Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا يمكننا تجاهل علامات الإنذار بأن بريطانيا موشكة على العزلة

كونها جزيرة ينطوي على كثير من الفخر والتميز لكن الجزر قد تضحي غير ملائمة وتفقد أهميتها فلا يكترث أحد بها

بإمكان بوريس جونسون الاعتزاز باستقلالية الجزر البريطانية لكن عزلتها تهددها بمآل سيء (أب)

نجحت سلالة متحوّرة من فيروس كوفيد حيث فشلت أشهر المفاوضات البريطانية الخرقاء مع بروكسيل. وعملياً، عزلت تلك السلالة المملكة المتحدة، ليس عن أوروبا القارية بأكملها فقط، بل عن جزء كبير من العالم أيضاً. ففي غضون ساعات من إعلان رئيس الوزراء بوريس جونسون أن النصائح العلمية لم تمنحه أي خيار سوى عزل جنوب شرقي إنجلترا بأكمله، تلقت تلك الرسالة فرنسا أولاً، ثم جميع الدول الأخرى تقريباً.

وسرعان ما توقفت الرحلات الجوية والقطارات والسفن، ولم تتمكن الشاحنات القارية من العبور إلى فرنسا أو هولندا أو بلجيكا. بعدها، بيّن وزراء المملكة المتحدة بنوع من الابتهاج أن الشاحنات لا يزال بإمكانها الدخول إلى هذا البلد. لكن، كيف سيعود السائقون إلى منازلهم مع حلول عيد الميلاد في ظل إغلاق معظم المنافذ؟ لقد أثار الوزراء أنفسهم، وليس المتاجر الكبرى، شبح نقص الغذاء.

من الواضح أن هذا الوضع أبعد ما يكون عن "بريطانيا العالمية"، ذلك التعبير الذي يختصر طموحات حكومة جونسون بعد "بريكست". حمل التعبير فكرة مفادها بأن المملكة المتحدة ستنعم بالخروج مما يُعتبر السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي، ويكون باستطاعتنا أن نتاجر مع العالم بشروطنا الخاصة، وستكون سفننا حرّة في التجوّل في البحار ويمكننا استعادة روابطنا الإمبراطورية (آسف، أقصد الكومنولث) التي تخلّينا عنها.

الآن، سيكون من المنصف القول إن عزلة البلاد شبه التامة لن تدوم إلى الأبد. وفي الواقع، لقد بدأت تخف قليلاً حتى وأنا أكتب هذا المقال، مع إجراء اختبارات كوفيد شبه الفورية بهدف السماح للسائقين التجاريين، إن لم يكن للزوار والأفراد أيضاً، بالدخول والخروج من البلاد. وبينما تبدو مواقف الشاحنات في مقاطعة كنت موحشة، تنقل بضائع كثيرة من دون مرافقة السائقين. واستطراداً، قد يكون خطر النقص [في الغذاء] مبالغاً فيه.

ومع ذلك، يصعب كظم ابتسامة ساخرة عندما يصرّ الوزراء على أنه، بالطبع، كان من المحتمل أن يسوء الأمر أكثر لو لم نُجرِ تدريبات على خطة طوارئ عن مثل هذا السيناريو، حتى تعلّق الأمر بسيناريو الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة، بدلاً من فيروس خارج عن السيطرة في كنت. وفي النهاية، لم يمر سوى عامين منذ أن اعترف وزير "بريكست" آنذاك دومينيك راب بأنه لم يقدّر تماماً مدى اعتماد المملكة المتحدة على معبر "دوفر- كاليه" [يربط بريطانيا بفرنسا]. والآن، قد يجد وزير الخارجية راب نفسه يحاول تهدئة الأوروبيين المنزعجين من عدم إبلاغهم بوجود مخاطر صحية خطيرة خارجة عن السيطرة في الجانب الآخر من القناة [بحر المانش].

ومع ذلك، فإن الوزراء ليسوا مخطئين تماماً عندما يشيرون إلى أن استعدادات الخروج من دون صفقة ساعدت في التعامل مع الوضع الحالي المرتبط بـكوفيد، وإن لم يكن بالطريقة التي يقصدونها بالضبط. وفي الواقع، ذهبت المساعدة في الاتجاهين كليهما، إذ تشير وجهة النظر البريطانية الشائعة إلى إن فرنسا على وجه الخصوص، بالغت في ردّ فعلها بشكل متعمّد تجاه السلالة المتحوّرة من الفيروس بهدف تحذير المملكة المتحدة من عواقب "بريكست" بلا صفقة. وتخفي سرعة وفاعلية عزل المملكة المتحدة، لفترة من الوقت على الأقل، بعض التأثيرات الحقيقية الطويلة المدى لـ"بريكست"، التي تشمل فصل المملكة المتحدة عن أقرب جيرانها. وبفضل توقف حركة المرور بسبب كوفيد [المتحوّر]، قد يبدو الانقطاع الناتج من "بريكست" أقل حدة وأقل أهمية مما هو عليه بالفعل.

يحمل كون المملكة المتحدة جزيرة أو مجموعة من جزر، على فخر وتميّز كبيرين، وكل الجزر تشعر بذلك. وكذلك يعطيها ذلك مزايا كانت أكبر قبل السفر الجوي لكن لا تزال مهمة، باعتبارها نقطة توقف طبيعية للمسافرين والتجار. لكن العكس صحيح أيضاً، إذ يمكن أن تصبح الجزر غير مريحة وتفقد أهميتها فلا يكترث أحد بها. وعندما يجري "الانتهاء" بالكامل من تنفيذ "بريكست"، ستستيقظ المملكة المتحدة تدريجاً على حقيقة أنها دولة مختلفة تماماً عمّا كانت عليه قبل 2016، وستصبح كذلك على نحو متزايد.

