Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سواء أبرمنا صفقة بريكست أم لا علينا أن نترك عجلة الحياة تدور

ستكون هناك سلبيات لكن علينا أن نعترف أيضا بأنه ستكون هناك بعض الإيجابيات التي تتطلب منا بذل قصارى جهدنا لزيادة حجمها

استمرار مفاوضات بريكست بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في جولة جديدة تبدو أكثر فأكثر صعبة للوصول إلى اتفاق بين الجانبين (غيتي)

إذن سيستمر البحث لفترة قصيرة أخرى من الوقت عن صفقة تجارية مع أوروبا. لكن يجب أن نكون واقعيين: أياً كانت النتيجة، فإن البلاد ستشهد تعطيلاً واضطراباً في الحياة اليومية خلال الأسابيع المقبلة.

وستتباعد اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا عن بعضها بعضاً تدريجياً في السنوات المقبلة. والمسألة هنا تتعلق بمدى التعطيل من جهة، وأيضاً بحجم الفجوة بين الطرفين من جهة ثانية.

سيتعين على السياسيين أن يتخذوا قريباً القرار بشأن ما سيجري.

فماذا يجب علينا فعله حيال كل هذا، نحن الذين أيدنا البقاء في أوروبا؟ إن من غير المجدي بالنسبة للبعض، العودة من جديد إلى معارك الزمن الماضي. غير أن الجدل القائم على التمنيات من قبيل "لو أن" ذلك حصل، ليس عقيماً فحسب، بل هو مدمر أيضاً، باعتباره يصرف اهتمامنا عن التفكير في المستقبل.

يتعين علينا وعلى جيراننا الموجودين في الضفة الأخرى من القنال الإنجليزية، وأيضاً على الطرف الثاني من الحدود في إيرلندا، أن نجعل علاقاتنا الجديدة فعالة، أياً كان شكل هذه العلاقات.

لكن كيف؟

حسناً، في ما يلي خمسة مجالات يجدر التفكير فيها، إذ إنها تصلح كإطار عمل فضفاض من شأنه أن يساعد في إرشادنا لتجاوز هذه الأوقات التي ستكون حتماً صعبة.

المجال الأول هو بالتأكيد الكياسة. لقد قيل الكثير من الكلام القاسي من قبل الطرفين عن بعضهما البعض، فكان هناك تهكم وشوفينية، وهذا غير مفيد ومخرب، وهو سلوك سخيف تماماً.

يرزح السياسيون تحت وطأة ضغوط شتى وعليهم أن يستجيبوا لها. أما نحن الباقين، فلا نخضع لضغوط مماثلة، أو أننا بالأحرى نرزح تحت ضغوط حياتنا اليومية، ولسنا كالسياسيين معرضين للضغوط الناجمة عن محاولة إرضاء هذه الفئة أو تلك ممن ساعدوا على انتخابهم.

هكذا نتفاعل جميعاً مع دول الاتحاد الأوروبي بطريقة أو بأخرى، سواء تعلق الأمر بقضاء عطلة في فرنسا، أو بوجود أصدقاء أو أقرباء لنا في إيرلندا، أو ربما بوجود علاقات عمل أو صلات شخصية بيننا وبين أشخاص يعيشون في أنحاء القارة الأوروبية.

والحق أن هناك حجة قوية تدعو إلى التزام الكياسة دائماً وفي كل مناحي الحياة. بيد أن بوسعنا في الوقت الراهن أن نجعل تفاعلنا مع الاتحاد الأوروبي بوجوهه كافة أكثر جدوى وإرضاء للجانبين من خلال الحرص على توخي الحذر خصوصاً بغرض تجنب الصراع.

ثانياً، علينا أن نقبل ما حصل، ونعترف بأنه ستكون هناك تغييرات. وإذا كان المزيد من المهاجرين سيفدون إلى المملكة المتحدة من خارج دول الاتحاد الأوروبي، كما حصل سلفاً، وسيأتي إلينا عدد أقل من المهاجرين من دول الاتحاد، فإنه يتوجب علينا أن نقر بذلك. ويستحق أولئك المهاجرون الترحيب، كما يفعل الجميع. وإذا كان على البريطانيين الذين يملكون فيلات في الريفيرا الفرنسية أن يقلصوا الوقت الذي يقضونه في زيارة بيوتهم تلك، فعليهم أن يقبلوا ذلك، ويتخذوا أي إجراءات يرونها مناسبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا السياق، فإن أي تغيير في علاقات الدول بعضها ببعض، هو أمر مزعج لكل من كان قد افترض بأن الوضع الراهن سيبقى على حاله إلى الأبد، ووضع خططاً لحياته في المستقبل على هذا الأساس. غير أن علينا جميعاً أن نعيش ونعمل في العالم كما هو قائم، وليس كما نتمناه أن يكون.

وحده القبول يجعلك قادراً على التكيف مع الوضع الجديد.

وهذا يقودنا إلى الفكرة الثالثة: يتوجب علينا أن نفكر في كيفية تأقلمنا مع التطورات الجديدة. في الواقع، إن حجم التغييرات التي قد نضطر إلى إجرائها في نمط حياتنا، ليست بذات قيمة بالمقارنة مع التغييرات التي قام بها معظمنا خلال العام الماضي. ستكون التعديلات الضرورية ضئيلة بالنسبة لبعضنا. وربما كان هناك المزيد من الأرتال أمام الموظف المسؤول عن معاينة جوازات السفر لدى دخول دول الاتحاد الأوروبي. وقد يكون هناك قدر قليل من البيروقراطية التي لم نعهدها من قبل عند استئجار سيارة في أوروبا، مع أنه ليس واضحاً لماذا يجب أن نفترض أن استئجار السيارة في أوروبا سيكون معقداً على هذه الشاكلة، فيما أنه سهل للغاية في الولايات المتحدة، علماً أنني لا أستطيع أن أرى سبباً لذلك التعقيد المفترض.

في المقابل، ستكون التغييرات معتبرة بالنسبة للبعض الآخر. فالشركات التي كانت تعتمد على سلاسل التوريد المعقدة في كل أنحاء أوروبا، على نحو أتاح توصيل المكونات يومياً، لخطوط الإنتاج تماماً في الوقت المناسب، سيتعين عليها الآن أن تُقبل أكثر فأكثر على السوق المحلي  لشراء ما تحتاجه. غير أن ذلك سيتطلب بعض الوقت.

على صعيد متصل، تتمثل إحدى المشاكل التي نواجهها مع السياسيين بمختلف مشاربهم في أن معظمهم لا يتمتع إلا بقدر قليل جداً من الفهم للمسائل العملية المتعلقة بإدارة الأعمال التجارية، وهذا من شأنه أن يجعل الفوضى السائدة حالياً مصدر إحباط كبير، مع العلم أن الأعمال التجارية تتسم بالمرونة. فمبجرد اتخاذ القرار تجدهم يتقيدون به. لكن من السذاجة التظاهر بأن المزيد من البيروقراطية لن يكون عبئاً أكيداً وأن التكاليف لن ترتفع.

أما الفكرة الرابعة، فتنطلق من حيث تنتهي سابقتها. وهي تعني أن علينا أن نحاول التقليل قدر الإمكان من الضرر الناجم عن هذه التطورات، مهما يكن من أمر هذا الضرر. الاضطراب الذي تتعرض له الحياة المألوفة هو سيئ على الدوام، إلا أن ثمة كثيراً مما يمكن القيام به على المستوى العملي لجعل هذا الاضطراب سلساً. ليس بمقدورنا في المملكة المتحدة أن نقرر طبيعة الأعمال التي سيقوم بها الاتحاد الأوروبي، غير أن بوسعنا العمل مع مجتمع الأعمال بحيث لا نزيد من حجم الفوضى.

وهذا في الغالب هو من شأن العلاقات التجارية، ولكن ربما تكون هناك طرق يمكن لنا كأفراد أن نساعد من خلالها. وإبقاء آذاننا مصغية للصعوبات التي يواجهها الأوروبيون المقيمون في المملكة المتحدة سيمثل بداية جيدة للجهود المفيدة التي يمكن أن نبذلها.

وأخيراً، علينا أن نعترف بأنه ستكون هناك بعض الإيجابيات التي تتطلب منا بذل قصارى جهدنا لزيادة حجمها. وتتجلى أحد الأمثلة الصغيرة على ذلك، في الطفرة الحاصلة سلفاً في إنتاج أنواع غذاء متخصصة في المملكة المتحدة، تعتبر أغلى من الأغذية المستوردة لكنها أفضل من حيث النوعية.

كان هذا يحدث سلفاً، غير أنه قد تعزز بفضل الاهتمام المتزايد بالطهو المنزلي، وهو توجه يتصل بالإغلاق الذي فرضه تفشي فيروس كورونا. وستُمنح الفرصة حالياً لهذا الإنتاج أن ينمو أكثر فأكثر، غير أن ذلك يتطلب من الناس أن يواصلوا شراء هذه المنتجات المتخصصة بعد انتهاء قيود الإغلاق.

إن النقطة المهمة هنا بكل تأكيد تتمثل في أنه يتوجب علينا جميعاً أن نحاول الارتقاء إلى مستوى أعلى من السياسة الراهنة. ستبقى السياسة معنا على الدوام، وينبغي علينا أن نكون ممتنين لأننا نعيش في ظل نظام ديمقراطي. لكن في غضون ذلك، علينا أن نجعل الأمور تعمل، فتدفع عجلة الحياة إلى الأمام.

© The Independent

المزيد من تحلیل