منذ العام 2003، بدأت المداولات في المجلس التشريعي الفلسطيني للمصادقة على النسخة الأولى من مشروع قانون الحق في الحصول على المعلومات. لكن النقاشات لم تستمر آنذاك لأسباب سياسية، ليعود القانون في العام 2014 إلى طاولة مجلس الوزراء. إذ قدمته مؤسسات المجتمع المدني ونقابة الصحافيين من أجل إقراره، إلا أنه بقي في المجلس من دون مصادقة حتى الآن، على الرغم من التوافق بين الحكومة والمؤسسات المختلفة على صيغته التي عُدلت عدة مرات، خلال السنوات الخمس الماضية.
تتلخص النسخة الأخيرة من مشروع القانون في تمكين الأشخاص من ممارسة الحق في الحصول على المعلومات وتفعيل فكرة التدقيق الحر للمواطنين، من أجل إشراكهم في اتخاذ القرارات وضمان الشفافية والمساءلة. إذ تضمّن المشروع تنظيم عملية الحصول على المعلومات من المؤسسات وتسهيل وصول الأفراد إليها، وتعيين شخص مسؤول عن إعطائها سواء أكانت منشورة أم لا، إضافة إلى أنه يفرض على كل مؤسسة نشر تقاريرها السنوية وما يتعلق بأنظمتها وسياسات عملها والقوانين الخاصة بها، مع التطرق إلى تلك التي من الصعب الحصول عليها، خصوصاً المتعلقة بالأمور الاستخباراتية العسكرية والأمنية السرية.
وينص القانون أيضاً على إنشاء جهة مستقلة للنظر في الشكاوى المقدمة في حال تم رفض إعطاء المعلومات، ومعاقبة من يحاول تعطيل هذه العملية أو يعطي معلومات خاطئة أو يخالف التعليمات.
حرية الصحافيين مقيدة
غياب القانون يعطل عمل الصحافيين بشكل أساسي، ويقف عائقاً أمام حقهم في التعبير والمساءلة القانونية للمسؤولين. فالصحافي جعفر صدقة، الذي يعمل في كتابة التقارير الاقتصادية، يواجه مشكلة غياب المعلومات ورفض المؤسسات تقديمها إليه، ما يدفعه إلى الحصول عليها من مصادره الخاصة. وهذا ما يوقعه في مشاكل عديدة، كان آخرها الشهر الماضي حين حصل على معلومات عما دار في اجتماعات وزير المالية الفلسطيني مع قيادات مصرفية فلسطينية وأردنية، حول كيفية حل الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية نتيجة اقتطاع إسرائيل أموال الضرائب، وعن رفع سقف الإقراض المصرفي للحكومة، وتخفيض الاحتياطات البنكية. حينها، حاولت سلطة النقد منعه من نشر مادته الصحافية، وعندما لم يستجب بدأت الضغوط تمارس على الوكالة التي يعمل فيها، وتم حذف بعض التفاصيل من التقرير الذي أعده، لأن "هذه المعلومات غير صحيحة"، بحسب ما قالت سلطة النقد، إلا أنها لم تعطه تفاصيل ما ورد في الاجتماع حين طلبها منها.
وفي رأي صدقة، فإن المشكلة تكمن في خضوع المؤسسات الإعلامية والصحافيين لهذه القيود، في ظل تعمد حجب المعلومات من أجل تعطيل عملهم.
وتستبعد الصحافية ريمي أبو لبن تشريع القانون، على الرغم من أهميته لحرية الصحافيين وقيامهم بعملهم من دون قيود أمنية أو تحريرية، لأنه سيُخالف قوانين أخرى أقرتها الحكومة تقيد الصحافيين، مثل ذلك المتعلق بالجرائم الإلكترونية.
وتسعى نقابة الصحافيين إلى الدفع بهذا المشروع للتصديق عليه ليصبح نافذاً، لأنه يحمي كثيراً من الصحافيين من الوقوع في أخطاء قد تنتج عن عدم إسناد المعلومات إلى مصادر موثوقة والحصول عليها بطرق التفافية، كما حصل مع عدة إعلاميين وصلت مشاكلهم إلى القضاء، إضافة إلى منع تداول الشائعات وإشراك الناس في صنع القرار، وفق ما يقول عمر نزال، عضو الأمانة العامة للنقابة.
وحاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع وزارة الإعلام بشأن هذا الموضوع، إلا أنها لم تحصل على أي رد.
الخلط بين السجلات العامة والسرية
يقول مجدي أبو زيد، المدير التنفيذي للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، إن أسباباً كثيرة تؤخر صدور القانون، ومنها عدم التمييز بين السجلات العامة والمعلومات التي يجب أن تكون متاحة للجميع، وتلك السرية التي تخص أمن الدولة. وهو ما حاولت مؤسسات المجتمع المدني ونقابة الصحافيين جعله واضحاً في النسخة الأخيرة من مشروع القانون، لكن على الرغم من هذه الإيضاحات هناك تعطيل للمصادقة عليه.
ومن الأمثلة على تقييد الحق في الحصول على المعلومات، حجب وزارة المالية الفلسطينية تقاريرها المالية وموازنات السلطة الفلسطينية السابقة والحالية عن موقعها الخاص. إذ تظهر بدل التقارير عبارة "بسبب قانون الطوارئ والتبعيات القانونية مع الطرف الإسرائيلي، تم إيقاف التقارير المالية مؤقتاً"، إضافة إلى اقتصار الموقع الرسمي للحكومة على نشر القرارات الخاصة بالعطل الرسمية وساعات دوام العمل، مع حذف كل قرارات الحكومات السابقة، من دون إبداء أسباب واضحة.
ويوضح أبو زيد أنه على الرغم من انضمام فلسطين إلى عدة اتفاقيات ومعاهدات منذ العام 2014، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ومبادرة الحكومة المنفتحة، إلا أنها حتى الآن لم تلتزم بالشروط الأساسية فيها، كالشفافية وإتاحة المعلومات للناس، وهذا ما يضعها في موقف محرج.
لكن في حال أقر القانون، فإن عقبات كثيرة ستقف أمام تطبيقه، بدءاً من الحاجة إلى الموازنة والموظفين، ووصولاً إلى غياب قانون تنظيم الأرشيف الفلسطيني. إذ أجرى ديوان الرقابة المالية والإدارية، في العام 2018، دراسة شملت 23 مؤسسة حكومية لمعرفة الحالة الأرشيفية لكل مؤسسة وكيفية حفظ المعلومات، فكانت النتيجة أن كثيراً من البيانات مفقودة. فهناك عدة مؤسسات قامت بحرق الأرشيف الخاص بها، أو لم يكن لديها أرشفة ورقية أو إلكترونية من الأساس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلصت الدراسة إلى أن السبب وراء ذلك يكمن في غياب قانون لتنظيم الأرشفة الحكومية في فلسطين، وكيفية حفظ المعلومات وتأهيل كوادر للقيام بهذا الأمر، وتوفير مكان مناسب وآمن لحفظ الملفات من التلف، وهذا ينعكس على عملية اتخاذ القرار والحصول على البيانات والوثائق، ما يؤثر على سير عمل قانون الحق في الحصول على المعلومات في حال تم إقراره.
تدني مؤشر حرية الصحافة
غياب مثل هذه القوانين جعل مؤشر حرية الصحافة في فلسطين متدنياً، وفق التقرير الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود في العام 2018. إذ جاء ترتيبها 134 من أصل 180 دولة حول العالم.
أما في مقياس حرية الصحافة الفلسطينية لعام 2018، الذي أعده المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية، فحصلت فلسطين على أقل من النصف، لعدة أسباب ومؤشرات كان من ضمنها عدم توفر الحق في الحصول على المعلومات، والضغط على الصحافيين بشكل مباشر أو غير مباشر عند حصولهم على معلومات من مصادرهم الخاصة. إذ قد يصل الأمر إلى الاعتداء عليهم ومصادرة معداتهم الشخصية الخاصة كالحواسيب والهواتف.
آمال معقودة على الحكومة المقبلة
تخطط مؤسسات المجتمع المدني ونقابة الصحافيين، كما كل عام، لمطالبة الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة محمد اشتية بالمصادقة على هذا المشروع، وإصدار تعليمات تنظيمية إلى حين نفاذه، لأن هذا القانون مدخل لبناء الثقة مع الناس وكسب الشرعية وتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد.