Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تيخانوفسكايا تعرب عن خيبة أملها بزعماء الاتحاد الأوروبي

بوتين أكثر المستفيدين من تحركات المعارضة في بيلاروس ولوكاشينكو يستعيد توازنه

سفيتلانا تيخانوفسكايا زعيمة المعارضة في بيلاروس (أ ف ب)

عادت سفيتلانا تيخانوفسكايا زعيمة المعارضة في بيلاروس إلى "تسول" تشديد الضغط ومناشدة الدوائر الغربية فرض المزيد من العقوبات ضد غريمها رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو ومن معه، بعد فشل سيناريو تصعيد التظاهرات السلمية التي تواصلت لأشهر طويلة منذ انتخابات التاسع من أغسطس (آب) الماضي، من دون نتيجة تُذْكَر، وعلى الرغم من الحملات الإعلامية الصاخبة التي طالما حاولت الدوائر الغربية، وفي صدارتها حكومات بولندا وليتوانيا وبقية بلدان البلطيق تأجيجها دعماً للمعارضة وحفزاً لأنصارها في الداخل، وما اتخذته ولم تزل من قرارات وعقوبات ضد الأخير، تقول الشواهد إنه تجاوز مرحلة الارتباك التي كادت تطيحه من منصبه في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الماضية.

وتتواتر الأخبار التي تقول إن تيخانوفسكايا سوف تشدّ الرحال إلى واشنطن في محاولة للقاء الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، بعدما كشفت صراحة عن خيبتها من الاتحاد الأوروبي الذي كانت تعلّق عليه الكثير من آمال المعارضة في بلادها، وبينما أعربت عن شديد قلقها إزاء إيفاد الإدارة الأميركية سفيرها الجديد في مينسك، توجهت بنداء تناشد فيه واشنطن عدم تقديم أوراق اعتماد السفير الجديد إلى الرئيس لوكاشينكو، لأن ذلك سوف يكون اعترافاً رسمياً به من جانب، وإشارة متعددة المعاني إلى الشعب من جانب آخر.

سجون بيلاروس

وعادت زعيمة المعارضة لتحث الدوائر الغربية من أجل تنشيط جهودها مجدداً للضغط على بيلاروس من أجل سرعة اتخاذ قرار إعادة الانتخابات الرئاسية والإفراج عن المعتقلين السياسيين. ومن اللافت بهذا الصدد أن تيخانوفسكايا التي سبق واعترفت أن "لا علاقة لها بالسياسة"، و"لا تعرف خبايا تضاريسها ودهاليزها"، عادت الى إعلان توصياتها إلى الإدارة الأميركية وبلدان الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا، بالتنسيق في ما بينها من أجل الضغط على نظام لوكاشينكو وإدراج العديد من قواته ومنها "وحدات الانتشار السريع" وغيرها من الأمن الخاص ضمن قائمة المنظمات الإرهابية المحظور نشاطها والاعتراف بها، وملاحقتها قضائياً في كل المحافل والمنظمات الدولية.

وتحدثت عن مسؤولية هذه القوات والتنظيمات الخاصة عن اعتقال ما يزيد على 31 ألفاً من المتظاهرين والمدنيين، ومصرع ما لا يقل عن ثمانية، فضلاً عن الكثير من وقائع التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"يعمل لها ألف حساب"

ولم تقتصر اتهامات تيخانوفسكايا الدوائر الغربية بالتقصير، إذ تجاوزت كل ذلك، ففي حديث أدلت به خلال الأيام القليلة الماضية الى مجلة "نيويوركر" الأميركية قالت فيه إن الغرب يواصل إعلاء علاقاته مع روسيا التي أشارت إلى أنه "يعمل لها ألف حساب"، "وهي التي كانت تتصور في السابق قبل بداية انخراطها في عالم السياسة، أن أوروبا عظيمة والأقرب إليها من أي كيان آخر، وزعماءها أقوياء إلى درجة تجعلهم قادرين على القيام بما ينتظرونه منهم، وأنهم حتماً سوف يقومون بذلك".

لم تكتف زعيمة المعارضة بذلك، بل مضت إلى ما هو أبعد، بقولها إن هؤلاء الزعماء، "وعلى الرغم من تصريحاتهم حول التضامن وإعرابهم عما يساورهم من قلق تجاه الأوضاع في بلادنا، فإنهم، في حقيقة الأمر، عاجزون عن القيام بما هو أكثر من ذلك".

نبرة النقد

تعالت نبرة النقد الذي يبلغ حد الإدانة في قولها، "المعارضة في بيلاروس لا تطلب، بل تطالب بعقوبات اقتصادية أشد وطأة". وأضافت، "هناك إبادة للجنس تجرى في البلاد، على مرأى ومسمع مباشرين من القادة الغربيين، بينما هم لا يتحركون إلا لماماً، وهناك من ينوي إيفاد رسله ومبعوثيه لتقديم المذكرات وأوراق الاعتماد"، في إشارة مباشرة إلى الإدارة الأميركية.

على نحو يتسق مع أحكام دراما الموقف، قالت تيخانوفسكايا إنها نشأت في كنف أسرة علّمتها ضرورة الاعتراف بالجميل، وتقديم الشكر عما يُقَدًم لها من أفضال، وهو ما يبدو اليوم أقرب ليكون من "غير الصحيح"، لتصل إلى استنتاج مفاده بأن "من غير الجائز تقديم أي شكر على بيانات جوفاء، أو قلق يبدو في جوهره شكلاً لا مضمون فيه"، وعادت معلمة اللغة الإنجليزية التي فوجئت أنها صارت بين عشية وضحاها ملء السمع والبصر، لتعترف بأنها لا تزال تحبو في عالم السياسة، ومدعوة إلى أن تطالب بكل قوة بضرورة القيام بما هو أشد فعالية وأكثر جدوى.

توزيع وصاياها

من هذا المنظور، تحولت تيخانوفسكايا لتقول إن لوكاشينكو لن يتخلى عن منصبه طواعية، وما يقوله حول استعداده للرحيل عن منصبه وإمكانية تغيير الدستور وإجراء انتخابات رئاسية جديدة ليس سوى كلمات وتصريحات جوفاء، وأكدت أنه لن يتخلى الرئاسة بطيب خاطر، ووصفت قوله بالنفاق والمداهنة من جانب شخص يحتكر السلطة الشمولية منذ تسعينيات القرن الماضي، وحذرت من مغبة تصديقه، مؤكدة أن ما يعلنه من وعود وتصريحات لا يستهدف سوى كسب الوقت وتبرير استمرارية بقائه، وأن شعب بيلاروس يدرك كل ذلك ويعرفه.

ومن الموقع ذاته، واصلت تيخانوفسكايا توزيع وصاياها وتحذيراتها إلى زعماء البلدان الغربية، كيلا يستمروا في تصديق ما يقوله لوكاشينكو حول التعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية المرتقبة، وضرورة سرعة العمل الجاد من أجل الإطاحة به.

وبينما سمحت زعيمة المعارضة في خطابها السياسي إلى الغرب باستخدام الكثير من المفردات التي تتسم بالتشدد والحدة، تحوّلت إلى خطب ودّ نحو موسكو بقولها إنها طالما كانت ولا تزال الجار القريب، الذي ينشدون الحوار معه، وإن بلادها منفتحة للحوار وبكل أشكال التعاون معها، وإن إشارت إلى ضرورة احترام سيادة بيلاروس ومصالحها، وإن لا خيار لشعب بيلاروس سوى العيش مع موسكو في وئام وسلام، وهي التي كانت كشفت فور وصولها إلى ليتوانيا في أعقاب الإعلان عن خسارتها في الانتخابات الرئاسية تبنيها لما أعلنه ما يسمى "مجلس التنسيق" حول ضرورة فسخ كل ما يربط البلدين من اتفاقيات ومعاهدات، والخروج من كل التنظيمات والتحالفات التي تجمع البلدين، إلى حد المطالبة بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ورقة رابحة

من المفارقات التي تثير الكثير من الدهشة، أن تتحول الضغوط على لوكاشينكو لصالح فصائل المعارضة الموالية للغرب، إلى ورقة رابحة تسقط عن غير طيب خاطر بين يدي خصم الدوائر الغربية وغريمها، لتكون إضافة معتبرة لسياساته وتوجهاته بين أرجاء الفضاء السوفياتي السابق، فما إن أحكم الغرب حصاره وضغوطه ضده وكان جنح بعيداً عن تحالفاته السابقة مع بوتين، حتى عاد رئيس بيلاروس لينشد الدعم والعون لدى بوتين الذي كان ناصبه "الخصومة" دفاعاً، وبحسب ما حاول تصويره، عن مصالح بلاده وسيادتها واستقلالها.

من هنا جاء موقف بوتين الذي استطاع به استمالة لوكاشينكو إلى سابق مواقعه من التكامل والتحالف مع موسكو، من دون أن يفقد تعاطف شعب مينسك من منطلق ما أعلنه حول ضرورة التزام الثاني بما وعد به حول إجراء الإصلاحات الدستورية والإعلان عن انتخابات رئاسية جديدة، وثمة من يقول ويتوقع انخراط الكثير من الدوائر والأجهزة في كل من بيلاروس وروسيا بحثاً عن البديل المناسب، بعيداً من تأثير الدوائر الغربية بطبيعة الحال، ما يعني أن بوتين نجح في التأثير في بيلاروس بدعم مباشر من خصومه وغرمائه، في وقت مواكب لاستعادته الكثير من آليات النفوذ في عدد من مناطق الفضاء السوفياتي السابق، وهو ما تجلى بشكل واضح في ما توصل إليه على صعيد وقف إطلاق النار والتسوية المرحلية في قره باغ، بعيداً من دور مأمول كانت تريده فرنسا والولايات المتحدة بوصفهما رؤساء مناوبين مع روسيا لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي.

لعل ما تحقق من نجاح نسبي محدود الأبعاد لسياسات روسيا في بيلاروس، يمكن أن يكون كافياً في مثل هذه الظروف لاستعادة كل من بوتين ولوكاشينكو المواقع التي كانا يريدانه لمواجهة الإخفاقات التي لحقت بسياسات موسكو في أوكرانيا، وإن كان هناك من يتوقع احتمالات انفجار الموقف على الجبهة الأوكرانية مع تولي الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن مهام منصبه. لكن مواجهة هذه الاحتمالات ولوكاشينكو معه، غير مواجهتها لو أن الأخير إلى جانب خصومه، ذلك ما يدركه بوتين وما يمكن أن يعلي من قدر لوكاشينكو وأهميته على الصعيدين الشخصي والعام.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل