فاجأ قائد أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، الشعب الجزائري بخطاب "محبط" وفق كثيرين. فالشارع كان يراهن على قائد الأركان لمنع عبد القادر بن صالح من قيادة البلاد بعد إعلان شغور منصب رئيس الجمهورية وفق المادة 102 من الدستور. لكنَّ قايد صالح خرج عكس تيار الحراك الشعبي وراح يستعمل التخويف والتحذير بدل الاستجابة للشعب الذي يطالب برحيل الباءات الأربع وبن صالح منهم، بعدما وعد المحتجّين بمرافقتهم من خلال تفعيل المادتين 7 و8 من الدستور. فما الذي دفع قائد الأركان إلى التراجع خطوتين إلى الوراء؟
خطاب غاضب يدفع الى جمعة ثامنة
على عكس المرات السابقة، رفع خطاب قائد الأركان من نسبة الغضب لدى الشعب الجزائري، بعد تجاهل مطالبه الرافضة استمرار وجوه نظام بوتفليقة في مناصب المسؤولية، خصوصاً ترؤس بن صالح، رئيس مجلس الأمة، البلاد. وإضافة إلى لغة التخويف بالأيادي الخارجية التي تحاول ضرب استقرار البلاد، والتحذير من خطورة العمل خارج الإطار الدستوري، وصف قايد صالح مطالب الشعب بالتعجيزية. وقد تسبب هذا التحوّل باهتزاز الثقة الشعبية بقائد الأركان. ما قد يدفع المحتجّين إلى الخروج بقوة إلى الشارع متوعداً بجمعة غاضبة، بعدما انفصلت قاطرة قيادة الأركان عن سكة التحركات.
حزب معارض يدعو قائد الأركان إلى الرحيل
ودعا القيادي في حزب التجمع من أجل الثقافة المعارض، سعيد سعدي، قائد أركان الجيش إلى الرحيل، في رسالة عنوانها "كل شيء يناديك بالانسحاب". وجاء ذلك تعليقاً على خطاب قايد صالح.
وقال سعدي إن مواصلة الحديث بأن الجيش مواكب للشعب الذي يطالب بدولة جديدة في مستوى آماله وحقوقه وديمغرافيته المتجددة، أمر جدير بالثناء والتقدير، لكن القيام بعكس ما يتم التغريد به منذ شهر ونصف الشهر، لا يمكن أن يقنع كثيرين، ولا أن يوقف الديناميكية التي أرجعت إلى الجزائريين التحضر والأمل.
وتوجّه إلى قائد الأركان بالقول إنه منذ بداية الحراك، عرف خطابكم تقلبات عدة، كنتم مناصراً للعهدة الخامسة، ووصفتم المتظاهرين بالعملاء المتلاعَب بهم من أجل زعزعة استقرار بلدهم، لتنتهوا، أخيراً، بتقبل فكرة أن الشعب محق في حراكه، ولو بإعطاء مضمون معارض لمطالبه. وتتأرجحون بين التهديد والوعود تجاه المواطنين.
وشدد سعدي على أنه "في هذه الأوقات الحاسمة للوطن، كل جزائري موضوع أمام مسؤولياته، وأنتم في شكل خاص. حان وقت رحيلكم. لأنّكم بلغتم من العمر عتياً، ولأن النظام الذي ساندتموه فشل، وأدين بفضل تعبئة شعبية لا مثيل لها".
أضاف أن "كل شيء يناديك للانسحاب، لأنه حان الوقت لفسح المجال للأجيال الجديدة. إن زمن الديكتاتوريات العسكرية قد ولى، وإنه لمن سوء التقدير عدم الفهم أن اليوم في الجزائر، أصبحت صرخة المواطن أكثر استماعاً من طلقة المدفع".
وأبرز سعدي أن المسألة لم تصبح في ميزان "هل سترحل أم لا؟... ولكن كيف ومتى يكون ذلك؟".
تابع أن إعادة الثقة للمواطنين وإرجاع الصدقية إلى المؤسسات، لن تكونا باللجوء إلى تصفية الحسابات، خصوصاً إذا كانت التحقيقات مصوبة تجاه البعض ومتجاهلة البعض الآخر، مشيراً إلى أن العدالة حسب الطلب هي من أبشع أوجه الظلم الذي لا يطاق.
مواقف قايد صالح داعمة لفكرة التغيير الشكلي
وتستمر التظاهرات في مختلف مناطق الجزائر، بعدما كانت محصورة في أيام الجمعة. ويتخوف الشعب من الإبقاء على وجوه نظام عبد العزيز بوتفليقة، ويعتبر ذلك التفافاً على مطالبه، ومؤشراً إلى "ثورة مضادة". وهو ما أكدته تصرفات الشرطة باستعمالها القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين واعتقال العشرات منهم، للمرة الأولى منذ بدء الحراك الشعبي، خصوصاً أن ذلك حصل في أماكن اعتاد المتظاهرون على التجمع فيها.
واعتبر الحقوقي والناشط السياسي الجزائري، إسماعيل معراف، في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أن قايد صالح، هو جزء من منظومة الحكم الفاسدة التي تحكمت بمصير البلاد. بالتالي، فإن كل مواقفه من الأزمة، من البداية حتى النهاية، كانت داعمة فكرة التغيير الشكلي في إطار الاستمرارية، أي تقديم وعود وتغيير في الخطاب النمطي كي يوهم الحراك الشعبي بأن المؤسسة العسكرية تنحاز إلى مطالب الشعب، غير أنه يقدم التبريرات غير المنطقية بأن البلاد في وضع اقتصادي صعب، وأن هناك تحديات أمنية تستدعي المضي في إطار دستوري.
وأشار معراف إلى أن هذه الممارسات المتناقضة تؤدي إلى تأزم الأوضاع وزيادة الاحتقان.
المؤسسة العسكرية أمام تحد صعب
وقالت عائشة عباش، الأستاذة في جامعة الجزائر والباحثة في المركز الديمقراطي العربي في ألمانيا، لـ"اندبندنت عربية"، إن هناك احتمالين للوضع الراهن، حيث يمكن اعتبار أن السلطة وظفت المؤسسة العسكرية لكسب ثقة الشعب، ثم تمرير الاستمرارية، خصوصاً بعد تفعيل المادة 102 من الدستور. أما الاحتمال الثاني فيتمثل في رهان قايد صالح على تصاعد قوة الحراك الشعبي وخلق شرعية التدخل لنفسه، على اعتبار أن الجيش لا يمكنه التدخل مباشرة، لأن الفترة حرجة جداً، وليس من مهماته، وبذلك هو يبحث عن ظرف أقوى كي يخلق شرعية لتدخله.
أضافت إن لدى المؤسسة العسكرية كل المعطيات عن عجز السلطة الحالية، لكنها تريد أن تثبت ذلك للرأي العام الدولي كي يكون تدخلها شرعياً. ومن الممكن أن تفصل الساعات المقبلة، لمصلحة من سترجح الكفة لقيادة المرحلة الانتقالية.
ويعتقد متابعون أن تكون الجمعة الثامنة حازمة وحاسمة، وقد تتضح فيها الأمور، على اعتبار أن حساسية الوضع تتطلب أن يبقى الحراك الشعبي وراء تطمينات المؤسسة العسكرية، خصوصاً أن بن صالح، من دون الصلاحيات حسب ما ينص عليه الدستور. فالمؤسسة العسكرية أمام خيار صعب جداً، ويتمحور حول كيفية التوافق بين تحقيق مطالب الشعب والحفاظ على انتقال سياسي سلس ودستوري. أي إسقاط رموز نظام بوتفليقة وضمان استمرار الدولة.