Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل سيواجه بايدن فوضى السباق الفضائي؟

عدد الأقمار الصناعية سيتضاعف 10 مرات خلال عقد والتسلح يتزايد

الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن (غيتي)

​لم يكن الفضاء الخارجي أكثر أهمية للولايات المتحدة والبشرية جميعاً مما هو عليه الآن، ذلك أن عمليات الأمن والدفاع والتبادل التجاري والنمو الاقتصادي تعتمد بشكل أساسي على الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية. كما يعتمد الناس حول العالم على هذه النظم في تحويل الأموال وتحديد مواقعهم والتواصل مع الأصدقاء وغيرها من الأهداف اليومية.

لكن جميع هذه الفوائد العظيمة للإنسانية مُعرضة للخطر بسبب ازدحام الفضاء وزيادة حدة الصراع فيه. فهل حان الوقت لتنظيمه مع وصول جو بايدن إلى رئاسة أقوى دولة في العالم وأكثرها نفوذاً؟ وإلى أي مدى يمكن للتعددية الدولية التي اتخذها الرئيس الأميركي الجديد عنواناً لسياسته أن تكون فعالة في ضبط الفوضى المجنونة في الفضاء قبل أن يتحول إلى غابة متوحشة تهدد مستقبل البشرية؟

التحدي الأكبر

ينصب كل اهتمام بايدن بعد توليه سُدة الحكم في البيت الأبيض على المشكلات الداخلية والخارجية فوق سطح الأرض، من المناخ والبيئة إلى التنمية المستدامة، ومن إنهاء الحروب والتعاون الدولي إلى مواجهة الجريمة بأنواعها العابرة للحدود. لكن على قدر أهمية هذه القضايا للولايات المتحدة والعالم، إلا أن ما يجري في فضاء الكوكب الأرضي قد يكون في نهاية المطاف أحد أكبر التحديات التي تواجهها سياسته الخارجية.

وبينما سعت الولايات المتحدة على مدى عقود إلى الحفاظ على الفضاء الخارجي كمجال مفتوح ومستقر ملتزم بقواعد عمل واضحة، فإن هذه الرؤية القائمة على التعاون تتعرض لضغوط عنيفة الآن بسبب ارتياد دول جديدة للفضاء واقتحام شركات تجارية خاصة عالم الاستثمار الفضائي بشكل متزايد ومقلق، فضلاً عن ارتفاع وتيرة سباق التسلح، ما جعل المؤسسات الدولية القديمة غير عابئة وغير قادرة على تنظيم وضبط هذه الفوضى الفضائية العارمة التي أصبحت تهدد حياة البشر ورفاهيتهم. 

سد الفجوات 

ولأن بايدن اتخذ محوراً لسياسته الخارجية عنوانه العودة إلى التعددية الدولية والمفاوضات متعددة الأطراف، تتصاعد المطالبات داخل الولايات المتحدة وخارجها بضرورة سد الفجوات الصارخة في إدارة الفضاء الخارجي عبر التعاون بين دول العالم، فمن دون اتفاق شامل على مبادئ وأعراف وقواعد السلوك المسؤول في الفضاء، فإن الوضع سينتهي في الأجل القريب إلى ما يشبه الغرب المتوحش في الماضي.

وعلى الرغم من أن أميركا لا تزال هي القوة الضاربة في الفضاء الخارجي، إلا أن 30 دولة أخرى ارتادته مؤخراً، حتى وصل عدد تلك التي تُشغِّل أقماراً صناعية في الفضاء إلى 84 دولة. 

وأصبحت جميع الدول تقريباً تعتمد بشكل هائل وفي مجالات عديدة على الأقمار الصناعية التي تشكل جزءاً حيوياً من بنيتها التحتية وشبكات اتصالاتها ونظم الملاحة والخدمات الأخرى. 

من دون قواعد

ودخلت شركات القطاع الخاص سباق التنافس الفضائي بقوة خلال السنوات الأخيرة، وبلغ عدد الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض 3200 قمر صناعي، لكن هذا العدد سيتضاعف 10 مرات خلال عقد واحد مع إرسال شركات خاصة عديدة مثل "سبيس إكس" الأميركية تشكيلات ومجموعات ضخمة من الأقمار الصناعية إلى الفضاء. كما ستقوم الشركات بعمليات تعدين على سطح الكويكبات الفضائية وسطح القمر، وهي عمليات تجري بكثافة من دون أي قواعد ناظمة.

