Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان يرفع الدعم عن الوقود وتوقعات بتصاعد الأسعار

مصدر: قرار خاطئ لا علاقة له بالواقع الاقتصادي وآخر: حل جذري بحاجة لاستقرار سعر الصرف قبل تطبيقه

السودان يحدد سعر بيع الوقود للمستهلك وفقا للأسعار العالمية   (حسن حامد – اندبندنت عربية)

بدأت الحكومة الانتقالية في السودان، أمس الاثنين، رفع دعم الوقود وتوحيد أسعاره في أنحاء البلاد، على أن يُحدد سعر البيع للمستهلك وفقاً للأسعار العالمية، حيث أوكلت عمليات الاستيراد التي تمثل 40 في المئة من الاحتياج الكلي للاستهلاك إلى شركات القطاع الخاص.

وبحسب بيان صادر عن وزارة الطاقة والتعدين السودانية، فإن سعر لتر الجازولين يبلغ 112 جنيهاً سودانياً (0.43 دولار)، ونظيره من البنزين 121 جنيهاً سودانياً (0.46 دولار). وفيما تباينت آراء الاقتصاديين بشأن قرار رفع الدعم بين مؤيد ومعارض، فإنهم اتفقوا على تأثيره في تصاعد أسعار السلع بشكل كبير، ما يضاعف أعباء ومعاناة المواطن السوداني، خصوصاً أصحاب الدخل المحدود، الذين يمثلون الشريحة الأكبر لعدد السكان البالغ نحو 40 مليون نسمة، فضلاً عن عدم مناسبة توقيت القرار.

وفي هذا السياق يؤكد الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد السياسي حسن بشير، لـ"اندبندنت عربية"، أن "رفع الدعم عن الوقود قرار خاطئ تماماً، وكأن الحكومة تهرب إلى الأمام، وأصابها العمى بالنظر إلى آثار هذا القرار، لأنه يزيد الطين بلة، فهذه الحكومة لديها معتقدات تعرفها لوحدها، ويبدو أنها مؤمنة بها تماماً، بخاصة في مسألة سياسات رفع الدعم، وتطبيق شروط صندوق النقد الدولي، وأعتقد أن الصندوق نفسه إذا وضع في محل الحكومة السودانية لن يخطو هذه الخطوة برفع الدعم عن الوقود، لأنه قرار مستفز وخطر على حياة الناس، ويؤدي إلى زيادة معاناتهم التي وصلت إلى حدود صعبة للغاية،  بالتالي لا يمكن لأي حكومة رشيدة في ظل هذا الوضع الاقتصادي المتردي أن تتخذ مثل هذا القرار".

الرشد الاقتصادي

وتابع بشير، "بالتأكيد هناك آثار عديدة تترتب على هذا القرار، أهمها ارتفاع أسعار السلع بالزيادة نفسها، التي فرضت على الوقود وأكثر من ذلك، فبعدما بدأت الأسر السودانية، بخاصة ذات الدخل المحدود، توفق أوضاعها مع الأسعار جاء هذا القرار ليشعل الأسواق من جديد، إذ ستكون هناك موجة أسعار جديدة تطال جميع السلع والخدمات". لافتاً إلى أن الحكومة إذا كانت مدركة لعواقب رفع دعم الوقود لما كانت اتخذت هذا القرار، فما يحدث يمثل تخريباً متعمداً، وخلفه جهات تسعى لإحداث انفجار في البلاد لأن الحياة أصبحت لا تطاق".

وأضاف، "في الحقيقة لا أعرف هدف الحكومة من زيادة أسعار الوقود، وماذا تريد أن تفعل بالضبط، فالقرار خال تماماً من الرشد الاقتصادي، وليس فيه قراءة للواقع القائم، ولا حاجة له في هذا الوقت، كما أن الشروط الاقتصادية  لرفع الدعم غير موجودة في السودان، من ناحية دخل الفرد، والأسعار، والخدمات الحكومية، والتأمين الصحي، والضمان الاجتماعي، والقدرة على الادخار، وغيرها". مشدداً على أن الحكومة السودانية تتمادى في رفع المعاناة عن كاهل المواطن، بل إنها غير مستشعرة بهذه المعاناة التي فاقت الحدود".

إزالة التشوهات

ويقول الاقتصادي السوداني الزبير وراق، "في رأيي، إن قرار رفع الدعم عن الوقود صحيح مئة في المئة من الناحية الاقتصادية، لأنه يسهم في إزالة تشوهات كثيرة في البلاد، لكن المشكلة أن توقيت القرار ليس مناسباً، فكان يجب أن يتم اتخاذه بعد ترتيب واستقرار سعر الصرف، ففي هذه الحالة توفر الشركات العاملة في مجال استيراد الوقود حاجتها من العملات الأجنبية من السوق الموازية، لعدم توفرها في خزانة البنك السوداني المركزي، ما يزيد الضغط على الدولار، بالتالي تتصاعد أسعاره تباعاً لزيادة الطلب عليه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى وراق أن "المشكلة الحقيقية أن 95 في المئة من الكتلة النقدية للجنيه السوداني موجودة خارج القطاع المصرفي، وأن نسبة كبيرة منها يتم تداولها في مضاربات الدولار في السوق الموازية، لأن نسبة الزيادة في سعر الدولار عالية وتتم بشكل يومي، لكن الأخطر من ذلك إذا تمت زيادة سعر الدولار الجمركي، لأنه سيرفع أسعار كل السلع التي تستورد من الخارج، بالتالي قرار رفع دعم الوقود لن يؤدي إلى نتائج إيجابية بشكل ملحوظ. موضحاً أن خروج السودان من أزماته الاقتصادية يتمثل في العمل على تغيير عملة البلاد حتى يتم التحكم في الكتلة النقدية، بخاصة أن عملية الاستيراد ليست بالحجم الكبير مقارنة مع دخل المغتربين السودانيين في الخارج، وما يتم تصديره من ذهب، وثروة حيوانية، ومحاصيل مختلفة".

وأرجع توالي ارتفاع العملات الأجنبية في السوق الموازية إلى المضاربات الكبيرة التي تمارس في هذه السوق، فضلاً عن عدم السيطرة وضعف الرقابة والقصور الإداري من قبل الجهات ذات الاختصاص، فضلاً عن ذلك عدم المعرفة بواقع السوق السودانية، حيث تُتخذ قرارات مصيرية غير ملائمة مع ظروف وواقع البلاد، لكن قد تكون ناجعة في بلدان مستقرة اقتصادياً.

زيادة الإنتاج

في المقابل يشير مدير عام شركة البترول الوطنية السودانية (سودابت) المهندس أيمن أبو الجوخ، إلى أن "السودان ينتج من خلال مربعات عدة 60 ألف برميل من البترول يومياً، حيث يغطي إنتاج البنزين 65 في المئة من حاجة الاستهلاك، التي تصل إلى 4 آلاف طن يومياً، بينما يغطي إنتاج الجازولين 45 في المئة من حاجة الاستهلال اليومي البالغة 10 آلاف طن، في حين يغطي إنتاج الغاز 50 في المئة من كمية الاستهلاك الكلي للبلاد المحددة بـ1500 طن يومياً. مبيناً أن لديهم خطة لزيادة الإنتاج من البترول بإضافة 20 ألف برميل يومياً بنهاية عام 2021، إذا ما توفر التمويل المحلي اللازم والمتطلبات المطلوبة لهذا العمل، لكنه أكد أنه بالإمكان الوصول بالإنتاج إلى 95 ألف طن يومياً في حال دخول مستثمرين أجانب، وهو الأمر المتوقع، خصوصاً بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وتابع أبو الجوخ، "يملك السودان كميات كبيرة من البترول، حيث يقدر المخزون الأولي بنحو 5 مليارات برميل، يمكن أن ينتج 1.5 مليار برميل، وهو ما يتطلب دخول مستثمرين كبار باستخدام تكنولوجيا حديثة، كما تجرى في الوقت نفسه نقاشات مع المتخصصين في دولة جنوب السودان، لزيادة إنتاجها من البترول، ما يتيح توفير كميات إضافية من هذا الإنتاج مقابل النقل والعبور المحددة حالياً بـ28 ألف برميل يومياً".

ترقب نحو الأفضل

 يأتي قرار رفع الدعم عن الوقود في السودان في ظل ترقب السودانيين في مختلف قطاعاتهم، بحدوث انفراج كبير على صعيد حياتهم المعيشية والاقتصادية، نتيجة لشطب اسم البلاد من لائحة الدول الراعية للإرهاب، الذي صادق عليه الكونغرس الأميركي الاثنين الموافق 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بعد أن بلغت الحياة في البلاد تدهوراً مريعاً خلال الفترة الماضية، حيث يأملون في انخفاض أسعار الصرف للعملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني، وكذلك انخفاض أسعار السلع، ومن ثم استقرارها في الحد المعقول، الذي يتناسب مع معدلات الدخل. لكن جاء هذا القرار ليزيل توقعاتهم وآمالهم العريضة بأن الوضع سيتجه نحو الأفضل وليس الأسوأ.

وتأمل الحكومة السودانية أن يقود القرار الأميركي إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية، من خلال تدفق رؤوس الأموال إلى البلاد سواء من طريق استقطاب استثمارات وشراكات من دول وأفراد، خصوصاً أن البلاد تمتلك موارد طبيعية في مجالات مختلفة، أو بالحصول على قروض ومنح من مؤسسات التمويل الدولية ممثلة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، للمساعدة في وقف التدهور الاقتصادي والغلاء المعيشي في البلاد. في حين تترقب الحكومة الانتقالية أن يسهم قرار واشنطن بإلغاء ديون السودان الخارجية البالغة نحو 60 مليار دولار.

وظل السودان يعاني منذ أشهر طويلة شحاً في الوقود، بسبب قلة الموارد من العملات الأجنبية، وضعف الصادرات نتيجة لتراجع الإنتاج في المشاريع المختلفة، التي تأثرت بفترة الحظر الأميركي الذي استمر أكثر من عقدين، وذلك من ناحية عدم مواكبتها للتقنيات الحديثة وتوفر قطع غيار المعدات والآليات.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد