Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودانيون يترقبون انفراجا معيشيا بعد الخروج من قائمة الإرهاب

انعكاس إيجابي على تحويلات المغتربين لكن الاستقرار السريع لأسعار الصرف مستبعد حالياً  

يأمل السودانيون بتحسن مستواهم المعيشي بعد سنتين على قيامهم بثورة أطاحت النظام السابق (أ ف ب)

يترقب السودانيون بمختلف قطاعاتهم أن يحدث قرار شطب اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، الذي صادق عليه الكونغرس الأميركي الاثنين 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، انفراجاً كبيراً على صعيد حياتهم المعيشية والاقتصادية، التي بلغت تدهوراً مريعاً خلال الفترة الماضية، من خلال تراجع أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني، وانخفاض أسعار السلع، ثم استقرارها في الحد المعقول، الذي يتناسب مع معدلات الدخل. 

لكن كيف ينظر المتخصصون ومراقبو الشأن الاقتصادي إلى هذا الواقع؟ وهل بالإمكان أن تتجاوب الأسواق مع هذا القرار بالانخفاض التدريجي للأسعار؟ وما هي رؤيتهم وتوقعاتهم للحركة الاقتصادية في السودان على ضوء المؤشرات والتحديات الماثلة؟ 

يقول وزير الدولة في وزارة المالية السودانية سابقاً، الدكتور عز الدين إبراهيم في هذا الصدد، "بلا شك إن إزالة اسم السودان من اللائحة الأميركية الخاصة بالدول الراعية للإرهاب، يُعتبَر حدثاً مهماً للغاية في تاريخ الاقتصاد السوداني، حيث أضرت هذه العقوبة البلاد من نواحٍ عدة من أهمها عدم الاستقرار الاقتصادي، والذي يتمثل في تدني سعر الصرف، واستمرار زيادة التضخم، باعتبارهما أهم سمات الاقتصاد الكلي، لكن أتوقع تحسناً ملحوظاً في سعر الصرف خلال الفترة المقبلة لسبب بسيط هو وصول تدفقات مالية في شكل استثمارات لعملية الإنتاج، فضلاً عن المنح والقروض الميسّرة التي سيقدمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للسودان، وتلك التي ستأتي من الاتحاد الأوروبي والدول الكبرى، ودول الخليج. وستخلق هذه الأموال نوعاً من الوفرة من العملات الأجنبية". وأضاف إبراهيم "معلوم أن سعر الصرف غالباً ما يكون متغيّراً، حيث يعتمد على العرض والطلب. وبحسب المؤشرات يُتوقع أن يكون هناك عرض متوفر من العملات، بخاصة الدولار، ما سيحدِث نوعاً من الاستقرار في سعر الصرف، وهذا ليس معناه عدم الحركة، بل سيكون السعر في حالة ارتفاع وانخفاض، لكن في نطاق معقول. وأعتقد أن سعر الصرف إذا لم ينخفض فلن يرتفع، واحتمال زيادته أصبح ضعيفاً جداً، وقد يميل إلى الانخفاض، ويتحرك في نقطة معينة. لكن بشكل عام فإن عملية انخفاض الأسعار سواء بالنسبة لسعر الصرف أو السلع ستكون عملية بطيئة، ولن تحصل معجزات، وحتى إذا هناك أثر متوقع نتيجة القرار الأميركي بشطب السودان من لائحة الارهاب، فسيكون في النصف الثاني من عام 2021، لأن عودة العلاقات المالية بين المصارف السودانية ونظيراتها في الخارج تأخذ وقتاً". 

إصلاح تدريجي 

ولفت عز الدين إبراهيم إلى أن "رفع العقوبات الأميركية له آثار إيجابية عدة، بخاصة في ما يتعلق بالتحويلات الخارجية، حيث يتيح استقطاب أموال المغتربين السودانيين في بلدان المهجر، والتي كانت تحوَّل عبر وسطاء في السوق الموازي، كما أن العلاقات مع البنوك الخارجية تساهم في الاستمرار بتأمين وتدفق السلع المختلفة من خلال استيرادها بواسطة خطوط الائتمان، وهو إجراء لم يكن متاحاً قبل هذا القرار، حيث يتم استيراد تلك السلع عبر طرف ثالث ما يزيد من كلفتها بسبب ارتفاع أسعار العمولة، لكن بشكل عام يتطلب استقرار سعر الصرف والسلع، في المرحلة المقبلة، ترتيب البيت الداخلي من خلال وضع سياسات مالية حكيمة ومحافِظة تواكب الانفراج في العلاقات الدولية، وتعالج الاختلال في التوازن الكلي، فضلاً عن عدم التوسع في الاستدانة من البنك المركزي، إضافة إلى إعداد سياسات تصحيح للموازنة الحالية نظراً إلى ما حدث فيها من أخطاء، بخاصة في جانب زيادة مرتبات العاملين في الدولة لقرابة الـ 600 في المئة، ناهيك عن آثار جائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير في تراجع حركة الاقتصاد في البلاد". 

ونوّه بأن "توجه الحكومة الانتقالية السودانية نحو صندوق النقد الدولي من ناحية اقتصادية سليم 100 في المئة، لكن المشكلة في أن وصْفَة الصندوق يصعب تطبيقها، لأنها قاسية على المواطن، لذلك يجب أن يتم الإصلاح الاقتصادي تدريجاً من خلال جرعات صغيرة، وليس بجرعة واحدة كبيرة، وبرأيي نحن في السودان محتاجون إلى ألا ننظر للاقتصاد من خلال الإيديولوجيا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


رؤية واضحة 

في المقابل، استبعد المحلل المالي والاقتصادي السوداني طه حسين، حدوث استقرار سريع لأسعار الصرف والسلع نسبة إلى وجود تكلفة متوارَثة، هي عبارة عن تكاليف متعلقة بالاقتصاد، حيث لا تكفي إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب وحدها لخفض هذه الأسعار، لأن الموارد المتوفرة من العملات الأجنبية شحيحة، وجميعها في شكل وعود، وجزءاً منها تسوية لديون خارجية، وآخر يذهب لتنمية مشاريع مختلفة، أو دعم أسري، ومثل هذه الموارد قد تسهم في توفر نقد أجنبي، لكن ليس بإمكانها تغطية موازنة 2021". وأضاف "كما أن العرض الكبير من النقود داخل المصارف السودانية، والذي بلغ بحسب تقدير البنك السوداني المركزي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي 1.091 تريليون جنيه سوداني (734 مليون دولار)، والنقود الموجودة خارج الجهاز المصرفي البالغة قيمتها 489 مليار جنيه سوداني (186 مليون دولار)، ما يعادل 43.02 في المئة كعرض نقود، تعدّ مؤشراً إلى أن أغلب تكاليف السلع المتوفرة حالياً في الأسواق مرتفعة جداً، وبالتالي إن قرار إزالة السودان من لائحة الارهاب يمكن أن تكون لديه قيمة تجاه تحقيق الاستقرار في الأسعار خلال سنة أو 6 أشهر مقبلة في حالة تفعيل الدولة علاقاتها الخارجية من خلال ملحقياتها بسفاراتها المختلفة، وأن تكون لديها خطة عملية مصاحِبة لهذا القرار".
وبيّن المحلل الاقتصادي طه حسين أن "تراجع الأسعار بشكل عام في البلاد مربوط باتخاذ إجراءات عدة أهمها إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتدفق المنح والقروض، ما انعكس على عام 2019، حيث ساهمت القروض في استقرار سعر الصرف لفترات طويلة، خلاف ما حدث في عام 2020 الذي شهد تراجعاً كبيراً في سعر الصرف، وارتفاع معدلات التضخم بصورة مخيفة، بسبب توقف القروض والمِنح الخارجية، وانخفاض حجم الصادرات، وتطورات الوضع الصحي نتيجة جائحة كورونا"، مشدداً على "أهمية وضع اليد على الجرح، والتحرك السريع باتجاه العالم الخارجي لاستقطاب الدعم اللازم لأن دولاً عدة في العالم تعاني من تراجع اقتصادها، كما لا بد من رؤية اقتصادية واضحة المعالم من الجوانب كافة، وأن تكون الموازنة المقبلة واقعية، فمن شأن مثل هذه الخطوات أن تؤدي إلى الاستقرار الاقتصادي في السودان بشكل عام". 


تحسن ملحوظ 

شهد الجنيه السوداني تحسناً ملحوظاً عقب إصدار القرار الأميركي بإزالة السودان من قائمة الإرهاب، حيث ارتفعت قيمته أمام الدولار الأميركي في تداولات السوق الموازي، في اليوم الأول لإعلان القرار (الاثنين 14 ديسمبر) بنسبة 3.7 في المئة، بتراجع سعر بيع الدولار من 267 جنيهاً إلى 250 جنيهاً، بينما يبلغ سعر الدولار في المصارف الرسمية 55 جنيهاً، ويتوقع تجار يعملون في سوق العملات أن تتأرجح الأسعار بين صعود وانخفاض بنسب بسيطة لفترة من الزمن، حتى تعود إلى شبه استقرار خلال عام على الأقل، شرط أن تشهد البلاد تدفقات مالية واستثمارية وحركة تصدير مستمرة.  

ولقي القرار ارتياحاً وترحيباً رسمياً وشعبياً في السودان، كونه يتيح فرصاً وظروفاً أفضل لدعم وإدارة اقتصاد البلاد، الذي شهد أزمات متواصلة لأكثر من عقدين، فضلاً عن أن القرار سيفتح الباب أمام تأكيد عودة السودان المستحقة إلى المجتمع الدولي. وشكرت الخارجية السودانية الدول الشقيقة والصديقة التي بذلت جهوداً مقدَّرة لدفع الإدارة الأميركية إلى رفع اسم البلاد من قائمة الإرهاب. 

يأتي القرار الأميركي بعدما استوفى السودان كل الشروط المطلوبة وأهمها دفع مبلغ التسوية لأسر ضحايا تفجير سفارتَي واشنطن في كينيا وتنزانيا في عام 1998، والهجوم على المدمِّرة كول في اليمن الذي شنّه تنظيم "القاعدة" في عام 2000.

وأدرجت الولايات المتحدة منذ عام 1993 السودان على لائحة الدول الراعية للإرهاب، بسبب استضافته خلال فترة حكم نظام الرئيس السابق عمر البشير، الذي أطاحته ثورة شعبية في 11 أبريل (نيسان) 2019، مجموعة من العناصر المتشددة وعلى رأسها زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن. 

المزيد من اقتصاد