ومع هذا التسابق الدولي والخاص، يستمر الحطام الفضائي في التراكم، مما يشكل مخاطر متزايدة على حركة المرور في المدارات. وعلى سبيل المثال، تتعقب الولايات المتحدة حالياً ما لا يقل عن 25000 قطعة من الحطام الفضائي يزيد قطر كل واحدة منها عن 10 سنتيمترات، ويمكن لأي منها تدمير قمر صناعي. كما يمكن أن تتسبب 900 ألف قطعة أخرى من الحطام الفضائي التي لا تخضع للتعقب، ويتراوح طولها بين 1 و10 سنتيمترات، في إحداث أضرار شديدة بأي من هذه الأقمار الصناعية. 

تسلح فضائي

لكن ما يثير قلقاً أكبر هو أن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة على الأرض تزيد من حدة سباق التسلح في الفضاء، ما يضع الولايات المتحدة وحلفائها في مواجهة الصين وروسيا. 

ومع تزايد اعتماد كل طرف على قدراته وإمكاناته الفضائية، وارتفاع حالة عدم الثقة المتبادلة، يتصاعد الحافز والرغبة لتطوير ونشر أسلحة أكثر تطوراً في الفضاء وأسلحة مضادة في الوقت نفسه، بخاصة أن انتشار التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج مثل الصواريخ تجعل الحسابات الخاطئة ممكنة وتزيد من احتمالات التصعيد.

فشل أممي 

كافحت الأمم المتحدة ومؤسساتها الحالية متعددة الأطراف، مثل لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية ومؤتمر نزع السلاح التابع لها، من أجل تبني أطر ناظمة للتكيف مع التغيرات، كما أن معاهدة الفضاء الخارجي تعود إلى أكثر من نصف قرن. وفي حين أن اتفاقية عام 1967 تحتوي على أحكام وفقرات مهمة ومفيدة، بما في ذلك حظر مطالبات السيادة في الفضاء ونشر الأسلحة النووية، إلا أنها تفتقر إلى آلية لتسوية النزاعات، وتلتزم الصمت بشأن الحطام الفضائي واصطدام المركبات والأقمار الصناعية، ولا تشمل أي أحكام أو فقرات لتنظيم التشكيلات المترابطة من الأقمار الصناعية أو أي شيء يتعلق بعمليات التعدين فوق أسطح الكويكبات.

تعثُر متواصل 

أما أكثر ما يثير القلق فهو أن الاتفاقية لا تفعل سوى القليل من أجل الحيلولة دون عسكرة الفضاء، كما أن اتفاقية القمر التي تمت المصادقة عليها عام 1979 بهدف تنظيم الأنشطة فوق سطحه، لم توقع عليها سوى 18 دولة، ليس من بينها أي قوى فضائية كبرى.

وعلاوة على ذلك، فإن الأطر الأخرى متعددة الأطراف لا زالت تتعثر، حيث فشلت هيئة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة في وضع آلية قانونية دولية لمنع سباق التسلح في الفضاء بعد أربعة عقود من المداولات. أما المحاولة الأخيرة التي اقترحتها الصين وروسيا وهي مشروع معاهدة معيبة لحظر نشر أسلحة في الفضاء الخارجي، فقد انهارت عام 2019 بعدما فشلت في معالجة التحديات الخاصة بالتحقق وتجاهلت التهديد الذي تمثله الأسلحة الأرضية المضادة للأقمار الصناعية.

ولم تكن الأطر متعددة الأطراف غير الرسمية أفضل بكثير عن الأطر الرسمية، فقد انهارت مدونة السلوك الدولية المقترحة لأنشطة الفضاء الخارجي، التي اقترحتها دول الاتحاد الأوروبي عام 2015 بسبب عدم كفاية الدعم من الدول الجديدة التي ترتاد الفضاء.

الحاجة إلى قيادة أميركية 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى خبراء أمنيون وباحثون أميركيون أن قيادة واشنطن ضرورية لإصلاح هذا الوضع وتعزيز الأمن في الفضاء الخارجي. لكن لكي تكون الولايات المتحدة ذات مصداقية، سوف يحتاج بايدن إلى التنصل من خطاب سلفه دونالد ترمب الذي طالب في يونيو (حزيران) 2018 بهيمنة أميركية في الفضاء، وليس مجرد وجود فحسب.

ويحذر ستيوارد باتريك، مؤلف كتاب "حروب السيادة: تصالح أميركا مع العالم"، من خطر إشارة مسؤولي البنتاغون باستمرار إلى الفضاء الخارجي على أنه مجال قتال عسكري ويصفون القمر بأنه الأراضي المرتفعة، في إشارة إلى أهميته الاستراتيجية. ويدعو الرئيس المنتخب إلى صياغة معايير وقواعد جديدة للأمن الجماعي من أجل إدارة المخاطر المشتركة وتعزيز الأهداف المشتركة لجميع الدول المحبة للسلام، وصياغة أهداف أميركية بصبغة عالمية.

اتفاقيات "أرتميس"

في الوقت نفسه، يطالب باحثون بايدن باستكمال البناء على اتفاقيات "أرتميس"، وهي مبادرات دولية واعدة أطلقها الرئيس ترمب، تؤكد فيها الولايات المتحدة وكل الدول الموقعة على المبادئ القانونية الراسخة لإدارة الفضاء الخارجي.

ويقترح برنامج "أرتميس"، إعادة البشر إلى القمر بحلول عام 2024، كمقدمة لإرسال رواد فضاء إلى المريخ، وقد صاغت إدارة ترمب هذه المبادرة كمشروع تعاوني مفتوح للدول الأخرى، على افتراض أن القوى العالمية ذات القدرات الفضائية لديها مسؤوليات مشتركة.

ووفقاً لما كشفت عنه وكالة "ناسا" الأميركية في مايو (أيار) الماضي حول هذه الاتفاقيات، فإن الموقعين ينبغي عليهم الالتزام بالعديد من أشكال التعاون في الفضاء، بما في ذلك السعي إلى تحقيق الأغراض السلمية فقط، وتقديم المساعدة في حالات الطوارئ وتبادل البيانات العلمية وتجنب الأنشطة التي قد تتداخل مع العمليات التي تجري على القمر من الدول الأخرى الموقعة، واحترام المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الحطام الفضائي.

ويدعو الباحث القانوني ديفيد فيدلر الولايات المتحدة إلى استخدام نفوذها لتوطيد أساس قانوني دولي للمرحلة التالية من استكشاف الفضاء الخارجي، بحيث تؤيد إدارة بايدن القادمة هذا الإطار وتسعى إلى جذب قوى فضائية ناشئة مثل الهند والبرازيل إليه.

دور أممي متجدد 

كما يطالب آخرون بتجديد دور المنظمة الدولية بدعم من إدارة بايدن الجديدة، ويشيرون في ذلك إلى مساعدة المملكة المتحدة مؤخراً في صياغة قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الحد من تهديدات الفضاء، ووجهت الأمين العام للأمم المتحدة إلى طلب مساهمات من الحكومات بشأن ما يشكل سلوكاً مسؤولاً أو غير مسؤول في الفضاء الخارجي، ثم تقديم تقرير إلى الدول الأعضاء مع توصيات بحلول سبتمبر (أيلول) 2021. 

ويعتقد باحثون وقانونيون بضرورة أن تعزز إدارة بايدن الإلتزام العالمي بـ21 من المبادئ التوجيهية الطوعية التي اعتمدتها لجنة الأمم المتحدة المعنية بالاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي العام الماضي، بهدف تعزيز الاستدامة طويلة الأجل في الفضاء. كما يجب على الولايات المتحدة أيضاً الضغط من أجل مواءمة اللوائح لضمان معاملة الشركات التجارية الخاصة العاملة في الفضاء على قدم المساواة مع الدول وإلزامها بالتزامات مماثلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير