Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سينما ونستون تشرشل في شريط تلفزيوني يعبق بالمفاجآت

أسد السياسة البريطانية استخدم السينما لإدخال الأميركيين الحرب

الزعيم السياسي البريطاني ونستون تشرشل  (أ ف ب)

لا يمكن للزعيم السياسي البريطاني ونستون تشرشل أن يشكو ما قد يعتبره "تقصير السينما" في حقه. فالواقع يقول لنا إن هوليوود والسينما البريطانية حققتا عنه وعن بعض اللحظات الأكثر خطورة وحسماً في حياته، السياسية خاصة، عدداً من الأفلام يفوق ما حقق عن أي زعيم آخر من زعماء القرن العشرين. وكان آخرها قبل سنوات قليلة حين كان ثمة إجماع حول فيلم تتبع دهاءه السياسي ومواقفه الحاسمة خلال الحرب العالمية الثانية، حيث ظهر تحت ملامح الممثل المدهش غاري أولدمان. بيد أن السينما الروائية لم تكن وحدها من بين ضروب عالم الإبداع المحتفية بتشرشل، حيث ينبغي ألا ننسى هنا جائزة نوبل الأدبية التي أعطيت له، عن غير حق، كما سيقول كثيرون، أواسط خمسينيات القرن الماضي مقابل كتابته مذكرات اعتبرت عملاً أدبياً كبيراً.

السياسي ولغة الإبداع

من هنا كان بين تشرشل والإبداع بشكل دائم علاقة وطيدة حتى وإن لم يكن له هو يد في بنائها، غير أن جانباً آخر من جوانب علاقة تشرشل بالفن يمكن لمتتبعي التلفزة الفرنسية تلمسه هذا المساء تحديداً إن قيض لهم أن يتابعوا محطة "إيستوار تي في"، حيث تبث هذه المحطة فيلماً وثائقياً عنوانه "حين كان تشرشل يصنع سينماه". ففي هذا الفيلم، وعلى مدى ساعة كاملة من الزمن نجدنا أمام صورة أخرى ومفاجئة تماماً لعلاقة أسد السياسة البريطانية العجوز بالفن السابع.

هنا في هذا الشريط البريطاني المشغول بعناية فائقة سنكتشف أول ما نكتشف أن علاقة تشرشل بالسينما تتجه ناحيتين؛ ناحية "الميزانسين" الدقيق الذي اعتاد أن يشتغل عليه في لقاءاته وإطلالاته، والمستقى بالتأكيد من مراقبته الدقيقة للأداء التمثيلي لكبار الممثلين الذين كان معجباً بهم ويتعلم منهم كيفية ممارسة السحر على الآخرين من جهة، ومن جهة أخرى مختلفة عن تلك تماماً، كيف أن تشرشل غاص ذات حقبة من حياته في العمل السينمائي نفسه. ولئن كان في مقدور أي متتبع لمسيرته وصوره والأفلام الوثائقية التي صورت له طوال حياته، حيث نجده، وبحسب ما يقول لنا الشريط التلفزيوني متأرجحاً بين باستر كيتون وأوليفر هاردي (والاثنان طبعاً من عمالقة السينما الكوميدية الصامتة في هوليوود)، في مقدوره ألا يستغرب تركيزه على إطلالاته، وجعلها ذات بعد سينمائي، إلا أن الجانب الآخر من علاقة "بطل الحرب العالمية الثانية" بالسينما، جانب العمل المباشر فيها، هو ما يشكل تلك المفاجأة التي يحملها الفيلم.

في قلب النشاط الإنتاجي

هنا موضوع الفيلم الأساسي الذي يُروَى لنا بالتحديد من خلال علاقة تشرشل بالمنتج والمخرج السينمائي ألكسندر كوردا الذي كان واحداً من أنشط العاملين في المجال السينمائي خلال السنوات الفاصلة بين أواسط الثلاثينيات والحرب العالمية الثانية. والحقيقة أن تشرشل وقبل أن يرتبط بعلاقة العمل السينمائي التي يكشف عنها الفيلم، كان قد ارتبط مع كوردا بصداقة عميقة أوصلته إلى أن يسهم في حصول كوردا على الجنسية البريطانية دامجاً إياه في العمل السينمائي في بلاد صاحبة الجلالة إلى درجة جعلت منه سيد السينما البريطانية بلا منازع خلال تلك المرحلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعرف عالم السينما وتاريخها أن كوردا كان في الأصل مواطناً مجرياً هرب من وطنه ليطوف أول الأمر مغامراً آفاق خوض الإنتاج والإخراج السينمائيين كلما قيض له ذلك بين باريس وهوليوود، ولكن من دون أن يحقق في الحالين نجاحاً يذكر. ثم لاحقاً حين حط للمرة الثانية خلال تطوافه، في لندن، جمعته الصدفة بتشرشل قبل أن يصبح الأخير رئيساً لحكومة إنجلترا. وكان ذلك خلال السنوات التي كان كوردا قد بدأ يحقق فيها النجاح من خلال أفلام مثل "رمبراندت"، و"هنري الثامن"، والاثنان من بطولة تشارلز لوتون الذي كان تشرشل بالغ الإعجاب به. ومن هنا كان اللقاء حتمياً بين السياسي الصاعد والمنتج الكبير الذي حول اللقاء إلى صداقة والصداقة إلى تعاون مشترك، ذلك أن كوردا سرعان ما اكتشف، إلى جانب اهتمام تشرشل الكبير بالسينما، عمق وسعة معارفه التاريخية والسياسية وعظيم اهتمامه بالشخصيات الكبرى في التاريخ. ومن هنا سرعان ما أقنعه بأن يتعاون معه كمستشار للشؤون التاريخية والسياسية في أفلامه.

 

 

لا بأس ببعض المال

لم يكن تشرشل في حاجة لأن تبذل جهود كبيرة كي يقتنع، فهو يحب السينما، ويحب التاريخ، ويهتم كثيراً بشخصيات الماضي الكبيرة، ثم لا بأس في أن توفر له تلك المهنة "اللذيذة"، حسب وصفه، بعض المال الذي ينفقه على شراء الكتب وبذلات القطع الثلاث من عند سافيل رو، وعلب السيجار الفخمة، وهو قد بدا من ناحيته الرجل المناسب في المكان المناسب، غير أن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد كما يفيدنا الفيلم.

فمع مرور السنين واستشراء الخطر النازي وبداية هيمنة هتلر وجنوده على أوروبا، وفي الوقت الذي أحاقت فيه الهزيمة بفرنسا، واحتلت قوات هتلر مساحات شاسعة من الأراضي السوفياتية، رأى الرجلان، تشرشل وكوردا معاً، أن في إمكان السينما أن تلعب دوراً حاسماً في إقناع الولايات المتحدة بدخول الحرب. ففي ذلك الحين بدا من الواضح لكل ذي عين بصيرة أن هتلر سيستولي على أجزاء كبيرة من العالم إن ظلت الولايات المتحدة خارج الحرب. وكانت القوى المنادية بعدم التدخل الأميركي قوية وفاعلة تعمل في كل الاتجاهات، وفي الأوساط كافة. وهكذا طرح تشرشل وكوردا على نفسيهما السؤال المحوري: ما العمل؟ وكان من الواضح أن "العمل" بالنسبة إليهما لا بد أن يكون سينمائياً. فغير بعيد من إنجلترا كان الدرس ماثلاً على صورة تعاضد قام بين "الفوهرر" وسينمائيته المفضلة ليني ريفشتهال، التي حققت عديداً من أفلام لعبت دوراً كبيراً في تجييش الشعب الألماني من حول نازييه. وهكذا تساءل الثنائي اللندني: لم لا نتعلم هذا الدرس؟ وهكذا وجد تشرشل طريقة لدعم مشاريع "وطنية" سينمائية عديدة لكوردا على شكل أفلام كانت مهمتها أول الأمر أن تكشف عن أخطار النازية وضرورة النضال ضدها. وبالفعل تم في هذا السياق تحقيق أفلام عدة أشرطة نالت حظها من النجاح، ولعبت دورها بقوة، مثل "الآرمادا التي لا تقهر"، و"أربع ريشات بيض"، وغيرهما. وهنا إذ تحققت خطوة أولى على طريق جعل السينما، تحت عهدة تشرشل، وبإشرافه ودعمه التام، تلعب دوراً كبير الأهمية في الحرب، وكانت لا تزال في الانتظار الناحية الثانية والأكثر أهمية: إثارة الحماس الأميركي لإنقاذ العالم.

عبارات حاسمة

طبعاً سيكون من المغالاة القول هنا، إن الفيلم، الذي حققه ألكسندر كوردا بحض من تشرشل، وربما انطلاقاً من فكرة ابتدعها الأخير، لعب الدور الكبير في إدخال أميركا الحرب، فهناك مجزرة بيرل هاربور، والضغوط الهائلة التي مارستها "اللوبيات" الديمقراطية وتلك المعادية للنازية داخل أميركا نفسها، كما أن هناك أيضاً الرئيس الأميركي روزفلت نفسه. ومع هذا يجدر بنا، وبحسب الشريط التلفزيوني المعروض الليلة على التلفزة الفرنسية، ألا نستهين بالدور الذي لعبه في ذلك الحين الفيلم الذي أنتجه كوردا تحت إشراف تشرشل، بعنوان "ليدي هاملتون" عام 1941. وبشكل أكثر تحديداً العبارة التي ينطق بها ذات لحظة مفصلية من لحظات الفيلم الأميرال نيلسون قائلاً "إنه لمن المستحيل عقد أي سلام مع الديكتاتور". كان من المفروض أن الديكتاتور المعني في الفيلم هو نابليون بونابرت، ولكن كان من الواضح أن المعني بين السطور هو الديكتاتور النازي. ومن الواضح أيضاً أن تشرشل كان هو من مرر العبارة في الفيلم كي تصل إلى مسامع الأميركيين والسلطات الأميركية نفسها. ويفيدنا الشريط بأنها وصلت بالفعل وتماماً كما صاغها تشرشل راغباً منها مع عبارات كثيرة مماثلة في الفيلم نفسه، أن تكون سلاحاً فعالاً في وجه كثير من النازيين الأميركيين أمثال الطيار الشهير لندبرغ من الذين لم يكونوا يرون أي ضير في استيلاء هتلر على العالم. وكانت بالفعل سلاحاً فعالاً كما يجدر بالسينما أن تكون.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة