Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تاريخ التطرف في المنطقة المغاربية وحاضره... تشابهات أسباب الصعود والهبوط

غياب الديمقراطية والاستخدام السياسي للحركات الدينية ساعدا النزعة العنفية التي سادت في المغرب وتونس والجزائر

صورة التقطت في 11 سبتمبر 1953 تظهر علال بن عبد الله (إلى اليسار ممسكاً بالخنجر) يتعارك مع ضابط يحاول التغلب عليه بعد أن هاجم السلطان المغربي محمد بن عرفة الذي نصّبه الفرنسيون قبل أن يتنحى عام 1955 ويعود السلطان محمد الخامس ويتولى العرش بصفته الملك محمد الخامس (غيتي)

ظهر التطرف جلياً في المنطقة المغاربية، في ستينيات القرن الـ 20، إثر محاولة الأنظمة السياسية آنذاك إحكام السيطرة على الحكم، عبر اعتمادها سياسة الرأي الوحيد، وتالياً عملت على إلغاء أي توجه معارض. ومنهج تغييب الديمقراطية، في المغرب العربي، وفي مشرقه أيضاً، مسؤول إضافة إلى عوامل أخرى، عن النزعة العنفية، في صفوف التيارات الدينية أو حتى اليسارية. في ما يأتي عرض يلامس الخلفيات التي أججت التطرف في الثلاثي المغاربي: المغرب والجزائر وتونس.

بداية التطرف في المغرب

تمكنت السلطات المغربية من إخماد أي فتيل للمعارضة على أراضيها خصوصاً خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وبالتالي من التضييق على كل مناحي التطرف، عبر اعتماد توجه أمني جد مشدد، ويعتبر تيار اليسار، الذي شكل قياديوه المتشبعون بثقافة التحرر جزءاً من حركة المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي (1912-1956)، أول فتيل للتطرف، واعتمد إثر ذلك نهج المواجهة بعض الأحيان.

يعتبر الكاتب المغربي والباحث في العلوم السياسية بلال التليدي أن "بوادر التطرف بالمعنى الحديث، أي التطرف الذي يبرر العنف ضد السلطة السياسية، بدأ في المغرب عبر التطرف السياسي، بحركة اليسار وتوجهاتها التي اندمجت في التجربة السياسية عبر حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لكن حين حِيدَ عن المنهجية الديموقراطية عبر إزاحة حكومة عبد الله إبراهيم (1958 – 1960)، رأى اليسار أن لا أفق للعمل السلمي، وبدأ يركز على الخيارات الثورية العنفية، وتندرج في ذلك تجارب الفقيه البصري ورفاقه، ثم تشكلت بعد ذلك الحركة الماركسية اللينينية الجديدة مؤلفة من حركات "إلى الأمام" و"23 مارس'"، و"لنخدم الشعب" وغيرها، وكانت تتبنى مفهوم استعمال العنف بإيحاء من الأدبيات الماركسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تجربة التطرف الإسلامي

ارتبط التطرف الإسلامي في المغرب بتجربة "الشبيبة الإسلامية" التي أنشئت نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، والتي يرى التليدي أنها كانت في جوهرها نوعاً من التوفيق بين أفكار سيد قطب والفكر الماركسي، وبدأت في المراحل المتأخرة تتجه إلى العنف السياسي من خلال لجان التأديب والصراع مع اليسار ورد الفعل تجاهه.

الأداة المضادة

يعتبر الكاتب والمحلل المغربي سعيد الوجاني أنه إذا كانت هناك عوامل موضوعية وذاتية، محلية ووطنية، إقليمية ودولية قد ساهمت في تأسيس اليسار الجذري الماركسي اللينيني في سبعينيات القرن الماضي، فإن تأسيس "حركة الشبيبة الإسلامية" يعود الفضل فيه إلى النظام الذي كان يراهن في استعمالها وسيلة لمحاربة المد الشيوعي والماركسي المتنامي في الحقل الثقافي، وظهورها يعود بالضبط إلى سنة 1969، أما تأسيسها بصفة رسمية ففي سنة 1972، وبحسب مؤسسها الشيخ عبد الكريم مطيع، فإن الحركة جمعية دينية تربوية نشاطها قانوني ومرخص به، وهي بصفتها هذه بعيدة عن الاحتراف السياسي، أما هدفها "فهو المساهمة في البناء الاجتماعي، ونشر الأخلاق الكريمة"، وسيتأكد كما هو الشأن بالنسبة للعديد من منظمات الإسلام السياسي، وعلى رأسها "الإخوان المسلمون" و"منظمات الجهاد" في الشرق العربي، أن في الأمر خطة محسوبة تسعى من خلالها الجماعة إلى استغلال جميع الإمكانات والظروف لتقوية ساعدها عن طريق التغلغل وسط الجماهير، والتسلل داخل القطاعات الرئيسة والاستراتيجية للدولة، للتحضير للانتقال من "مرحلة الدعوة التربوية" إلى مرحلة "الثورة الإسلامية" على حد تعبيره.

المواجهة

وصلت المواجهة بين "حركة الشبيبة الإسلامية" وبين اليسار المغربي، أوجها إثر مقتل عمر بنجلون العام 1975 المنتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي، والذي اتهمت الحركة بتنفيذه، ما شكّل بحسب الكاتب المغربي انقلاباً على ماضي الاتحاد الراديكالي، الذي اعتبر أن الحركة أعدت لائحة سوداء تضم كل العناصر اليسارية التي اتهمت بالإلحاد والزندقة، فكانت لهؤلاء إعلاناً عن قمة الخطر الذي بدا يفلت زمام مبادرته من قبل الدولة بحسب قوله.

يؤكد الوجاني أن الحكم على مطيع بالمؤبد في قضية بنجلون شكّل النقطة التي أفاضت الكأس، فقد غيّر كلياً من خطته التكتيكية والاستراتيجية، وبدأ يعلن معارضته الشديدة للنظام الملكي ولشخص الملك الراحل الحسن الثاني، فكانت جريدة "المجاهد" (التي كانت تصل سراً إلى المغرب من فرنسا) تتضمن مقالات متطرفة بحق الدولة المغربية، وتحرّض أنصارها في الداخل على العنف.

ساحات الانتشار

يؤكد المدير التنفيذي لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، محمد حقيقي، أنه "نظراً لشعور المنتمين إلى تيار ما يسمى السلفية الجهادية بالاستضعاف في بلدانهم وتعرّض بعضهم لانتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان، وموقفهم من قعود دولهم عن نصرة المسلمين والأقليات المسلمة في بعض مناطق العالم، في الوقت الذي انحازت إلى الولايات المتحدة بدعوى محاربة الإرهاب، فقد اعتبروا ذلك استهدافاً لوجودهم ورغبة في استئصالهم، ولذلك، كلما ظهرت بؤرة للتوتر، فيها تدخل أجنبي سرعان، ما انتقلوا إليها، سواء في مالي أو العراق، أو سوريا".

وأضاف أن ما يسمى السلفية الجهادية في المغرب لا تمثل مكوناً منسجماً، بقدر ما هي تيار يوجد إلى جانب العلمية أو العقدية، لذلك لا يمكن القول إن التعديل الأخير لقانون مكافحة الإرهاب قد قسّمها إلى اثنين، واحد يركّز على المغرب وآخر على الخارج، فـ"الجهاد" حتى الساعة، بالنسبة إليهم، هو في المناطق التي يقع فيها تدخل أجنبي ضد المسلمين بحسب اعتقادهم، وكانت الساحة السورية أكثر استقطاباً لهم، لأنه اجتمع فيها التدخل الأجنبي الذي يعتبرونه "صليبياً"، وتدخل إيران و"حزب الله" الشيعي، فضلاً عن انتقال المقاتلين من العراق وإنشاء ما يسمى تنظيم "داعش".

موجات غضب

وفي تفسيره لأسباب التطرف في المنطقة المغاربية، يعتبر أنور بوخرص الباحث في برنامج مؤسسة "كارنيغي للسلام الدولي"، أنه بعد قرابة عقد من الانتفاضات العربية، تغلي موجات غضب في المناطق النائية في المغرب الكبير، ونظراً لندوب تاريخ إهمال الدولة، مع ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من ثلاثة أضعاف مثيلتها في المناطق الحضرية، تحولت هذه الحدود من السخط إلى حاضنات لعدم الاستقرار، مضيفاً أن المرارة والغضب والإحباط من الحكومات التي يُنظر إليها على أنها مليئة بالإساءات والفساد تمثل مزيجاً قابلاً للإشعال احتبس منذ عقود ما أدى إلى الفتنة والاضطراب الحاليين.

وأشار إلى أنه في خضم مؤسسات الدولة ذات الصدقية، والتدفقات غير المشروعة للأفراد والسلع عبر الحدود بما فيها الأسلحة والمخدرات، بدأ التشدد والتجنيد في التوطيد خصوصاً بين الشباب، ومركز الثقل لهذا المزيج هي المناطق الحدودية المهمشة، من منطقة الريف الشمالية في المغرب إلى أبعد مدى في المناطق الجنوبية المضطربة من الجزائر وتونس.

وكانت الاستجابة الحكومية محدودة للغاية مع التركيز المفرط على الأساليب الأمنية القاسية التي تؤدي في الغالب إلى المزيد من الاستقطاب في المجتمعات وإلى تفاقم خيبة الأمل لدى الشباب، وفي الوقت الذي تحاول الحكومات اللحاق بخطر الإرهاب المتحول باستمرار، ومع تهديد عودة المقاتلين المغاربيين من العراق وسوريا وليبيا، يؤدي الانفصال بين الدولة والمناطق المهمشة إلى سحب هذه الدول إلى حلقة مفرغة من العنف والقمع، ما يتطلب من الحكومات في المنطقة إعادة التفكير في نهجها على حد تعبير بوخرص.

الجزائر بين الأمازيغ وإرهاب العشرية السوداء

 

عرفت الجزائر أولى بوادر التطرف خلال الاحتلال الفرنسي للبلاد، فبينما التزم التيار الإسلامي الصمت إزاء التحرك من أجل الاستقلال، عرف التيار الأمازيغي تطرفاً لفظياً مع قادة الحركة السياسية الجزائرية التي تدعو للاستقلال، كاد يعصف بكل الجهود، بعدما اعتبر الطرف الأول أن العرب يسعون إلى تهميشهم.

التطرف الأمازيغي

وشهدت الجزائر عام 1949 حدثاً بارزاً اعتبره المؤرخون "أزمة"، بعدما رفض بعض قادة حزب الشعب الجزائري، الذي كان يرأسه مصالي الحاج، التوجه القائم على الاعتراف بالبعد العروبي والإسلامي للشعب الجزائري، من دون المكون الأمازيغي، لتبدأ رحلة التطرف "الأمازيغي" الذي بلغ حد المطالبة بالانفصال عن الجزائر بقيادة فرحات مهني، رئيس الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل، الذي دعا إلى تكوين فصائل مسلحة لحماية الشعب القبائلي من أي تهديد يمكن أن يأتيه من قوات الأمن الجزائري.

ومع أن التطرف الأمازيغي ظهر في 1949، غير أنه ظل مهمشاً أو في خانة التجاهل، عكس التطرف الديني الذي خرج إلى العلن بعد رفض السلطة الجزائرية الاعتراف بفوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البرلمانية في 1992، حيث لم تمض سوى أيام على تجاذب سياسي بخصوص ذلك، حتى برزت المؤشرات الأولى إلى العنف بعمليات مسلحة استهدفت بعض رجال الأمن على مستوى العاصمة، وتوسعت إلى بقية المحافظات، قبل أن يتطور الأمر أكثر ويتبين أن جماعات دينية متطرفة، تنضوي تحت حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، تقود حرباً ضروساً ضد كل ما يرمز للدولة الجزائرية بما فيها الشعب. كانت "الجماعة الإسلامية المسلحة" و"الحركة الإسلامية المسلحة" و"الجبهة الإسلامية للجهاد المسلح" و"الجيش الإسلامي للإنقاذ" وهو الجناح المسلح للجبهة الإسلامية للإنقاذ، أهم التنظيمات التي قادت الصراع ضد النظام الجزائري، واعتمدت في ذلك على عوامل مثل القيام بعمليات تفجير وقتل داخل المدن الأمر الذي أدى إلى سحب الدرك والشرطة إلى الداخل، وتنفيذ عمليات ضد الجيش بتفجير العبوات الناسفة والقذائف بالاستفادة من خصائص الطرقات بين جبال غابية كثيفة. بالإضافة إلى قتل عائلات أفراد الجيش والشرطة وتصفيتهم لدفع الشباب إلى عدم الالتحاق بهما وتلغيم الطرق والغابات لمنع تقدم الجيش في الجبال. اعتمدت تلك التنظيمات أيضاً استغلال مشاعر الشباب.

العشرية السوداء

وقد انتشرت الأعمال الإرهابية في البلاد بشكل لافت مع منتصف التسعينيات، عندما طالت مئات المواطنين الأبرياء والعزل في مختلف المناطق، في شكل مجازر جماعية أثارت وقتها الرأي العام الداخلي والخارجي، ليأخذ الصراع منعطفاً خطيراً باستهداف المطار بانفجارات راح ضحيتها 9 قتلى وإصابة 128 آخرين بجروح، إضافة إلى قتل شخصيات ورموز عسكرية ودينية وجامعية وسياسية وحكومية، لتتحول المعركة من استعادة الحقوق إلى إسقاط الدولة، وقد بلغت الخسائر البشرية أكثر من 200 ألف قتيل و40 ألف طفل يتيم وآلاف المفقودين والجرحى، أما الخسائر المادية فقدرت بأكثر من 30 مليار دولار.

في تونس من "الأزارقة" الى "حركة النهضة"

 

عرّف المؤرخ التونسي رياض مرابط في لقاء مع "اندبندنت عربية"، التطرف بـ"أنه اتخاذ موقف قُصوَوِي من أمر هو في الأصل معتدل". وأضاف أن "التديّن أمر طبيعي وفطري في الإنسان، إلا أن المغالاة في ذلك المعتقد واعتباره علّة الوجود، هو الذي ينزع بالشخص إلى التطرف، فهو بالتالي إخراج معتقد ما من طابعه الأصلي، إلى طابع فيه غلوّ وعدم احترام لسُنن الطبيعة".

اليسار

واستحضر مرابط النصوص الإسلامية القديمة التي كانت تصف المتطرفين بالغُلاة، ومن بينهم فرقة "الأزارقة" التي تشبه كثيراً فرق "الدواعش" اليوم، وتقوم على تكفير المخالفين وتستبيح دماء السلطان ومَن والاه. وعن التطرف في تونس، قال إنه "بدأ كظاهرة محلية، يمكن معالجتها والتعامل معها وانتهى بتطرف تقف خلفه أيادٍ أجنبية". وأضاف أن "التطرف في البلد ظهر مع اليسار بعد الاستقلال، وهو تطرّف ماركسي يساري، مع مجموعات العمل الثوري التي لم تكن تؤمن وقتها بالتغيير السياسي وتعتقد بالعنف الثوري، وذلك نتيجة عجزها عن مقارعة نظام الحزب الواحد وأجهزته القمعية. ولمواجهة هذا التطرف، شجعت الدولة التونسية وقتها، التطرف الديني الإسلامي، عبر المجموعات الإخوانية (الاتجاه الإسلامي) للَجْم الحركات اليسارية".

بدايات متطرفة

وتابع أن "حركة الاتجاه الإسلامي (تعمل حالياً تحت اسم حركة النهضة) كانت منذ بداياتها، حركة متطرفة ذات حسابات سياسية، تجسّدت بشكل لافت بعد الثورة عام 2011، من خلال تهافتها على الحكم وسماحها لمجموعات سلفية متطرفة قريبة منها بالنشاط، إلى أن احتدّت الأزمة عام 2013، إثر تنامي العمليات الإرهابية والاغتيالات السياسية ليتمّ تصنيف أنصار الشريعة، تنظيماً إرهابياً من قبل وزارة الداخلية".
ويذكر أن "أنصار الشريعة"، مجموعة تأسست عام 2011 على يد سيف الله بن حسين، المكنّى بـ"أبي عياض". وعقدت أول مؤتمر لها في القيروان (شمال) في مايو (أيار) 2012، بحضور حوالى 5 آلاف من المنتسبين، ما اعتُبر بمثابة تحدٍّ للدولة التونسية وقوات الأمن.

الاغتيالات السياسية

وشدّد المؤرخ رياض مرابط على أن "التطرف في التاريخ، ارتبط دوماً بالعجز عن المواجهة المتكافئة، فيتمّ اللجوء إلى الاغتيالات بعيداً من المعركة التقليدية المتوازنة، وهو ما عاشته تونس خلال مرحلة الاغتيالات السياسية التي كادت أن تدخل البلاد في صراعات دموية".

وشهدت تونس أول اغتيال سياسي بعد الثورة، في 6 فبراير (شباط) 2012، إذ قُتل المعارض اليساري شكري بالعيد، الذي عُرف بانتقاده اللاذع لـ"حركة النهضة"، التي كانت في الحكم حينها.

واستهدف الاغتيال السياسي الثاني النائب في البرلمان محمد البراهمي، في 25 يوليو (تموز) 2013 (يوم عيد الجمهورية).
ولم يكشف القضاء التونسي إلى اليوم عن الفاعل الحقيقي للاغتيالَيْن، بينما تطالب الأوساط الديمقراطية واليسارية وعدد من المنظمات الوطنية في البلد، بتحميل المسؤولية السياسية المباشرة لـ"حركة النهضة".

استثمار الأزمات الاجتماعية

ويجمع الخبراء على أن التطرف يستثمر في الأزمات الاجتماعية ويعمل على استغلال اليائسين اجتماعياً والمحبطين اقتصادياً، وهو ما حدث في تونس. وتكشف خريطته عن أن التنظيم الإرهابي الأكثر دموية في البلاد، الذي ألحق خسائر كبيرة في صفوف عناصر الجيش والأمن التونسيَين، هو "كتيبة عقبة بن نافع" الذي يدين بالولاء لـ"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ويتخذ من جبال محافظات الكاف وجندوبة والقصرين مناطق لتحركها، وهي محافظات غربية محاذية للجزائر.

ونجحت القوات الأمنية والعسكرية التونسية، بحسب بيانات لوزارة الدفاع والداخلية في القضاء على قيادات بارزة في الكتيبة، من بينها لقمان أبو صخر ومراد الغرسلي.
 

أزمة المدرسة الوطنية

ومن ناحية أخرى، أكد المؤرخ رياض مرابط أهمية "العنصر الخارجي الذي يستخدم التطرف لأجندات معينة"، لافتاً إلى أن "التطرف في تونس منذ عام 2011 وإلى اليوم يرتبط بعلاقات خارجية معلومة".

وأرجع أسباب تنامي التشدد إلى "الأزمة الثقافية وأزمة المدرسة الوطنية وفشل النظام التعليمي، إذ نشأت أجيال معرفتها بالدين سطحية".

وفي المحصلة، بدا مرابط متفائلاً "بانحسار التطرف في تونس مع ضمور الإسلام السياسي وتراجعه بشكل واضح مع فقدانه للحاضنة الاجتماعية"، لافتاً إلى "ظهور تطرّف من نوع جديد أنتجته الأسباب الاجتماعية والفكرية ذاتها"، مؤكداً أن "الشعب يدرك جيداً أن هذا التطرف لا مكان له في البلاد".
من جهته، رأى أستاذ التاريخ في جامعة منوبة، وزير التربية السابق ناجي جلول أن "حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة) هي حركة إخوانية متطرّفة"، مستدلاً على ذلك بـ"إهداء زعيم الحركة راشد الغنوشي لكتابه: الحريات العامة في الإسلام، لآبائه الروحيين وعلى رأسهم حسن البنا وأبو العلاء المودودي وسيد قطب".

