريخ هروبه من السجن في عام 1966 والفرار إلى ألمانيا الشرقية ومنها إلى الاتحاد السوفياتي. وفي ما أضافت أنه ظل حتى وفاته مؤمناً وملتزماً الشيوعية، ونقلت عنه ما قاله في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 أن خياره كان صحيحاً، إلى جانب إشادته بنشاط أجهزة المخابرات الروسية التي تواجه مهمة إنقاذ العالم من خطر الحرب النووية في ما وصفه بـ"المعركة بين الخير والشر".

وبهذا الصدد أيضاً قال سيرغي إيفانوف، الناطق الرسمي باسم جهاز المخابرات الخارجية "أس في آر"، في تصريحاته إلى وكالة أنباء "تاس"، إن جورج بلايك أحب بلادنا بصدق وكان معجباً بإنجازات شعبنا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية"، فيما وصفه بأنه "عنصر المخابرات الأسطوري".  

 ومن اللافت أن نبأ وفاة الجاسوس البريطاني، جاء مواكباً لتوسع أجهزة الإعلام الروسية في نشر خبر "ولادة طفل" للموظف السابق في جهاز المخابرات المركزية الأميركية ادوارد سنودن الذي لجأ إلى روسيا هرباً من ملاحقة مخابرات الولايات المتحدة في عام 2013، واتهامه بالحصول على معلومات سرية.

وكان سنودن فضح كثيراً من ممارسات الأخيرة في التجسس، فيما منحته السلطات الروسية حق الإقامة الدائمة، إلى حين النظر في الاستجابة إلى طلبه حول منحه الجنسية إلى جانب نظيرتها الأميركية، وبعد رفضها طلب الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما حول تسليمه إلى سلطات بلاده للمثول أمام القضاء بتهمة إفشاء معلومات سرية تنال من الأمن القومي للولايات المتحدة. وذلك ما اعتبره بعض المراقبين في حينه رسالة ذات مغزى. 

ورغم حرص الأجهزة الأمنية على عدم الكشف عمن نجحت في تجنيدهم من ممثلي أجهزة المخابرات الأميركية والغربية، فإن القائمة تتسع لكثيرين، منهم اولدريدج ايمس الرئيس الأسبق لجهاز مكافحة التجسس لدى المخابرات المركزية الأميركية الذي نجحت نظيرتها الروسية في تجنيده عام 1985 ولم يفتضح أمره إلا في 1994. وذلك ما كان في حينه مثار فخر لجهاز مخابرات الخارجية الروسية الجديد "أس في آر" الذي كان يترأسه آنذاك يفجيني بريماكوف قبل انتقاله إلى منصب وزير الخارجية الروسية في عام 1996، ثم منصب رئيس الحكومة الروسية عام 1998. وقالت صحيفة "ترود" الروسية في تحقيق لها نشرته عام 2006، إن ايمس كشف لجهاز "كي جي بي" عن أسماء ما لا يقل عن 25 من المواطنين السوفيات الذين كانت المخابرات الأميركية نجحت في تجنيدهم. 

ومن المخابرات البريطانية كان جهاز "كي جي بي"، نجح في استمالة ضابط المخابرات الأشهر هارولد ادريان راسل "كيم" فيلبي الذي نشط كعميل مزدوج خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، بما قدمه للسلطات السوفياتية من معلومات سرية قالوا إنها وفرت كثيراً من البيانات "الاستخباراتية السرية" لموسكو، ومنها كشفه عن أسماء "المئات من العملاء".

وأضافت المصادر أن الشبهات دارت حول كيم فيلبي ما دفعه إلى الاستقالة من العمل في المخابرات البريطانية، إلى أن استطاع بعد افتضاح أمره الهروب إلى موسكو التي أقام فيها حتى تاريخ وفاته في 1988، وكرمته بتقليده الأوسمة وإطلاق اسمه على أحد شوارعها. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير