Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان يستعيد صدقيته الدولية إذا نجح في ترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل

تسوية الخلاف على البلوكات النفطية تفتح نافذة للاقتصاد والتعاون الإقليمي

جُمدت مفاوضات لبنان وإسرائيل في شأن الحدود البحرية في أواسط نوفمبر (أ ب)

يطرح تأجيل تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة جملة تحديات وأسئلة مقلقة حول سبل معالجة ملفات ملحة في البلد المأزوم اقتصادياً ومالياً وسياسياً، في غياب سلطة تنفيذية عليها اتخاذ قرارات عاجلة لإنقاذه من الانهيار والإفادة من المساعدات المالية الدولية.

وإذا كان معروفاً أن الإصلاحات هي حجر الزاوية في أي تصحيح للوضع المالي، لأنه امتحان الثقة الذي وضعه المجتمع الدولي شرطاً كي يقبل على تقديم المساعدة المالية للبنان، فإن الأوساط الدبلوماسية الدولية تعتبر أن من العوامل التي تعيد الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية هي إثباتها الجدية في المفاوضات مع إسرائيل في شأن الحدود البحرية من أجل التوصل إلى مساومة أو تسوية حول ترسيم نهائي يحسم الخلاف بينهما على مناطق متنازع عليها حول بلوكات النفط والغاز في مياه البحر قبالة المنطقة الجنوبية من لبنان.

فهذه المفاوضات مجمدة منذ أواسط نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد 4 جولات انطلقت في 14 أكتوبر (تشرين الأول) بوساطة الولايات المتحدة الأميركية ممثلة بالسفير الأميركي جون دو روشر كمسهل وميسر للعملية التفاوضية، وبرعاية مكتب المنسق الخاص لأنشطة الأمم المتحدة في لبنان وممثل الأمين العام يان كوبيش في مقر قيادة قوات "يونيفيل" في بلدة الناقورة اللبنانية في الجنوب وبحضور قائدها الجنرال ستيفانو ديل كول.

خطان تفاوضيان لا يلتقيان

يعود تجميد التفاوض إلى أن الجانب الإسرائيلي اعتبر طروحات الوفد اللبناني المؤلف من ضابطين كبيرين في الجيش واثنين من المتخصصين المدنيين عينهما الرئيس اللبناني ميشال عون، غير قابلة للبحث لأنه وضع مطالب تعتبر أن حقوق لبنان في المياه تتجاوز مساحة المنطقة المتنازع عليها منذ سنوات، أي زهاء 863 كيلو متراً مربعاً، لأن الخرائط التي تقدم بها الجانب اللبناني في جولة التفاوض الثانية والثالثة تحدد حقوق لبنان بمساحة تبلغ 1430 كيلو متراً مربعاً، عبر رسم الخط الفاصل استناداً إلى قانون البحار واتفاقية "بولي - كومب" لعام 1922 بين الانتدابين الفرنسي على لبنان (بعيد إعلان دولة لبنان الكبير) والبريطاني على فلسطين. وفي وقت وجد فيه مطلعون أن الخرائط اللبنانية الجديدة توسع حقوق لبنان نحو حقول غاز ونفط تحتسبها إسرائيل من ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها، وتقترب من حدود مدينة حيفا، رأى وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس في 20 نوفمبر الماضي أن لبنان "غير موقفه الرسمي في شأن حدوده البحرية مع إسرائيل سبع مرات"، محذراً من وصول المفاوضات إلى طريق مسدود بسبب استناد الوفد اللبناني المفاوض إلى طريق مسدود. ورد الجانب الإسرائيلي في الجولة الثالثة من المفاوضات بطرح خرائط جديدة ترسم خط الحدود في شكل يعطي الدولة العبرية حقوقاً في حقول النفط تصل إلى الشاطئ شمال العاصمة بيروت، في سياق رفع السقف حيال المطالب اللبنانية الجديدة.