في ذلك السياق، برزت بالفعل بعض المؤشرات إلى هذا الأمر قبل ضربة كوفيد بفترة طويلة. هل لاحظتم مثلاً كيف اختفت تقريباً كلمة "يورو" من الأسماء التجارية، وجوانب الشاحنات ومنتجات السوبرماركت؟ وفي اللحظة التي ستعبر فيها القناة، وهو احتمال يبدو في الوقت الحاضر بعيداً للأسف، سترى أنّ كل شيء يبدأ بكلمة "يورو". وستجد أعلاماً صغيرة للاتحاد تزيّن بشكل متزايد الملصقات الغذائية. فقبل أسبوعين، اشتريت شيئاً كُتب عليه "دجاج كييف البريطاني". هل الهدف من ذلك مجرد ألا تظن أنه جاء عبر أوروبا من أوكرانيا؟

وكذلك ظهرت علامات أكبر على التغيير. في الشهر الماضي، أعلنت شركتا النقل البحري الرئيستين "ستِنا" Stena و"أيريش فِريز" Irish Ferries عن رحلات بحرية يومية جديدة بين فرنسا وجمهورية إيرلندا، بهدف تجاوز الازدحام المحتمل على الطرق من المملكة المتحدة وإليها. على الرغم من وجود بعض الخطوط البحرية المباشرة فعلياً، إلا أن مزيداً منها سيظهر حاضراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى نحو مماثل، بعد آخر توضيح حول إجراءات التجارة البريطانية مع إيرلندا الشمالية، قيلت أشياء كثيرة بشأن الحاجة إلى ضمان استمرار حصول المستهلكين في إيرلندا الشمالية على المنتجات البريطانية التي يعرفونها ويحبونها. في المقابل، يمكن أن يبدأ تكاثر وصول بضائع آتية من جمهورية إيرلندا وبقية دول الاتحاد الأوروبي إلى الحدود الشمالية، بشكل متزايد. ويمكن أن تؤدي سلاسة تلك التجارة، مقارنة بالإجراءات التي يمكن أن يواجهها الشحن عبر البحر الإيرلندي، إلى جعل تلك السلع أرخص وأكثر نضارة. وبعد ذلك، من يدري، ربما يتعوّد عليها المستهلكون.

ومن الجدير بالذكر أيضاً أن أحد العوامل الكبيرة وراء مخاوف الاتحاد الأوروبي من إبقاء الحدود الإيرلندية مفتوحة، يتمثّل في إلغاء ظهور باب خلفي لدخول سلع لا تتوافق مع المعايير الصحية للاتحاد. لذا، إلى أي حد ستظهر هذه الاعتبارات في أعقاب الجائحة؟

واستطراداً، لا يتعلق الأمر بمجرد وضع علامات على البضائع البريطانية أو تجاوز موانئ المملكة المتحدة. لقد أصبح ممكناً أن نستشعر من لندن، خصوصاً خلال العام الماضي، كيف يتراجع الاتحاد الأوروبي بشكل ملحوظ، إذ بتنا "نحن"، نحاول بشكل متزايد التعامل، لكن ليس دائماً بنجاح وفق ما اكتشف جونسون مجدداً حديثاً، مع "الكبار" الأوروبيين، بدلاً من الاتحاد الأوروبي ككل.

إننا نفضل التعامل مع ما يسمّى مجموعة "3 إي" E3 (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) [تأتي التسمية من كون الدول الثلاث في أوروبا التي يبتدأ اسمها بالإنجليزية بحرف "إي"] كمجموعة يمكنها إنجاز الأمور. ولعلّنا نفضل مجموعة "دي 10"D10 ، ويشير الحرف "دي" إلى D الديمقراطية، التي يمكن أن ندعو إليها كوريا الجنوبية وأستراليا والهند. وقد يكون ذلك، إضافة إلى الرغبة في إرسال إشارة واضحة بالابتعاد عن الصين، سبباً في تخطيط جونسون لرحلة إلى دلهي في العام الجديد.

لكن إلى أي حد ستكون المملكة المتحدة في وضع يمكّنها من الاستفادة من حرية المناورة التي يفترض أنها استعادتها؟ هذا أمر آخر. ربما سترغب الهند في بعض المقايضة الملموسة، من حيث تأشيرات الدخول إلى المملكة المتحدة، علاوة على دعوتها إلى دخول مجموعة الديمقراطيات العشر. من ناحية أخرى، يريد منا سفير إسرائيل الجديد في المملكة المتحدة أن نتبع الولايات المتحدة في نقل سفارتنا من تل أبيب إلى القدس. هل سيكون هذا ثمن صفقة تجارية؟ قد تكون الولايات المتحدة في عهد الرئيس بايدن أكثر اعتدالاً ويمكن التنبؤ بها. في المقابل، هل يُحتمل أن تكون مهتمة بالأداة الموجودة في بروكسيل، أكثر من اهتمامها بقوقعة "علاقة خاصة"؟

سنرى إلى أين سيؤدي ذلك كله، بل إذا كان سيؤدي إلى أي شيء. لكن حتى الآن، لا تعدو أي تغييرات أن تكون أكثر من إشارات خافتة ومتباينة. في المقابل، إنها أكثر من مجرد علامات على ما سيأتي. إنها نُذر مستقبل تكون فيه المملكة المتحدة أكثر انعزالاً. وستظل تلك النذر موجودة، وستزداد بعد انتهاء الجائحة.

© The Independent

المزيد من سياسة