Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أنا كنت شرطيا وعلمني الإغلاق الحاجة الماسة للمزيد من أمثالي في بريطانيا

سببت الأوامر الأولية بملازمة المنازل هبوطاً غير متوقع في معدل الجريمة لكن لم يدم ذلك طويلاً بالطبع وسرعان ما كنت أدعو كي يلتحق بنا المجندون الموعودون الجدد

تعاني الشرطة من نقص في أفرادها بسبب سياسة التقشف الحكومية منذ 2010 (غيتي)

كانت أكثر نتائج الإغلاق الأول في المملكة المتحدة إثارة للانتباه بالنسبة إلى فريقي من عناصر الشرطة هي تراجع نسب الجريمة. وبدا المجرمون وكأنهم كانوا يكنون الاحترام بشكل يثير الدهشة للأوامر الصادرة عن بوريس جونسون بملازمة المنزل، فيما وجد أولئك الذين ظلوا يجوبون الشوارع أنهم قد رُدعوا بفضل إشعارات عقوبة كوفيد-19 الثابتة الجديدة التي فرضناها.

وانتهت الثرثرة شبه المستمرة لأجهزة اللاسلكي الخاصة بنا على غير عادتها، فخيم الصمت المطبق لفترات طويلة من الوقت، ودفعنا إلى البدء في التحقق مما إذا كانت بطاريات أجهزة اللاسلكي قد نفدت.

بالطبع لم يدم ذلك طويلاً، إذ استعاد المجرمون جرأتهم من جديد، وأخذت أصوات "المرسلين" (المسؤولون عن تنظيم حركة الآليات وعمليات الاستجابة الشرطية) تتردد مرة أخرى في سيارات دورياتنا.

لم يُنتج الضغط الناجم عن العيش على مقربة من بعضنا بعضاً زيادة ملحوظة فقط في عمليات البحث عن الإجراءات التي يجب على الراغبين في الطلاق اتباعها، بل أدى أيضاً بشكل مأساوي إلى قفزة حادة في حالات العنف المنزلي في المنطقة التي كنت من المسؤولين عن توفير الخدمات الشُرطية لسكانها. ومع ذلك فإن الفترة القصيرة والهانئة التي قضيناها في مركز عملنا، نحاول التعويض عما فاتنا إنجازه من الأعمال المكتبية وإحراز تقدم في تحقيقات متوقفة لاتزال بانتظار الحسم، قد ذكرتنا بحقيقة أن طواقم الشرطة كانت ومازالت تعاني من نقص حاد في الكوادر.

هذه قضية تتكرر على الدوام إلى درجة الابتذال بالنسبة إلى البعض.  وفي الواقع، كانت هذه تمثل واحداً من الموضوعات التي أثارها أفراد المجتمع ممن حاولوا إجراء محادثات قصيرة مع دورياتنا. وفي سياق تواصلهم هذا، أشار هؤلاء بابتسامات توحي بالتعاطف معنا إشارات غامضة إلى الـ 20 ألف شرطي الجدد الذين كان (رئيس الوزراء) جونسون قد وعد بتوظيفهم، وهي محاولة من جانبه استقطبت كثيراً من التدقيق والتمحيص من قبل المسؤولين عن قوى الشرطة.

 على الرغم من ذلك، فإن الحقائق العملية للنتائج الناجمة من هذا النقص، لا تقبل النقاش لجهة وضوحها. هكذا فإن عناصر شرطة  منطقة تايمز فالي Thames Valley Police، وهي القوة التي خدمت فيها، لا يستجيبون للبلاغات عن الحوادث فحسب، بل يجرون تحقيقات بشأن الجرائم الكبيرة والمتكررة، مثل السرقة والاعتداءات البسيطة. وبوصفه "شرطي مكلف حالة" Officer in Case ما، فإن الشرطي النظامي يتولى تنفيذ كل واحدة من خطوات التحقيق الذي أُسند إليه.

لم أكد أقضي ستة أشهر في التدريب حتى صرت "شرطياً مكلفاً حالة" Officer in Case في ما يزيد على 20 تحقيقاً في الوقت نفسه. وهذا يعني الاهتمام بـ20  مجموعة من المشتبه فيهم، و20 مجموعة أخرى من الضحايا. وغالباً ما يلف الغموض أعباء العمل الذي يقصم الظهر، إذ إن وقت الشرطي يبقى موزعاً بين الدوام وفق نظام الورديات وتلبية المتطلبات التشغيلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وباعتبار أن من المتوقع حالياً أن يحرز الشرطيون تقدماً في تحقيقاتهم بينما يسهمون في الاستجابة للحوادث، ليس من الغريب أن ينتهي الأمر بمعظم الحالات إلى التصنيف في خانة القضايا التي لم تجد حلاً. وفيما يجهد الرقباء لتحديد "أيام الأعمال المكتبية" يمكنهم خلالها التعويض من المكتب، عما فات من وقت العمل على هذه الأوراق، فإنهم يواجهون التحديات نفسها التي يتعرض لها عناصر الشرطة العاملين تحت إمرتهم. وفي عديد من "أيام الأعمال المكتبية" الخاصة بي، جرى إرسالي لتقديم الدعم لوحدات أخرى، ما أدى بي إلى إنهاء فترة دوامي وأنا أحمل أعباء عمل أكبر من تلك التي بدأت بها الفترة.

في هذا السياق، من الواضح أن منحنى التعلم الحاد الناجم من النقص في عدد عناصر الشرطة، يؤدي إلى جعل المسؤولية الشخصية التي يتحملها الشرطي  مذهلة حقاً. ففي غضون أشهر قليلة من العمل، كُلفت مهمة إبلاغ زوجين متقدمين في السن بوفاة حفيدهما منتحراً. وفي الطريق إلى هذين الزوجين، كنت أصارع لتذكر الإجراء المتبع في حالة كهذه، الذي تعلمناه في ساعة أو ساعتين ضمن دورة تدريبية استغرقت 13 أسبوعاً. من المفترض بك كشرطي أن تخبر أقرب المقربين للشخص المعني بوضوح تام بأنه قد توفي، من دون أن تترك أي مجال للآمال الكاذبة بأنه قد يعيش. بيد أن المعرفة السطحية التي تكتسبها في ساعات قليلة في غرفة الصف لا تكفي لإعدادك بصورة جيدة كي تأتي إلى شخص ما لتغير حياته إلى الأبد بهذه الطريقة المروعة.

جرت العادة أن تُدرّس هذه التفاصيل الدقيقة التي ينطوي عليها عمل الشرطي، على امتداد سنة كاملة. أما الآن، فإن العناصر الجديدة باتت تتعلمها في دورة تستغرق فترة تافهة هي مجرد 13 أسبوعاً، وقد تم تقليص هذه المدة بمرور الوقت مع تضاؤل أعداد العناصر. وترتكز هذه الدورة بشكل كبير على التوضيحات اللاحقة التي يقدمها مدرسون يتمتعون بالخبرة، للعناصر الجديدة حال وصولهم إلى مراكز عملهم. مع ذلك، فإن ضغوط العمل التي ينوء الشرطيون بحملها وتكاد تقصم ظهورهم، تؤدي إلى تقويض عملية التدريب هذه برمتها. ويجري إرسال عناصر الشرطة بصورة منتظمة لتغطية عمل مراكز شرطة في مناطق مجاورة تعاني من نقص في الكوادر، وغالباً ما يتم إشعار هؤلاء العناصر بمهامهم الجديدة تلك في غضون 24 ساعة من موعد التحاقهم بالمراكز الأخرى، ما يؤدي إلى الإبقاء على عدد من الشرطيين بالكاد يكفي فرقهم الأصلية.

كان عددنا في بعض فترات المناوبة لايزيد على 10 عناصر شرطة. وأُلحق الشرطيون الجدد، الذين لم يكملوا بعد دورات قيادة المركبات الخاصة بأعمال الاستجابة، بشركاء من الشرطيين المؤهلين لقيادتها. وأدى ذلك أحياناً إلى تحميل مجرد ست أو سبع سيارات شرطة أعباء الاستجابة للأحداث كافة في منطقة تبلغ مساحتها عدة أميال تشتمل على بلدات وأرياف، وذلك لفترة تبلغ 10 ساعات. لا عجب إذاً في أن الضغوط التي تتمخض عنها هذه المسؤوليات الجسام قد تسببت في معاناة عديد من الشرطيين العاملين من مرض "اضطراب قلق ما بعد الصدمة".

على الرغم من الضغوط المتزايدة، فإن قرابة ثلث الخارجين (27 في المئة) من قوى الشرطة في إنجلترا وويلز بين 2004 و2015، تركوا العمل بموجب استقالات طوعية. وعلى الرغم من أنني لم أعد شرطياً منذ بعض الوقت، فإنني أفتقد بشدة الصداقة المتينة بين عناصر الشرطة الذين يكافحون جميعاً في الأوضاع الصعبة ذاتها. وبالنسبة إلى أولئك الذين لايزالون في الخدمة، فإنهم ينتظرون وصول الـ20 ألف شرطي الجدد، اليوم قبل الغد.

(جوشوا هوفت كاتب وشرطي سابق يعيش في المملكة المتحدة)

© The Independent

المزيد من آراء