Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العنف يتسلل إلى الجزائر... من يصدر القرارات؟

استشف كثيرون في بيان الأمن إستراتيجية لخلق مناخ من الخوف لثني المواطنين عن المشاركة في المسيرات

اختارت السلطات الجزائرية استخدام العنف خلال الجمعة الثامنة، في التعاطي مع المسيرات الشعبية السلمية المطالبة برحيل رموز النظام، وكانت المؤشرات توحي بأن الأمور ستأخذ أبعاداً جديدة، بالنظر إلى الإجراءات الأمنية المتخذة والوجود الكثيف لقوات الأمن. وقد سبق مظاهر العنف، إصدار مديرية الأمن بياناً "يروّج" لفكرة وجود "أيادٍ أجنبية ومجموعات إرهابية تسعى إلى إخراج المسيرات السلمية عن طابعها السلمي".

الجمعة الثامنة على وقع المواجهات

انتهت مسيرات الجمعة الثامنة، على وقع القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه والتراشق بالحجارة وألسنة اللهب. وضع أعاد إلى إذهان الجزائريين مشاهد الدم والدمار التي عايشوها خلال سنوات التسعينيات مع الإرهاب. وعلى الرغم من خروج الشعب إلى الشوارع للمطالبة برحيل رموز النظام، استقبلت السلطات قوافل المتظاهرين بإجراءات أمنية مشددة وبوجود كثيف لقوات الشرطة، وبمحاولات منع الوصول إلى العاصمة والتجمهر في الأماكن الرمزية المعتادة. وهو ما اعتبرته الأطراف السياسية قراراتٍ دُبرت في ليل لإنهاء الحراك الشعبي والدخول في مرحلة الأمر الواقع، باستمرار النظام نفسه بعد التضحية بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

تنصيب عبد القادر بن صالح رئيساً للبلاد وفق المادة 102 من الدستور، صاحبه قمع لطلاب حاولوا تنظيم مسيرة لإعلان رفضهم الباءات الأربع، تبعه منع تجمع النقابيين، ثم إقامة حواجز على مداخل الجزائر العاصمة بشكل مدروس، لتعرف الجمعة الثامنة انزلاقاً خطيراً نحو العنف.

أمر دبر بليل

وأصدرت المديرية العامة للأمن قبل ساعات من انطلاق شرارة المواجهات بين المتظاهرين والشرطة، بياناً تتحدث فيه عن توقيفها أجانب وسط الحراك كانوا يخططون للعنف، وتفكيك جماعة إرهابية كانت تسعى إلى تنفيذ أعمال إرهابية بأسلحة استعملت ضد قوات الأمن في سنوات التسعينيات. وهو البيان الذي فسرته أطراف بأنه إستراتيجية جديدة لخلق مناخ من الخوف، ولثني أكبر عدد ممكن من المواطنين عن المشاركة في المسيرات، لإفشال الحراك الشعبي.

وأعلنت الشرطة الجزائرية عن اعتقال 180 شخصاً، وإصابة 83 من عناصرها بجروح، إثر المواجهات التي عرفتها شوارع وسط العاصمة، بين قواتها وشباب من المتظاهرين اعتدوا على عناصرها، وأطلقت قوات الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع عليهم لتفريقهم، وأكدت أن عدداً من المتظاهرين أصيبوا بجروح طفيفة من جراء تعرضهم للرشق بالحجارة، وبسبب التدافع واستنشاقهم الغاز المسيل للدموع، وأشارت إلى أنه تم خلال المواجهات إحراق إحدى سيارات الشرطة، كما جرى تحطيم سيارات أخرى.

إدانة سياسية وحقوقية... وتحذيرات

وأدانت جهات سياسية وحقوقية استخدام العنف لتفريق المتظاهرين في العاصمة، إذ نددت حركة مجتمع السلم، بالتعامل الاستفزازي ضد المتظاهرين الذين يطالبون بإحداث تغيير جذري في البلاد ورحيل جميع رموز الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وأبرزت في بيان لها أنها تثمن الرفض الشعبي الشامل للإجراءات الفوقية وفرض الباءات الأربع على الجزائريين، وتجاوز المادتين 7 و8 من الدستور، من خلال المسيرات الأضخم منذ 22 فبراير (شباط). وأدانت التعامل الاستفزازي ضد المتظاهرين، ومحاولة جر الحراك إلى دائرة العنف وإخراجه عن طابعه السلمي.

وأشار المحلل السياسي أحمد الوسامي، لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن الجمعة الثامنة كشفت عن بداية نهاية الحراك الشعبي، على اعتبار أن ما حدث سيثني الشعب عن الخروج في المسيرة المقبلة، وتابع أن استعمال العنف كان منتظراً بعد فشل مختلف الوسائل المتخذة، سواء إعلامياً أو ميدانياً، في توقيف الحراك الشعبي، بالإضافة إلى الإجراءات التي تم اتخاذها بداية من الخميس، بالتضييق على مداخل العاصمة واحتلال أماكن التجمع، محذراً من استغلال أطراف للتذمر الشعبي للتحريض على المواجهة والاصطدام.

واستنكرت رابطة حقوق الإنسان، الاشتباكات التي جرت الجمعة، قبل نهاية التظاهرات التي جرت في سلمية طيلة اليوم. واعتبرت ما حدث تجاوزاً خطيراً في حق متظاهرين كانوا في كامل السلمية والحضارية، وقالت إن الإفراط في استعمال الغازات وخراطيم المياه، غير مبرر تماماً، مهما حاولت السلطات توجيه الرأي العام إلى وجود جماعات إرهابية أو شيء من هذا.

من يدفع إلى العنف؟

واعتبر أحمد الوسامي أن الجهل بمصدر القرار يجعل الأمور تزداد تعقيداً، وهو الذي تعيشه الجزائر منذ استقالة الرئيس بوتفليقة، وواصل أن الغموض الذي تعيشه البلاد يؤكد أن الوضع يتجه نحو التأزم، بخاصة في ظل استمرار الوجوه السابقة ذاتها التي يتمسك الشعب بضرورة رحيلها، مبرزاً أنه من المرجح أن يكون قد تم عقد اتفاق بين أجنحة النظام ممثلة في محيط الرئيس بوتفليقة، والدولة العميقة، وقيادة الأركان.

ويطرح المتابعون عديد التساؤلات في شأن الجهة التي باتت تصدر الأوامر والقرارات في الجزائر، بعد استقالة الرئيس بوتفليقة، على اعتبار أن قائد الأركان أحمد قايد صالح الذي راهن عليه الشعب، تراجع عن وعوده بمرافقة الشعب في مطالبه، وبشكل خاص دعوته إلى تفعيل المادتين 7 و8 من الدستور التي تنص على أن الشعب هو مصدر السلطة، بالإضافة إلى توقف الحديث عن "العصابة" و"محيط الرئيس" و"المجموعة المشبوهة"، في شكل يشير إلى طيّ الملف أو هناك اتفاق بين مختلف أجنحة النظام.

المزيد من العالم العربي