حصر التفاوض بالـ863 كيلو متراً مربعاً

في كل الأحوال أدى طرح كل من الجانبين لسقوف تفاوضية عالية إلى اقتراح الوسيط الأميركي تجميد المفاوضات، وأبلغ ممثله السفير دو روشر خلال زيارة إلى بيروت التقى خلالها الرئيس عون وقيادة الجيش وبعض أعضاء الفريق المفاوض، المسؤولين اللبنانيين أن واشنطن تفضل اعتماد الدبلوماسية المكوكية بين البلدين في فترة التجميد من أجل تقريب وجهات النظر، لعل هذا الأسلوب يحقق تقارباً في موقفيهما. ويسعى الجانب الأميركي إلى حصر التفاوض بمساحة 863 كيلو متراً مربعاً، وهي المساحة الناشئة من خطي (1) الذي تعتمده إسرائيل، و(23) الذي اقترحه لبنان في رأس الناقورة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفت النظر تلميح الرئيس عون بعدما استقبل دو روشر إلى أنه يمكن تبديل الموقف اللبناني وطرح صيغة جديدة، ما يعني أن الجانب اللبناني رفع سقف مطالبه من أجل تحصيل أكبر مساحة ممكنة، وعلى الأقل الـ863 كيلو متراً مربعاً بدلاً من الاكتفاء بالحصول على قرابة 55 في المئة من تلك المساحة وفق الخط الذي سبق للوسيط الأميركي السابق السفير فريدريك هوف بين 2012 و2014، لكن الأوساط السياسية اللبنانية تعتبر أن المرجعية الفعلية وراء الستار، للتفاوض في هذا الملف هي "حزب الله"، وأن عون هو الواجهة. وبالتالي يصعب توقع ترجمة ليونة عون عملياً وسط اعتقاد هذه الأوساط أن الحزب أجاز حصول المفاوضات، لكنه قادر على عرقلتها إذا اقتضت المناورة ذلك لأسباب إقليمية. وتردد الجهات المطلعة على المواقف السابقة على بدء التفاوض أن رئيس البرلمان نبيه بري كان قبل بصيغة السفير هوف في عام 2014، باعتبار أنها تعطي لبنان حقه في الجزء الأكبر من المساحة المتنازع عليها وتبقي على الجزء الآخر معلقاً في انتظار التفاوض عليه مع إسرائيل من دون منحها الحق بالتصرف به واستثماره من الناحية النفطية، لكن رغبة "حزب الله" بتأجيل التفاوض على الأمر ومع أن السفير دو روشر لم يبدأ بعد جهده المكوكي بالتنقل بين تل أبيب وبيروت لردم الهوة، نظراً إلى أن الفترة الفاصلة مع عطلة الأعياد كانت قصيرة، يتوقع أن تشهد بداية عام 2021 تفعيلاً لتحركه.

بومبيو والترحيب الإسرائيلي والتوضيح اللبناني

استبق وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ذلك في 22 ديسمبر (كانون الأول) بالإعراب عن أسفه "للطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات بين لبنان وإسرائيل في شأن ترسيم حدودهما البحرية".

وقال في بيان: "في وقت سابق من هذا العام، سعت الحكومتان الإسرائيلية واللبنانية إلى مساعدة الولايات المتحدة في التوسط للتوصل إلى اتفاق في شأن حدودهما البحرية. ومن شأن هذا الاتفاق تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة على الأرجح لشعبي البلدين".

ورأى أنه "على الرغم من وجود بعض النيات الحسنة للجانبين، فإن الطرفين لا يزالان متباعدين جداً"، مؤكداً أن واشنطن "مستعدة للتوسط في مناقشات بناءة". وحض "الطرفين على التفاوض على أساس مطالباتهما البحرية أمام الأمم المتحدة".

وفي وقت سارع فيه الوزير الإسرائيلي شتاينتس إلى الترحيب بموقف بومبيو، لا سيما إشارته إلى الخطوط التي سبق للبلدين أن أبلغا الأمم المتحدة بها، فإن الخارجية اللبنانية سارعت، مع ترحيبها باستعدادات الوزير الأميركي إلى التوضيح بنفي أن يكون لبنان قد أودع خرائط سابقاً إلى الأمم المتحدة. أما إسرائيل فكانت قد أبلغت المنظمة الدولية بخرائطها التي تشمل مساحة الـ863 كيلو متراً مربعاً في نطاق منطقتها الاقتصادية الخالصة.

الترسيم يفتح نافذة للاقتصاد وبوابة على الخليج

يقول أحد الدبلوماسيين المعنيين باستمرار المفاوضات إن المهم أن تتواصل، وهذا ما يفترض أن يحصل. ويلاحظ أن الأمر يحتاج إلى الصبر وتوضيح كثير من التفاصيل من الناحية التقنية. فكل فريق يتمسك برأيه، لكن الوقت ليس للمناورات إذا كان المطلوب استفادة لبنان من ثروته النفطية والغازية المفترضة الدفينة في البحر، لمعالجة صعوباته الاقتصادية والمالية المستقبلية. ويمكن لأي فريق أن يستند إلى القانون الدولي ولوثائق معينة، لكن الأمر في النهاية يتعلق بصفقة يفترض أن تحصل والانطباع العام هو أن هناك نية لدى الفريق اللبناني كي تستمر المفاوضات.

ويرى الدبلوماسي إياه أن التوصل إلى اتفاق على الحدود البحرية يفتح نافذة مهمة للاقتصاد ويمهد لتأمين الاستقرار الداخلي، ويعطي رسالة صدقية فيستعيد الثقة مع المجتمع الدولي لأن البلد يكتسب صدقية بأنه قادر على التوصل إلى اتفاق مهم وله تأثير إقليمي كبير. فهو سيؤدي إلى تحول لبنان إلى جزء من التعاون الإقليمي حول موضوع الطاقة، في ظل نشوء منتدى البحر الأبيض المتوسط للغاز الذي يضم مصر والأردن وإيطاليا واليونان وقبرص وإسرائيل. وهذا سيدخل لبنان في معادلة توازن إقليمي جديد غير موجود الآن. ومن نافل القول إن هذا سيجعل لبنان قريباً جديداً من مصر، التي لها علاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية، ما يعني استطراداً فتح بوابة لتحسين العلاقات اللبنانية العربية والخليجية. وإيصال المفاوضات إلى خواتيمها يسمح بتحريك جدي للأمور.

إلا أن المتحمسين للتوصل إلى تسوية حول الحدود البحرية لا يلبثون أن يؤكدوا أن أي نتيجة تصل إليها المفاوضات تحتاج إلى حكومة لتكريسها.

المزيد من تقارير