Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تدرس قوانين تنظيميّة عن "فيسبوك" و"انستاغرام" وتستهل صراعاً قد يؤثر على طريقة عيشنا

أخيراً توافق السياسيون وشركات التكنولوجيا على وجوب فعل شيء ما و سنرى الآن ما سيبدو عليه ذلك

ماذا يعني أن تفرض الحكومة قانوناً على شركة لها جمهور أكبر من سكان أي بلد؟ (وكالة "أ.ب.")

على مدار سنوات عدّة، كان هنالك أمر واحد تتفق عليه كلّ صناعة التكنولوجيا: التشريعات التنظيميّة آتية لا محالة. مؤخراً، أدرك هؤلاء أنّها ضرورة. ولكن، إذا كان من سؤال ينقسم بشأنه عمالقة التكنولوجيا والسياسيون والشعب أكثر من أيّ قضيّة أخرى، فهو الشكل الذي يجب أن تتّخذه تلك التشريعات التنظيميّة.

والآن، تعتبر الحكومة البريطانية أنّها وجدت الجواب، وتقدّم ربما أوّل محاولة شاملة للحدّ من الضرر الذي تلحقه شركات التكنولوجيا بالناس الذين يستخدمونها، خصوصاً الأطفال.

في جزءٍ كبير منه، يركّز الحلّ الذي اختارته الحكومة على تحميل مسؤولية المحتوى الذي يظهر على موقع إلكتروني ما، إلى الأشخاص الذين يديرونه. ويشكّل ذلك مقدّمة لفرض واجب قانوني بشأن الرعايةـ، يقضي بأن تحذف شركات التكنولوجيا المحتوى الضار مثلاً مع احتمال تعرّضها للعقاب إذا لم تفعل ذلك.

ويأتي الحلّ بعد سلسلة من الحالات المأساويّة التي بدا أنّ التكنولوجيا متورطة فيها، ما أدّى إلى مزيدٍ من الاهتمام بغياب التقدّم في التشريعات المنظّمة للتكنولوجيا التي تتحكم بالعالم. ومن أبرز تلك القصص المفجعة انتحار مولي راسل البالغة 14 عاماً من العمر، التي وُجِدَ أنها شاهدت مواداً على الانترنت تتصل بالكآبة وإيذاء النفس، وهي موادٌ متاحة بسهولة نسبيّة على المنصّات الإلكترونيّة.

أكثر ما يلفت الأنظار، كما يبتعد بشكلٍ كبير عن التوقعات، هو اقتراح الحكومة أنّها ستتبع طرقاً لتحميل المسؤولية لأعضاء الإدارة  العليا فرديّاً، عندما ترتكب الشركات التي يديرونها أخطاء. وفي أغلب الأوقات، كانت شركات التكنولوجيا غير شفافة في استجابتها على انتقادات من ذلك النوع، ومن شأن تحميل المسؤولية إلى أفراد فيها، أن يردعها عن التهرب صوب  المدى الهائل الذي تحوزه منتجاتها ومؤسّساتها والتقنيات التي تستند إليها.

غير أنّ هذه المقاربة اثبتت صعوبتها في السابق. عندما حاولت "اللجنة الرقميّة والثقافيّة والإعلاميّة والرياضيّة" عن الأخبار المزيّفة مساءلة مارك زوكربرغ، كان يرفض مراراً وتكراراً، حتى بعد أن تحالف عدد من الدول الأخرى مع أولئك السياسيين البريطانيين، ووسط تكهنات عن السجن في برج ساعة "بيغ بن" لرفض الامتثال لطلب اللجنة.

يوضح هذا الأمر بدقّة مدى صعوبة لفرض تشريعات تنظميّة على شركة تكنولوجية من قبل حكومة ما. إذ يملك "فيسبوك" جمهوراً يفوق تعداده أيّ بلدٍ في العالم، ومرونة مؤسّساتية تتيح له الانتقال إلى أيّ بلدٍ أيضاً، ممّا يمكّنه الإفلات من السياسيين في البلدان التي ليس له مقرّ فيها، فضلاً عن تهديده البلدان التي له مقرات فيها، باحتمال مغادرته لها.

كان يُعتقد تقليدياً أنّ المكان الأكثر سهولة لفرض قوانين تنظيميّة على شركات التكنولوجيا هو الولايات المتحدة، ويُحتمل أنها الطريقة الوحيدة لتكون تلك القوانين تأثيراً فاعلاً. ولكن، حتّى هذا الأمر تغيّر الآن مع تركيز دونالد ترمب على "غوغل"، وتقديم الطامحة بمنصب الرئاسة اليزابيت وارين مجموعة من  السياسات، بما فيها اقتراحات بوجوب تفكيك كبريات الشركات التكنولوجية. يدرك "فيسبوك" أنّ التشريعات التنظيميّة آتية، وقد انتقل في الشهور الأخيرة إلى الإقرار بحاجته إلى فعل كلّ ما بوسعه للتأثير على الشكل الذي ستتخذه التشريعات التنظيميّة، بدلاً من محاولة منعها من إبصار النور.

وسبق للقوانين التنظيميّة الأوروبيّة أن كانت فعّالة في ذلك. وفي العام الماضي، وضع الاتحاد الأوروبي "قانون حماية البيانات العامة" (اختصاراً "جي دي بي آر" GDPR) قيد التنفيذ، وهو مجموعة واسعة من القوانين التي تنظّم حماية البيانات ويُطبّق كل الشركات التي تخزّن بيانات المستخدمين الأوروبيين، مع فرض عقوبة بغرامات كبيرة على كل طرفٍ يرفض الامتثال له. يبقى اعتبار ذلك نجاحاً سؤالاً مفتوحاً على كافة الاحتمالات، لكن ما من شكّ في فعاليته مع شروع كلّ منظّمة في العالم بإجراء تغييراتٍ أساسية على كيفية تعاملها مع البيانات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا تزال أسئلة كثيرة متبقية حول المقترحات الجديدة للحكومة، تحديداً الكيفية التي ستعمل بها. ومع أنّ التقرير الحكومي يؤشر على نهاية جزء وافر من عمل وزارة الداخلية و"اللجنة الرقمية والثقافية والإعلامية والرياضية"، إلا أنه في الواقع مجرد رصاصة أولى في صراع سيستعر خلال سنوات بطرقٍ غير معروفة.

ثمة أسئلة عمليّة لا يزال متوجبّاً الإجابة عليها على غرار توجب نهوض الحكومة بإنشاء هيئة تنظيمية جديدة أو استخدامها هيئة موجودة مثل "مكتب  الإتّصالات" المعروف باسم "أوفكوم" (OfCom)، الذي تنيط به الحكومة معهمة الإشراف على البريد والاتصالات والبث في المملكة المتحدة. وهناك أسئلة أميل إلى كونها فلسفيّة أو سياسيّة، على غرار إذا كانت تلك القيود ستؤدّي إلى قمع حرية التعبير، وما الذي ستلحظه بشأن المسؤوليّة التي سيتحملها المستخدمون حتماً في ما يتعلق بالتدوينات التي ينشروها، والمواقع الشبكيّة التي يستخدموها.

ولعلّ أكثر المسائل إلحاحاً تقع بين هذين الخطين. ما الذي يعنيه بالنسبة للحكومة أن تضع تشريعات عن مواقع إلكترونيّة تضمّ مستخدمين يتخطّى عددهم مواطنيها بشكلٍ كبير؟ هل ممكن فعلاً للتشريع في بلدٍ واحد أن يكبح الشركات التي تربط العالم بأسره؟

مهما تكن الإجابات على تلك الأسئلة، فمن المشروع طرحها، وسيتوجب علينا بذل كل ما في وسعنا للإجابة عليها. ترزح الحكومات تحت ضغوطات متزايدة لفرض قوانين تنظيميّة على شركات التكنولوجيا، وتضطلع هذه الأخيرة بدورٍ أكبر وأكثر ضخامة في حياتنا؛ إنّ ذلك النوع من التشريعات لا يقلّ أهمية عن الأشياء الأساسيّة في كيفيّة عيشنا لحياتنا.

على مرّ سنوات، جرى الاتفاق على وجوب فعل شيء ما بشأن شركات التكنولوجيا، لكن ليس على ماهو ذلك الشيء. والآن، تتقدم الحكومة بحجة عما يتوجّب فعله، لكننا لا نزال نجهل ماذا سيكون عليه فعليّاً.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من علوم