تقارب الليرة السورية حدود ثلاثة آلاف مقابل الدولار الواحد، عقب سلسلة انهيارات تعد الثانية من نوعها، في حين انعكست عودة الهبوط المفاجئ لعملة البلاد على الأسواق والتبادلات التجارية، وخلقت إرباكاً في تدفق السلع وسط جمود التعاملات التجارية أساساً.
ويرد متخصصون في الاقتصاد الهبوط المتسارع لليرة السورية في 22 ديسمبر (كانون الأول) الجاري إلى صدور قائمة جديدة من العقوبات فرضتها الخزانة الأميركية، وتشمل كيانات وأفراداً، ومن بينها البنك المركزي الذي يعد المسؤول عن الإشراف ورسم السياسة النقدية للبلاد.
ويعد هذا الهبوط الثاني من نوعه بعدما تخطت الليرة سابقاً حاجز ثلاثة آلاف مقابل الدولار الواحد عقب تطبيق قانون قيصر في 17 يونيو (حزيران) الماضي، بيد أنها سرعان ما عادت إلى التحسن، والاستقرار في مستوى 2500 مع تأرجح صعوداً وهبوطاً إثر محاولات تدخل المصرف المركزي بهدف تعزيز قيمة العملة خلال الفترة الماضية.
وفي حين تواصل الليرة الهبوط، ما زال سعر صرف العملة الرسمية 1256 مقابل الدولار.
الدولار وسباق الصعود
في غضون ذلك، يراقب السوريون الذين يمرون بأكثر الأيام ضيقاً حركة التداولات وأسعار العملات، بكثير من القلق، وبات السهم (الأحمر) الهابط والصاعد مثار قلق يرخي بثقله على المواطن الذي يعي مرارة هذا الهبوط بقيمة العملة، وما يرافقه من ارتفاع الأسعار.
ويعتبر المتخصص في الشؤون المصرفية، جاد أبو ماضي، أنه "بالإضافة إلى عديد من العوامل المؤثرة بهذا الهبوط، ومنها لعبة المضاربين الذين دأب البنك المركزي على ملاحقتهم، يمكن وصف قائمة العقوبات الجديدة بكونها تركت تأثيرها السلبي، وبالتالي ترفع من تكاليف المستوردات، وهذا ما سيلحق أثراً رجعياً على الأسواق المحلية".
ويعتقد أبو ماضي أنه يصعب في الواقع التكهن بما سيفضي إليه هذا الارتفاع المتلاحق، متوقعاً أن تكون هناك سياسات جديدة للتعامل مع هذا الطارئ، كون العقوبات لم تشكل نبأ مفاجئاً للمركزي، ومن المرجح ضخ القطع الأجنبي للتحفيف من حدة الانهيار وإيقافه عند حدود معينة مع التشديد بالتعامل بغير الليرة.
الحرب الاقتصادية
وعلقت وزارة الخزانة الأميركية على الإجراء الأخير بحق البنك المركزي بأنه يأتي دعماً لجهود واشنطن لتعزيز المساءلة والتوصل إلى حل سياسي للصراع القائم في سوريا.
واعتبرت الخزانة الأميركية، في بيان، أن العقوبات تستهدف مكتب الأصول الأجنبية والبنك السوري المركزي، وبالتالي تثبيط الاستثمار المستقبلي في المناطق التي تسيطر عليها دمشق، والالتزام بتطبيق القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتسعى دمشق للتخلص من العقوبات والإفلات من الحصار الأوروبي والأميركي منذ 2011، إلا أن الكماشة تشتد عليها، لا سيما خلال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإصدارها قانون العقوبات الاقتصادية على سوريا، ومعاقبة الأفراد والدول والمؤسسات الذين يتعاملون مع الحكومة السورية، أو تمولها، مع حظر التجارة بالنفط وبسط قيود على الاستثمار، ما أدى إلى تجميد أصول مئات الشركات والأفراد.
مقابل ذلك، فشلت كل المحاولات السورية لطي العقوبات، وآخرها الطلب برفعها في أول أيام الإغلاق العالمي بسبب وباء كورونا.
ووصف مصدر مسؤول في الخارجية السورية تلك الإجراءات بـ"الانتهاك الجسيم لمبادئ القانون الدولي، وترقى إلى مستوى جرائم الحرب والإبادة"، وفق وكالة الأنباء السورية (سانا).
ورحب الائتلاف الوطني السوري، في بيان أصدره الأربعاء 23 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، بقرار وزارة الخزانة الأميركية والحزمة الجديدة من العقوبات الأميركية التي تتزامن مع مرور عام على صدور قانون قيصر.
التضخم في اتساع
إضافة إلى العوامل الخارجية، ومنها الحصار الأميركي وتداعياته، يلفت مراقبون إلى وجود عوامل داخلية، وراء انخفاض سعر صرف الليرة، وسط إجراءات صارمة من الحكومة في دمشق لمنع التداول داخل البلاد بالعملات الأجنبية، مع تجريم حامل القطع الأجنبي.
وقد نتج عن انهيار سعر صرف الليرة، حسب دراسة اقتصادية محلية أعدت في عام 2016 في ذروة الحرب تحت عنوان "قيمة الليرة بحدود ثلاثمئة مقابل الدولار"، تضخم مرتفع جداً. ويعتبر المتخصص في شؤون المصارف الدكتور علي كنعان أن هذا "التضخم جامح وغير قابل للضبط والسيطرة ويقفز بمعدلات كبيرة، إذ تجاوز معدله 1200 في المئة".
من جهة ثانية، وعلى وقع ارتفاع سعر العملات الأجنبية رفعت الحكومة الدعم عن كثير من المواد المدعومة، ومنها المحروقات وبعض المواد الغذائية.
في حين يرى اقتصاديون أن غياب العاصمة اللبنانية، بيروت، عن الساحة الاقتصادية السورية شكل سداً منيعاً للتجارة الناشطة وفقدان الحديقة الخلفية لدمشق وتجارة سوريا.