واعتبر أن "جماعة الإخوان المسلمين وفروعها هي أحزاب تكفيرية"، مشيراً إلى أن "التطرف في الوطن العربي، بدأ مع أزمة الدولة العربية، لأن الجماعات الإسلامية لا تؤمن بالمؤسسات، وهي حركات تستثمر ضعف الدولة".

"على النهضة أن تعتذر للتونسيين"

واستحضر جلول ما حدث في تونس بعد عام 2011، حين شكّلت الحركات السلفية، مجموعات تعمل على نشر الأمن في عدد من الأحياء السكنية تحت مسمّى "الشرطة السلفية"، كما وزّعت المساعدات لعدد من العائلات، معتبراً أن "هذه المجموعات لا تؤمن بالدولة".

وقال إن "الإسلام السياسي في تونس، كان أداة فعلية لتخريب الربيع العربي، من خلال التدخّل الخارجي لفرض أجندات سياسية متطرفة". وأضاف أن "حركة النهضة لم تقطع مع تراثها الإخواني، وهو تراث جهادي تكفيري"، داعياً إياها إلى الاعتذار للتونسيين، مع الإشارة إلى حركات متطرفة أخرى في العالم قطعت مع ماضيها وتاريخها الإرهابي.

ولفت جلول إلى أن "حركة النهضة قد تندثر من المشهد السياسي، طالما لم تحسم مسألة علاقتها بتنظيم الإخوان وبالتطرف".

التطرف والحاضنة الاجتماعية

وفي إجابته عن سؤال يتعلق بالحاضنة الاجتماعية للتطرف في المجتمع التونسي، أكد وزير التربية السابق أن "التطرف وجد فعلاً حاضنة في المجتمع، بسبب التصحّر الفكري والثقافي والتهميش الاجتماعي"، معتبراً أن "الإسلام السياسي، ما زال يهدّد تونس بسبب عودة الخطاب الحادّ إلى البرلمان، إضافة إلى تنامي منسوب العنف في الفضاء الافتراضي".

ولمواجهة هاتين الآفتين، تبقى الوحدات الأمنية والعسكرية في تونس يقظةً في حربها ضد التطرف والإرهاب، من خلال تعزيز قدراتها وتكثيف عملياتها الاستباقية.

وصرّح وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين خلال جلسة استماع أمام لجنة الأمن والدفاع في البرلمان أخيراً، أن "الوحدات الأمنية تمكّنت منذ بداية عام 2020 وبدعم من المؤسسة العسكرية، من الكشف عن 33 خلية تكفيرية، واعتقال أكثر من ألف شخص بتهمة الاشتباه في انتمائهم لتنظيمات إرهابية متطرفة في مختلف أنحاء البلاد، إلى جانب الكشف عن مخابئ لصنع المتفجرات في المرتفعات الغربية على الحدود مع الجزائر".

واستناداً إلى تقارير للأمم المتحدة، بقي 80 متمرّداً متطرفاً فقط في المنطقة الجبلية على طول الحدود التونسية مع الجزائر، 50 من "كتيبة عقبة بن نافع" و30 من تنظيم "داعش".

ولا يزال خطر التطرف محدِقاً بتونس، طالما أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية مستمرة، فالتطرف ينتعش في بيئة التهميش والفقر، لذلك فإن الدولة مدعوّة إلى اعتماد مقاربة اجتماعية تنموية لمعالجة جيوب الفقر والعمل على خلق الثروة الحقيقية ودمج الاقتصاد الموازي في الدورة الاقتصادية الوطنية من أجل إنصاف المناطق الحدودية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات