Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مغادرة أوروبا من دون اتفاقية تجارية أفضل من البقاء ضمن الاتحاد

النفاق حول ما يسمى "الفرص المتكافئة" بلغ حداً رهيباً

صراع ضد الزمن في المفاوضات الصعبة في بروكسل للوصول إلى اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا حول بريكست (غيتي)

"واو واو وأكثر من واو! على حدّ تعبير العرافة في مسلسل "آب بومباي"! (Up Pompeii! مسلسل كوميدي على التلفزيون البريطاني اشتهر بين العامين 1969 و1970، بطولة فرانكي هوارد)، فالمُتنبئون بالقدر المشؤوم منهمكون اليوم في رهطهم الكالح بعرض أسوأ ضروب العوالم المحتملة، ونحن ندنوا أكثر فأكثر من النهاية البائسة للحلم الأوروبي.

يقولون لنا إنه في غياب اتفاق، وانعدام مظلة بروكسل الواقية، فإننا سنكون مكشوفين تماماً أمام العاصفة المقبلة. فمرافئنا المزرية سلفاً ستتوغل أكثر في الفوضى. وهكذا سيغدو مرفأ "كينت" أكبر موقف للشاحنات في العالم، حيث تتقاطرعليه الشاحنات، بأرتال ممتدة لأميال، أمام طريق مسدود. أما الجنيه الإسترليني، فسينهار، وأسعار المواد الغذائية سترتفع، والبطالة ستحلّق. وسيصبح البريطانيون خارج الاتحاد الأوروبي أكثر فقراً وتعاسة. فهل يمكننا استمهال "جائحة الضفادع" المرتقبة لفترة طويلة؟

تحملوني قليلاً من فضلكم. وأنا هنا لا أقصد التقليل من الصعوبات التي لا بد أن تواجهنا في حال عدم التوصل إلى اتفاق. بل إنني قد أكون أول المتحمسين لو جرى التوصل إلى أي صيغة اتفاق عقلانية ومنطقية مع جيراننا الأوروبيين. لكن، وكما شهدنا، مرة تلو الأخرى، فإن العقلانية والمنطق العام لا قيمة فعلية لهما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي يبدو أكثر اهتماماً بمعاقبة بريطانيا من اهتمامه بأي سعي للوصول إلى صيغة مقبولة.

خذوا مثلاً ذاك القرار، بالغ الغرابة، الذي اتخذ مع بداية المفاوضات، والقاضي باستبعاد بريطانيا من "مشروع غاليليو" الهادف إلى إطلاق شبكة أقمار اصطناعية أوروبية. إذ على الرغم من حقيقة أن بريطانيا طوّرت الكثير من تقنيات المشروع، وسددت الكثير من أعبائه المالية، فإن "شركاءنا" قرروا فجأة أنه لا ينبغي لنا الوصول إلى بعض المعلومات "التي يجب معرفتها".

قد تقولون، فليكن، إذ الموضوع يبدو تقنياً بعض الشيء، أليس كذلك؟ لكن فكروا بهذا. بريطانيا هي واحدة من أكبر القوى العسكرية قدرةً في أوروبا. ولقدرتنا على الرد تجاه أي تهديد خارجي أهمية كبرى، ليس فقط بالنسبة لنا، بل أيضاً لجيراننا. إنه أمر يساعد في الحفاظ على السلام. وما يساعد أيضاً في ذلك هو وصولنا إلى المعلومات المشفرة التي تبثها الأقمار الاصطناعية. غير أن أصحاب القرار في بروكسل مستعدون كامل الاستعداد لتقويض أمن الناس الذين يفترض أن يمثلوهم، وذلك فقط لمناكفة بريطانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الموضوع طبعاً لا يقتصر على هذا. إذ إن المفاوضين الأوروبيين يتظاهرون بالاعتقاد أن بريطانيا، حين تغدو خارج الاتحاد، ستتجاوز المبادئ البيئية، وتدعم الصناعات إلى أقصى درجة، وتقوم ما في وسعها للتشويش على الأوروبيين، أصدقاء البيئة والضالعين بالمسؤولية.

وهنا يبلغ النفاق حول ما يُسمى بــ"الفرص المتكافئة" مستوى خطف الأنفاس. إذ يمكن القول– وهذا بالنسبة لي أكيد– أن بريطانيا تحتل موقعاً متقدماً عن أوروبا في المحافظة على البيئة، وصون المعايير الاجتماعية المقبولة. فالحد الأدنى للأجور عندنا هو أعلى من الحد الأدنى في معظم بلدان شركائنا في الاتحاد الأوروبي. وإجازة الأمومة في بريطانيا أفضل حالاً منها في دول الاتحاد. كما أننا قمنا بتخفيض انبعاثات الكربون بمعدل أعلى بكثير من المعدل الوسطي لتخفيض الانبعاثات المذكورة في الاتحاد الأوروبي. ونحن لا ننفق، بأي شكل من الأشكال، على دعم الصناعات بمقدار ما تنفقه فرنسا.

وماذا عن معاملة الحيوانات وصون حقوقها؟ لقد قادت بريطانيا على مدى سنوات المساعي في محاولة حظر التصدير الهمجي للحيوانات الحيّة. وحين حاول مجلس مرفأ "رامسغيت وثانيت" عام 2014 وقف هذه التجارة المخزية، قررت المحكمة العليا أن هذا الحظر غير مشروع بحسب القانون الأوروبي.

أخيراً، وفي وقت سابق من هذا العام، قام نواب في البرلمان البريطاني بإنشاء هيئة تقصي الحقائق للنظر في اتهامات موجهة لبريطانيا بانتهاكاتٍ منتظمةٍ لقواعد الاتحاد الأوروبي حول الاتجار بالحيوانات الحيّة.

توازياً، وفيما يلقننا الاتحاد الأوروبي "دروساً" حول مساوئ الدعم، يقوم في المقابل، ومن دون إحراج، باقتراح انفاق 750 مليار يورو (حوالي 690 مليار جنيه استرليني) لإنعاش الاقتصاد بعد جائحة فيروس كورونا. ومن الواضح أن هذا الانفاق لن تتم تغطيته بمقتضى قواعد الدعم والإعانات الحكومية المعتمدة في بريطانيا. كما أن الأمر لا يقف هنا، إذ إن الإنفاق الذي يقوم به "مصرف الاستثمار الأوروبي" European Investment Bank لن يعتبر في حد ذاته دعماً (في بريطانيا). فنحن أمام معايير مزدوجة، حيث أن هناك قانوناً يخص أوروبا، وآخر ينطبق على بريطانيا.

بعد هذا كله، هل يمكن القول إنه كانت هناك في يوم من الأيام مفاوضات حقيقية بين الطرفين؟ فالاتحاد الأوروبي لا يطلب فقط بإلحاح من بريطانيا الانصياع لكل نقطة وفاصلة في القانون الأوروبي، بل يريد من لندن أيضاً التقيّد بأي قانون جديد يخطط الاتحاد لتمريره مستقبلاً. من هنا، فإن ما نشهده راهناً ليس أقل من محاولة لتحويل بريطانيا إلى مجرد مقاطعة ضمن الإمبراطورية الأوروبية الأوسع. وتلك وضعية لا يمكن لأي بلد يحترم نفسه الموافقة عليها.

إذن نعم، قد تكون هناك مشكلات تنتظرنا. بيد أننا سبق وواجهنا مشكلات أصعب ونجحنا. وفي النهاية بقينا أمة حرة، سيدة، ومستقلة لآلاف السنين قبل أن ننضم إلى الاتحاد الأوروبي. وأداؤنا لم يكن سيئاً آنذاك، أليس كذلك؟

© The Independent

المزيد من آراء