Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الموسيقى الأندلسية: تراث ازدهر في المغرب

إسحاق الموصلي هدد زرياب بالاغتيال إن لم يرحل عن بغداد

الموسيقى الأندلسية الحالية نتيجة لتمازج الموسيقى الشرقية والمغاربية (يوتيوب)

تعتبر الموسيقى الأندلسية التي تُعرف كذلك بـ "موسيقى الآلة" أعرق تراث موسيقي بالمغرب، أدخلها الموريسكيون على إثر هجرتهم من الأندلس الى المغرب الكبير، بعد أن قام بتطويرها كل من زرياب وبن باجة، وما زالت تتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع المغربي، تُعزف في الأفراح والمناسبات ضمن طقوس خاصة.

أصول الموسيقى الأندلسية

تُعتبر الموسيقى الأندلسية الحالية نتيجة تمازج الموسيقى الشرقية والمغاربية حتى أصبح لها كيان خاص يميزها عن الموسيقى العربي، ويقول عبد العزيز بن عبد الجليل في كتاب "الموسيقى الأندلسية المغربية": تعتبر الموسيقى الأندلسية واحدة مـن الامتدادات والروافد التـي تفرعت عـن الموسيقى العربية في مفهومها العام، ويعتبر الحديث عنها بمثابة الحديث عن لون خاص من ألوان الموسيقى العربية، ومن ثم فمن الطبيعي ان ترتبط هذه الموسيقى بالأصول نفسها التي تلتقي عندها أصناف الموسيقى العربية عموما وإن تكن قد تفردت بخصائص ومميزات أسهمت عوامل شتى في خلقها".

موسيقى... خلاصة حضارات

أضاف "وكسائر الألوان والنماذج الموسيقية التي أبدعتها العبقرية العربية في ظل الانتشار الواسع للأمة الإسلامية، تعتبر الموسيقى الأندلسية خلاصة امتزاج وتلاقح المعطيات الفنية النابعة من طبيعة موسيقى العناصر البشرية المتساكنة في الأندلس وهي العرب والبربر والقوط والصقالبة، إن الموسيقى العربية في اشكالها وقوالبها لعهد ما قبل الاسلام وعهد الفتوحات الاسلامية الأولى كانت تشكل خلاصة ما أنجبته الممارسة العملية في مجالات الغناء والتأليف والعزف بعد الانفتاح على المؤثرات الفارسية والهندية، انتقلت هذه الأشكال والقوالب الى المغرب (الكبير) والأندلس مع العرب الفاتحين لتحمل معها ملامح أصيلة لاتزال آثارها واضحة بينة حتى اليوم وهي ملامح حفظت للموسيقى الأندلسية طابعها العربي على الرغم من استيطانها الجزيرة الإيبيرية قروناً عدة جعلتها على الدوام خاضعة للذوق العربي".

يقول عباس الجيراري "الآلة" أو ما اشتهر بـ "الموسيقى الأندلسية" وهي كما يدل عليها اسمها، تعتمد الأداء الآلي القائم على الوتريات والصدميات وبصفة خاصة على الرباب والعود والطر (ضابط الإيقاع)، وإن كان هذا الأداء يرتكز على نصوص شعرية لضبط إيقاعاته، وخصوصاً من الموشحات والأزجال، وهي بناء متكامل محكم ومنظم يقوم على نوبات".

الموشحات والزجل

ابتكر عرب الأندلس "فن الموشح" عندما أحسوا بضرورة التحرر من قيود أصول الموسيقى العربية كاحترام البحور والقافية، يقول الدكتور الجيراري "الموشح هو قصيدة شعرية ولكنها لا تخضع لوحدة البيت ولا تخضع كذلك لوحدة القافية، ولكنها مقسمة إلى أقسام أو مقاطع، بعضها يسمى "أقفالاً"، وبعضها يسمى "أبياتاً"، هذا النظام الذي يسير عليه الموشح يقتضي أن تكون الموشحة قائمة على مجموعة من الأقفال ومجموعة من الأبيات، الأقفال متشابهة في الوزن ومتشابهة في القافية، أما الأبيات فمتشابهة في الوزن في ما بينها ومختلفة من حيث القافية، أما الزجل فهو كالموشح مع فارق واحد، هو أنه باللغة العامية، وهو أيضاً كان خاضعاً للغناء ولمقتضيات هذا الغناء والأداء اللحني".

وتقوم الموسيقى الأندلسية على مزج العزف الموسيقي وغناء موشحات وفق ترتيب خاص يسمى "النوبة".

النوبة والمهدي بن جعفر المنصور

يعود أصل كلمة "نوبة" الى عهد الخليفة العباسي المهدي بن جعفر المنصور (785-775)، إذ كان يخصص يوماً لكل مجال من مجالات الفكر والفن، وكان يشرف بنفسه على المسابقات، كان يقال مثلاً "اليوم نوبة الغناء" اي اليوم دَور الغناء، إلى أن أصبحت الكلمة تعني في عهد الخليفة هارون الرشيد (809-786) الوقت المخصص لكل مغن أمام الخليفة.

ويقول الدكتور الجيراري "النوبة هي مجموع القطع أو الأطراف أو الأجزاء التي تشكل الأداء الموسيقي في نطاق محدد، هذا العمل متكامل، يعني مجموعة من المقطوعات ومن الألحان ومن الأنغام، بعضها يكمل بعضاً، كل ذلك أصبح يسمى "النوبة" وهذا هو المعنى الذي استقر في الأندلس وارتبط بالموسيقى الأندلسية، باعتبار هذه النوبة مكوناً نغمياً أساسياً، هذه النوبات تلائم مختلف أوقات الإنسان على مر الأيام والفصول".

ويضيف ان بعض تلك النوبات ضاعت لأنها كانت تعتمد على عنصر أساسي وهو الارتجال الذي يكاد يكون من المميزات الأساسية للموسيقى الأندلسية التي انتقلت إلى أوروبا وغيرها. وكان عدد النوبات 24 بعدد ساعات اليوم الواحد، توافق كل نوبة ساعة من ساعات اليوم ولا تغنى إلا في تلك الساعة الموافقة لها، ظل منها 11 نوبة بالمغرب، و13 نوبة في تونس، و16 نوبة في الجزائر.

الطبوع والطباع

يقول عبد الجليل إن إدريس الإدريسي في كتابه "المنتخبات الموسيقية" يكاد ينفرد بتقديم محاولة أولية لتعريف "الطبع" في الموسيقى الأندلسية المغربية بكونه "عبارة عن جزء من الطرب المشتمل على 24 جزءاً، وسُمي طبعاً لأنه يوافق من الطبائع البشرية ما يوافق".

ويضيف "يبدو أن الربط بين الطبوع والطباع جاء ليعكس أصداء نظرية قد ترجع أصولها الأولى إلى عهد فلاسفة اليونان ثم انتقلت إلى العرب من خلال ما ترجموه عن أولئك، ومن ثم شاعت في كتب فلاسفة الإسلام الأولين كالكندي والفارابي وبن سينا، وانتشرت بعد ذلك بانتشار المعارف والنظريات الموسيقية، ولقد غدت أرض المغرب والأندلس مرتعاً خصباً لترويج نظرية العلاقة بين الطبوع والطباع ".

عبقرية زرياب

ولد أبو الحسن علي بن نافع المعروف بزرياب في العراق عام 777، وكان تلميذاً لموسيقار بلاط هارون الرشيد إسحاق الموصلي الى أن أصبح بارعاً في أصول الموسيقى والغناء، طلب الخليفة من الموصلي إتيانه بمغن جديد فقدم له زرياب، أُبهر هارون الرشيد ببراعة ابي الحسن في الغناء وبثقافته الفنية الغزيرة ما اثار حقد معلمه حتى هدده بالاغتيال إن لم يرحل عن بغداد.

هاجر زرياب الى قرطبة بالأندلس في عام 822 بعد مروره ببعض المدن كالقيروان عاصمة الأغالبة لكن أميرهم زيادة الله الأول (816 -837) قام بطرده عندما غنى له شعراً لعنترة العبسي اعتبره الخليفة إهانة له، وعند وصوله الى قرطبة لقي زرياب ترحيباً من الخليفة عبد الرحمان الثاني الذي أُعجب بمستواه الفني الى ان جعله من حاشيته، عُرف عن زرياب الأناقة واللباقة وأثر بشكل كبير في حياة الأندلسيين إذ علمهم الكثير من جوانب فن العيش، وغيّر العديد من عاداتهم في اللباس والنظافة والأكل، حتى قيل انه أخرجهم من حياة البداوة الى الحضارة .

زرياب أول من أدخل الموسيقى الدنيوية الى أوروبا

وقام أبو الحسن بتأسيس أول مدرسة للموسيقى في الغرب الاسلامي بقرطبة في عام 825، وتورد بعض المصادر التاريخية ان المدرسة استقبلت بالإضافة الى العرب المسلمين طلبة من مختلف الدول الأوربية الذين عادوا الى بلدانهم متقنين أصول الموسيقى العربية وآلاتها، وهو ما اعتُبِر أساس الثورة الفنية الأوربية في عصر النهضة، كما يُعتبر زرياب أول من أدخل الموسيقى الدنيوية الى أوروبا التي كانت تعرف آنذاك بالموسيقى الدينية فقط وهي ما كان يعزف في الكنائس.

وقام زرياب ايضا بإدخال العديد من التعديلات على مجال الموسيقى بالأندلس وأضاف الوتر الخامس لآلة العود، وكان أول من أدخل تلك الآلة الى الأندلس حيث أصبحت الآلة الأساسية في غرب أوروبا الى ان اخترعت آلات اخرى كالبيانو في بداية القرن الثامن عشر، كما جعل  مضارب آلة العود من ريش النسور بدل الخشب، وأضاف مقامات موسيقية جديدة لم تكن معروفة في السابق، بالإضافة الى ابتكاره طريقة افتتاح الغناء بالأصوات بدل الأنغام الموسيقية، كما يُعتبر واضع الأسس الفنية التي أقيم عليها فن الموشحات، ظل زرياب يُطور المجال الموسيقي الى أن توفي بقرطبة في العام 845.

بالإضافة الى تأثير زرياب، يُرجع الدكتور الجيراري فضل تقنين وضبط  الموسيقى الأندلسية  لابن باجة إذ يقول "إن هذه الموسيقى، التي هي أشكال مختلفة ومتباينة، سوف يُهيَّأ لها في القرن الرابع وبصفة خاصة القرن الخامس الهجري من يضبطها، ومن يقنّنها، وهنا محطة أخرى في غاية الأهمية وهي المحطة التي يمثلها الفيلسوف الأديب الفنان الموسيقي بن باجة الذي سوف يقعد هذه الموسيقى، وسوف ينظر فيها مستفيداً مما كتبه الفارابي والكندي في المشرق، وسوف يعطي لهذه الموسيقى وللغناء في الأندلس، قالباً معيناً وإطاراً مضبوطاً، بل نظرياً كذلك".

دور الموريسكيين

 استقر الموريسكيون وهم مسلمون من عرق عربي أمازيغي أوروبي بمدن قشتالة، وبلنسية، وأراغون، وغرناطة، وعانوا لقرون من الاضطهاد والتقتيل منذ بداية ضعف الخلافة الاسلامية بالأندلس على إثر سقوط بعض المدن في يد الإسبان، وقاوموا موجات التنصير وعانوا من محاكم التفتيش، وهناك منهم من نُزِع منهم أبناؤهم قصّراً وتنصيرهم عبر تربيتهم في الكنيسة، وهاجر الموريسكيون من الأندلس عبر دفعات، في حين ظل بعض منهم هناك ممن تنصروا واندمجوا في المجتمع الإسباني.

قرار الطرد

وبعد سقوط غرناطة آخر معاقل الخلافة الاسلامية بالأندلس عام 1492 قرر الملك فيليب، تحت ضغط الكنيسة، إصدار قرار الطرد النهائي للموريسكيين من الأندلس في سبتمبر (أيلول) 1609 في ظل رفضهم كل محاولات التنصير، وتوجه معظمهم الى المغرب، بينما استقر بعضهم في بلدان أهمها الجزائر وتونس.

ونقل هؤلاء المهاجرون الى المجتمعات التي عاشوا فيها مختلف مناحي حضارتهم العلمية والاجتماعية والفنية، ومنها الموسيقى الأندلسية التي كانت في أوج تطورها، ويقول المؤرخ المغربي محمد بن عزوز "إن المغرب استقبل أكبر عدد من الموريسكيين المهجرين قسراً، فهو البلد العربي والإسلامي الذي توجد به أكبر نسبة من العائلات الموريسكية، وهناك مدن أندلسية حقيقية مثل تطوان وشفشاون".

مدارس الموسيقى الأندلسية

ظهرت ثلاث مدارس للموسيقى الأندلسية، وهي المدرسة الإشبيلية التي ازدهرت في ليبيا وفي تونس والتي تعرف باسم  "المالوف"، والمدرسة الغرناطية التي انتشرت في الجزائر، بالإضافة الى المدرسة البلنسية التي ازدهرت في المغرب إلى جانب المدرسة الغرناطية.  

المزيد من فنون