Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ميريل ستريب من أقل الممثلين تقديرا في هوليوود

تبدو بطلة فيلم "الحفلة الراقصة" مشغولة دوماً وتحصد الجوائز. وثمة استخفاف بأدائها وميل إلى اعتبار أعمالها جدالية أكثر من جدارتها بالاحتفاء والثناء

منذ فترة طويلة، كرست ميريل ستريب ممثلة من طراز رفيع (غيتي)

أدركت ميريل ستريب إبان تسلمها للمرة الثالثة في حياتها جائزة الأوسكار في 2012، ما فكر فيه الجميع آنذاك. ومازحت الحضور من خشبة المسرح، "لدي شعور أن بوسعي سماع نصف الشعب الأميركي يقول "آه لا! آه هيا، لماذا؟ هي؟ مرة أخرى!؟" وقد بدا كلامها ذاك تواضعاً وإنكاراً للذات، واستدعى أيضاً الضحك لأنه تضمن شيئاً من الحقيقة. إذ إن ستريب، المكرمة دوماً، التي تحظى بموقع راسخ داخل المؤسسة السينمائية وحازت أكبر عدد ترشيحات لجائزة الأوسكار في تاريخ جوائز الأكاديمية، فازت في ذلك الحفل بجائزة أوسكار جديدة.

ولم يتعلق مزاح ميريل ستريب ذاك بموسم الجوائز الذي يحيل حتى أكثر النجوم شعبية إلى مجرد أشخاص نود أن نتلافى رؤيتهم قليلاً. بالأحرى، تعلق المزاج بمسألة "إرهاق ميريل ستريب" بوصفها المشكلة الأساسية التي تعاني منها الممثلة منذ أن جرى الإقرار ببراعتها. وعلى الرغم من الأداء العظيم في عدد من الأعمال التي تستمر في تقديمها، وآخرها هذا الشهر عبر منصة "نتفليكس" وهو العمل المفعم بالحيوية لستيفين سوديربيرغ "دعوا الجميع يتكلمون" Let Them All Talk، فيما يتمثل العمل الآخر في  الغنائي القاتم الذي يحمل عنوان "الحفلة الراقصة" The Prom.

واستطراداً، يثور حول العملين كلام من قبيل "إذن، ماذا!". ويشير ذلك إلى أن عظمة ستريب التي لا تُنفى، باتت تُعامل كأنها شيء محتوم، معتاد جداً، ومضجر، بل إن ذلك يطغى على كل ما تفعله. وتالياً، يبلغ الأمر اليوم حد عدم التقدير. بجدية. إذ إن الكلام حول أدائها لا يدور في الواقع إلا إذا كان كلام تهكم واستخفاف.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلنت صحيفة "نيويورك تايمز" عن أعظم 25 ممثلاً في القرن الـ21 اختارتهم، وأوردت في لائحتها من لا يختلف اثنان حول عظمتهم (من بينهم دينزل واشنطن وإيزابيل هوبيرت)، وآخرين ممن اعتبر وجودهم في اللائحة مفاجأة جميلة (حل كيانو ريفز في المرتبة الرابعة!). بيد أن ميريل ستريب غابت عن كل ذلك. وقد استدعى الأمر غضباً معتدلاً، وأيضاً نوعاً من الارتياح ضمن بعض الدوائر في الأقل. وقد أورد الكاتب الأساس في مجلة "فولتشير" Vulture أليكس يونغ على صفحته في منصة "تويتر" تغريدة تضمنت "تملكني الرعب من كون ميريل ستريب في المرتبة الأولى حينما اقتربت من نهاية اللائحة".

وبعد أسبوع من نشر تلك المادة الحيوية، عاودت "نيويورك تايمز" نشر موضوع ملحق، تجيب فيه عن بعض الاسئلة التي طرحت عقب ظهور المادة الأولى، من بينها أسئلة تعلقت بغياب ميريل ستريب عن لائحة الممثلين. وفي ذلك السياق، كتب الناقد إي أو سكوت "قدمت ستريب بعضاً من الأداء الجيد جداً في العقدين المنصرمين. لكنها أيضاً قدمت أداءً لم يكن جيداً أبداً، واتسم بالتكلف والمبالغة. سجلها أكثر تفاوتاً مما قد يعتقد جمهور معجبيها".

سكوت على صواب. إذ إن سيرة ميريل ستريب المهنية في الآونة الأخيرة ليست باهرة. فمقابل "نساء صغيرات" Little Women و"ريكي والوميض" Ricki and the Flash (وقد بدت فيه شاحبة متصنعة في دور موسيقية نرجسية)، يبرز "أغسطس: مقاطعة أوساج" August: Osage County أو "أكاذيب صغيرة كبرى" Big Little Lies، التي تندرج ضمن المشاريع التي لاكت فيها ستريب السيناريوهات، أو اعتمدت فيها على الخدع البصرية (الأسنان الاصطناعية والشعر المجنون) كي تنهض بقوام حضورها. لكن، ونظراً للهالة الأسطورية التي أحاطت بستريب في معظم مسيرتها، لا يستحضر أداءها في أعمال كهذه باعتباره مجرد هفوات. بل يعتبر إشارات، وعلامات، أو حتى أدلة على أنها، وفي أقل قول ممكن، لم تكن بهذا المستوى الجيد.

على أن هذه المقاربة ليست جديدة. فلطالما واجهت ستريب المنتقدين. وفي الحقيقة، (يرجع ذلك إلى) أواخر السبعينيات من القرن العشرين، عندما توجتها مقالات كثيرة تناولت أفلامها وأداءها بالمسرح كواحدة من أفضل أبناء جيلها (أو الأفضل على الإطلاق، في بعض الحالات). وفي موازاة ذلك كله، ومع إحاطة مشهودة عن أعمالها المبكرة (التي ضمت أعمال حازت على جائزة أوسكار مثل "كرامر ضد كرامر" Kramer vs Kramer و"قرار صوفي" Sophie’s Choice)، صدرت أصوات تناقض الضجيج السائد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا السياق، جاء الكلام الأكثر حدة من الناقدة السينمائية المحترمة بولين كايل التي عبرت مراراً عن عدم إعجابها بأداء ستريب التمثيلي. وكتبت كايل أن ستريب كانت "باردة" (أو "جليدية") في "كرامر ضد كرامر"، وتابعت الناقدة "تقنيتها لا تضيف إلى أي أمر شيئاً". وفي مراجعتها عن أداء ستريب في "قرار صوفي" بدت كايل سلفاً وقد سئمت من النجمة. إذ ذكرت "كالعادة، لقد أضافت ستريب الأفكار والمجهود إلى العمل. لكن ثمة شيء متعلق بها يحيرني. وبعد مشاهدتها في الفيلم، فإني عاجزة عن تصورها من العنق ونزولاً. هل من الممكن أنها كممثلة أحالت نفسها فراغاً، ثم وجهت كل انتباهها إلى شيء واحد، قمة رأسها مثلاً، أو لهجتها؟ إذ ربما عن طريق اعتماد تكثيف غير مبرر في إحدى نواحي الأداء. في الحقيقة، إنها تعيد بلورة ذاتها وإبرازها. وربما يفسر ذلك عدم ظهور البطل أو البطلة في أفلامها بمظهر مكتمل الشخصية، وعدم توفر متع تلقائية عبر مشاهدة تمثيلها".

واستطراداً، لقد بقيت أفكار كايل النقدية هذه تجاه ميريل ستريب، خصوصاً فكرتها التي تعتبر فيها أن أداء ستريب بمجمله ليس سوى قدرات تقنية وقليل من الروح، بقيت حاضرة في الأوساط النقدية. ويصح ذلك على الرغم من استهلال الفكرة المذكورة، في أغلب الأوقات، بشيء من التحفظ النابع من عقدة ذنب، كما لو أن انتقاد ستريب يماثل انتقاد الآلهة. وعن ذلك الأمر، كتب الناقد المسرحي تشارلز ماكنولتي في صحيفة "لوس أنجليس تايمز" في 2012، "ثمة عدد من أصدقائي الذين يقرأون كثيراً والضليعين بالثقافة النخبوية، لكنهم لا يكتفون بعدم الاكتراث في عظمة ميريل ستريب، بل ينفرون منها. إنه أمر صادم. ولقد كانوا محقين في الخجل من الاعتراف به".

في المقابل، أظهر نقاد آخرون صراحة أكثر في الموضوع. وفي مقالتها عن فيلم "أغسطس: مقاطعة أوساج" المنشورة في "فيليج فويس" The Village Voice، أعلنت ستيفاني زاكاريك بأسلوب هزلي تهكمي إن "نظرة ستريب تذيب كل ممثل يواجهها. لو أنها من أعداء "باتمان" "الرجل الوطواط"، لكان سيطلق عليها اسم "الممثلة" The Actress".

لا أحد يُمثل كميريل ستريب. إنها، كما يدعي عديد من منتقديها، مخزن من الحركات والتقنيات. وسيكون بوسعك تصور عدد من إيماءات ستريب وحركاتها الشهيرة في ذهنك. يشمل ذلك التعابير في وجهها، وأطراف أصابعها على فمها، وحركة عينيها، وتلك الابتسامة المتحفظة والماكرة. ولقد وُسِمت تلك الحركات والإيماءات على مدى عقود، بوسم "ستريبي" (اشتقاقاً من ميريل ستريب). وذات مرة، أدت ديبي رينولدز تقليداً متقناً لستريب في عرض تلفزيوني، وذلك من دون التلفظ بكلمة واحدة، وقد حدث ذلك في 1996.

واستطراداً، يعني ذلك كله أن أداء ستريب يندر أن يتسم بالسلاسة والاسترسال الحر، بل إنه أداء منضبط ومشغول عليه بوضوح. ويظهر ذلك الأداء في أعمال كـ"أغسطس: مقاطعة أوساج"، فيغدو طاغياً وزائداً عن حده، فيشبه أداء قطط محبوسة في كيس تكافح كي تتنفس. وفي كل الأعمال الأخرى تقريباً، يأتي أداؤها متسامياً أو متعالياً.

 

في فيلم "الشيطان يرتدي برادا" The Devil Wears Prada الذي أدت فيه دور ميراندا بريستلي وهي من أقطاب مجلات الأزياء والموضة، اتسم عملها بالدقة الفائقة من ناحية التوقيت الجسدي والكلامي، ولأسباب وجيهة. إذ تولي ستريب انتباهاً تاماً للحظات الخفة والنظرات. وتسارع إما إلى تلفظ كلماتها بسهولة رهيبة، أو تهمسها بتباطؤ ممنهج "لماذا لا أحد منكم جاهزززًا" Why is no one readddddyyy، تزمجر ستريب أثناء اجتماع ما في إحدى مشاهد الفيلم.

في ذلك السياق، تبدو ستريب على الدوام كأنها تفكر وتومض بين العواطف، والتواريخ، والمواجهات، والتجارب، التي تعبر في وجهها كفواصل ضوئية. ويبدو ذلك جلياً في فيلم "الساعات" The Hours، حين تتأمل في جميع ملامح وومضات السعادة أثناء استلقائها على السرير بجانب ابنتها. وكذلك الحال في فيلم "تأقلم" Adaptation، حين لا يمكنها أن تحدد إن كانت محتارة في أمر كريس كوبر، أم أنها واقعة في حبه. وذاك أيضاً يبدو جلياً في "الموت يغدو هي" Death Becomes Her حين تتقلب في لحظات بين العبث والأذى، وبين الذهول، بهيئتها وحماستها الطبيعية الحقيقية.

ويضفي كل ذلك النشاط والحركة على ميريل ستريب، حيوية مثيرة أمام الكاميرا. إنها ممثلة لا يمكن وصفها بمجرد التواضع. ولماذا أداء تعبير وحيد في الوجه، فيما يمكن التحليق بسبعة تعابير؟ بيد أنها نادراً ما تتوسع في أدائها، إلا إذا ألح الدور عليها في ذلك. تكمن قوتها في الإلماحة، أو الغرابة، وأحياناً تنخرط في رحلة غير متوقعة عبر سطر من حوار ما. وغالباً، لا يمكن الوقوع على ذلك عند أندادها، بل يشكل إحدى سماتها الرائعة.

واستكمالاً، سيتطلبها الأمر أياماً عدة على الأرجح كي تلمع أوسمتها وميدالياتها المحفوظة في الخزائن. لذا، لا ينقص ستريب التكريم في أي معنى من المعاني. وفي المقابل، لقد غدت على نحو غريب، غير مقدرة حق قدرها، إذ يُنظَر اليوم إلى مجموع مهاراتها وحضورها أمام الكاميرا باعتبارها أشياء محسومة. كذلك نميل أيضاً إلى تسطيح قصتها، متجاهلين قمم تجربتها وقيعانها، كي نتخيل مجداً نقياً مستداماً. واستطراداً، يؤدي ذلك إلى جعل الوقت الذي أدت فيه أدواراً خاطئة، يبدو أكبر حضوراً وأكثر عمقاً مما ينبغي له. ويختصر ذلك كفاحات تجربتها. في 1994، كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالة تساءلت فيها إن كانت ستريب بلغت آخر رمق من حياتها المهنية. إذ ذكرت الصحيفة أنه "في عقد السنوات الأخير، اعتُبرت الممثلة ذات مرة المعادل الأنثوي للمثل البريطاني الشهير لورنس أوليفييه، لكنها انتقلت من النجاحات المنقطعة النظير إلى خيبة شبابيك التذاكر".

في المقابل، استمرت ميريل ستريب، ولا يزال أداؤها مبهراً. علينا أن نعترف لها بذلك، حتى إذا لم نشعر بوجوب تقديم هذا الاعتراف.

 

تبدأ عروض "الحفلة الراقصة" The Prom على منصة "نتفليكس" الجمعة 11 ديسمبر (كانون الاول). وسيُطلق "دعوا الجميع يتكلمون" Let Them All Talk  في 2021  

© The Independent

المزيد من سينما