Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف سيؤثر حفل وخطاب تنصيب بايدن في رئاسته؟

سعى الرئيس المنتخب إلى صياغة شرعيته من خلال تأكيد فكرة المقارنة والتباين بينه وترمب

لأسباب عديدة، سيكون حفل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن مختلفاً عمن سواه في التاريخ الأميركي، فانتشار وباء كورونا والصعوبات المتعلقة بنقل السلطة وإصرار ترمب على أنه فاز في الانتخابات، على الرغم من خسارته معركة حاسمة في المحكمة العليا، والتوقعات المتزايدة من أن يعلن في التوقيت نفسه إطلاق حملة انتخابه للعام 2024، كل ذلك سيضفي أجواء غير مألوفة، بل ومقلقة على حفل تنصيب الرئيس الجديد.

وعلى الرغم من القيود التي يتوقع أن تُفرض بسبب الوباء، وتقليص الاحتفال ليكون افتراضياً في كثير من جوانبه، إلا أن البعض يطالب بايدن بالحفاظ على أجزاء من التقليد التاريخي لحفل التنصيب، لأنه سيرتبط بشرعيته كرئيس في الذاكرة الأميركية، وببرنامج وخريطة عمل رئاسته الذي ينتظره الناس، كما يريدون منه أن يكون خطابه قوياً موحداً للأمة الأميركية.

شرعيتان لبايدن

وعلى الرغم من فوز بايدن في الانتخابات، إلا أن فوزه بانتقال السلطة هو سؤال آخر، نظراً لأنه يمثل اختباراً للرئيس المقبل، وقد يكون محفوفاً بمخاطر عديدة ليس أقلها تسارع جائحة فيروس كورونا، ووفاة أكثر من ثلاثة آلاف شخص كل يوم وتراجع فرص العمل، في وقت وافق فيه الرئيس الحالي دونالد ترمب على مضض على انتقال السلطة، لكنه يبدو مصمماً على إنكار شرعية خليفته ويخطط للإعلان عن ترشيح نفسه لانتخابات 2024 في يوم التنصيب.

وفي الفترة الانتقالية المتبقية، يبدو أن بايدن بحاجة إلى إنشاء نوعين من الشرعية، شرعية جوهرية تتمثل في أن يُظهر للأمة أنه يمتلك الكفاءة في اختياراته لإدارته الجديدة، وشرعية رمزية عبر تنظيم احتفال خلال حفل تنصيبه.

نظرية الأضداد

وسعى الرئيس المنتخب إلى صياغة شرعيته من خلال تأكيد فكرة المقارنة والتباين بينه والرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، بما يتوافق مع ما ذكره المستشار السياسي الديمقراطي ديفيد أكسلرود منذ فترة طويلة، حول نظرية الأضداد في الانتخابات الرئاسية، التي تقول إن الناخبين غالباً لا يسعون للحصول على نسخة طبق الأصل من الرئيس الحالي، لذلك السبب يعتقد الرئيس المنتخب بايدن أن جزءاً مهماً من سبب فوزه في الانتخابات يعود إلى أن الناخبين رفضوا دونالد ترمب، بالتالي فقد سعى إلى تأكيد التباين بينه وترمب خلال الفترة الانتقالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فعندما تقدم بايدن في الانتخابات من دون حسمها بشكل نهائي، انتظر نائب الرئيس السابق النتائج مع بقية الشعب الأميركي، ورفض إعلان النصر، وإن كان قد عبر عن شعوره بالرضا عن النتيجة في ذلك الوقت، وهو ما شكل تناقضاً واضحاً تناقض مع سلوك ترمب طوال فترة ولايته، وحينما أصبح فوزه بالنتيجة واضحاً، لم يكتف بايدن في خطابه للشعب الأميركي يوم السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) بالدعوة إلى الوحدة الوطنية، بل شارك المنصة مع نائبته المنتخبة كامالا هاريس في إشارة إلى أنه يخطط للحكم ليس كفرد متسلط، ولكن كجزء من فريق.

ملامح التباين

 مع بدء تشكيل إدارة حكمه الجديدة، عززت خياراته للمناصب الحكومية فكرة العمل الجماعي، واتخذ قراراته بهدوء، وقدم فريقه في بيئة رصينة من دون تردد علني أو تسريبات صحافية، قبل أن يدلي كل منهم بملاحظات تؤكد التزامهم الصدق والأخلاق.

ومن الواضح أن بايدن عازم على فصل إدارته عن الإدارة السابقة، عبر صياغة شرعيته من خلال إظهار إيمانه بالعمل الجماعي والأخلاق والكفاءة والخبرة.

وظل بايدن أكثر المرشحين خبرة الذين انتُخبوا لرئاسة الجمهورية، ومع ذلك، فإن توليه المنصب سيكون صعباً بالنسبة إليه، لأنه كان عضواً في مجلس الشيوخ لعشرات السنين، ونائباً للرئيس باراك أوباما لمدة ثماني سنوات، لكنه لم يكن أكبر مسؤول في البلاد.

مراسم الرئاسة

ولأن الرئيس في الولايات المتحدة هو رأس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية ويُشرع القوانين أحياناً بأوامر تنفيذية لها سلطة القانون، فقد جمع بين يديه سلطات تعادل سلطات رئيس الوزراء البريطاني والملكة في آن واحد، لهذا يرى البعض أن مراسم وعلامات الأبهة الرئاسية التي تصاحب مراسم التنصيب، تجعل للسلطة نفوذاً وهيبة، وأن الأميركيين يحتاجون إلى رؤية بايدن في احتفال رئاسي يليق به في الـ20 من يناير (كانون الثاني) المقبل، كي يتحول "جو" إلى رئيس دولة، تسبق اسمه كلمتا السيد الرئيس، بينما يمنحه خطاب التنصيب فرصة ذهبية لإظهار قدراته الرئاسية، وتوحيد أنصار الحزبين الديمقراطي والجمهوري كشعب واحد، بما يعطيه مكانة القائد للشعب الأميركي، بعد أربع سنوات من النزاعات والانقسامات.

أهمية الاحتفال

لقد أدرك الآباء المؤسسون للأمة الأميركية حاجة الشعب المعنوية للاحتفال السياسي مع انتقال السلطة من رئيس إلى آخر، وعلى سبيل المثال، حين علم جورج واشنطن بانتخابه كأول رئيس للولايات المتحدة في 14 أبريل (نيسان) 1789، غادر منزله في "ماونت فيرنون" بولاية فيرجينيا على عجل، متوجهاً إلى العاصمة الأميركية آنذاك، التي كانت مدينة نيويورك، حيث تحولت رحلته طوال الطريق إلى احتفال كبير بالأمة الجديدة، ففي ترينتون بولاية نيوجيرسي، سارت أمامه 13 شابة يرتدين ملابس بيضاء، وينثرن الزهور فوقه، بينما كان يسير تحت قوس ضخم مزين بالزهور. وفي لحظات كهذه، لم يعد جورج واشنطن مزارعاً نبيلاً، ولا حتى جنرالاً قاتل الإنجليز وحقق الاستقلال، بل رئيساً لدولة وليدة واعدة تحيط به أكاليل العزة والفخر.

غير أنه من غير المرجح أن يقوم بايدن بمثل هذه الرحلة من ويلمنغتون حيث يقيم حالياً في ولاية ديلاوير إلى العاصمة واشنطن، حيث أشارت تقارير إلى أن بايدن قد يتخلى عن كثير من معالم احتفال التنصيب التاريخي، وبدلاً من أن يصل واشنطن على متن الطائرة الرئاسية الأولى، يستقل قطار "أمتراك" الأميركي نفسه الذي استقله من ديلاوير وإليها على مدى 30 عاماً، حينما كان عضواً في مجلس الشيوخ.

شرعية رمزية

إذا كان بايدن يريد أن يؤسس شرعيته الرمزية كرئيس للولايات المتحدة، فسوف يحتاج إلى حفل يُظهر من خلاله تلك الشرعية، مثلما فعل أسلافه من قبل، لكن بالنظر إلى استمرار جائحة كورونا، سيكون ذلك صعباً للغاية كما أظهرت الحملة الانتخابية له خلال الأشهر الأخيرة، حيث لم يكن قادراً على عقد مؤتمرات جماهيرية كمرشح، كما لم يتمكن من إلقاء خطاب الفوز بالانتخابات أمام حشد هائل، مثلما فعل باراك أوباما في غرانت بارك بشيكاغو العام 2008، أو دونالد ترمب العام 2016.

ومن المؤكد أن الاكتفاء بأنشطة افتراضية، وربما حفل صغير تنقله شبكات التلفزيون الأميركية في مبنى الكابيتول، سيحرم الأميركيين من طقوس اعتادوا عليها على مر السنين، وقد يتعين على الرئيس المنتخب ومستشاريه إيجاد طرق لجعل هذه التقاليد الجديدة تمنح رئاسته تفويضاً رئاسياً بالإضافة إلى التقاليد القديمة.

احتفال مختلف

من المنتظر أن تستوعب المنصة التي يجري بناؤها على الجهة الغربية لمبنى الكابيتول 1600 متفرج، لمتابعة الرئيس المنتخب بايدن أثناء أدائه اليمين الدستورية، ويتم إنشاء منصة أخرى أمام البيت الأبيض لتكون جاهزة ليوم التنصيب، بحضور آلاف من المتفرجين المشهورين أثناء مرور موكب الرئيس، في حين سوف تستوعب ساحة المتنزه الوطني بين مبنى الكابيتول والبيت الأبيض مزيداً من الجماهير.

لكن البهاء والظروف التقليدية لحفل تنصيب الرئيس الأميركي، التي تُقام كل أربع سنوات تتعارض مع الواقع القاتم لوباء كورونا، ولهذا السبب يشير فريق بايدن إلى أنه يريد شيئاً مختلفاً تماماً.

ويعتزم منظمو الاحتفال أن يؤدي بايدن اليمين الدستورية ويلقي خطاباً للأمة خارج الجهة الغربية لمبنى الكابيتول، مع الحفاظ على بعض التقاليد الاحتفالية التي حددت سمة الرئاسة الجديدة، ولكن لتحقيق ذلك، من المرجح خفض عدد المسؤولين الذين يحيطون بالرئيس الجديد، مثل قضاة المحكمة العليا والرؤساء السابقين وقادة مجلسي النواب والشيوخ، كما سيُطلب منهم التباعد اجتماعياً وارتداء الأقنعة، وربما يُطلب من البعض إجراء اختبارات فيروس كورونا.

هل يحضر ترمب؟

وقد يكون التحدي الأصعب هو إبعاد الحشود، إذ يوزع الكونغرس عادة 200 ألف تذكرة للمقاعد القريبة من المنصة، إلا أن هذا العدد قد ينخفض بشكل كبير بسبب الوباء.

وفي حين تعمل لجنة من المشرعين في الكونغرس على ترتيب حفل التنصيب أمام الكابيتول هيل، لا تزال أكبر الشكوك التي تواجههم تتعلق بما إذا كان الرئيس ترمب سيوافق على حضور حفل تنصيب خليفته، بالنظر إلى وصفه المتكرر للانتخابات بأنها مزورة، وإذا أصر على رفض حضور حفل تنصيب بايدن، فسيكون رابع رئيس يظهر هذا النوع من الازدراء، بعد كل من الرؤساء جون آدامز، وجون كوينسي آدامز، وأندرو جونسون.

وبصرف النظر عن حضور ترمب حفل تنصيب خليفته، فقد بدأت لجنة الكونغرس المشتركة لحفلات تنصيب الرئيس المنتخب عملها منذ يونيو (حزيران) الماضي، وقبل موعد الانتخابات الرئاسية، كما هي الحال منذ العام 1901، واختارت المجموعة موقعاً ووافقت على ميزانية قدرها 1.5 مليون دولار. وتتكون اللجنة من ستة أعضاء بينهم عدد من زعماء مجلسي الشيوخ والنواب للتخطيط لحفل التنصيب الرئاسي لعام 2021.

خطاب التنصيب

ويلقي الرؤساء الأميركيون منذ جورج واشنطن خطاب التنصيب، الذي يتراوح عدد كلماته بين 8445 كلمة و135 كلمة، وفي حين استمر خطاب الرئيس ترمب في 20 يناير 2017 لمدة 16 دقيقة، يتوقع كثيرون أن يلقي الرئيس المنتخب جو بايدن خطاباً أقصر زمنياً، لكنه سيحتوي مضامين وحدوية تدعو إلى مرحلة جديدة بين الجمهوريين والديمقراطيين والمحافظين والليبراليين، لتجاوز الانقسام الذي طبع السياسة الداخلية الأميركية طوال سنوات حكم الرئيس ترمب.

وعلى قدر ما كان الأميركيون قلقين بشأن أزمة انتخابية خلال الأسابيع التي رافقت الانتخابات وما بعدها، فإنهم غير مستعدين الآن لأزمة حكم قد يواجهها جو بايدن بعد تنصيبه كرئيس في 20 يناير المقبل، فمن ناحية، هناك احتمال أن يحافظ الجمهوريون على غالبيتهم في مجلس الشيوخ بفارق ضئيل للغاية، إذا ما فاز أحد مرشحيهما أو كلاهما في انتخابات الإعادة على مقعدين في ولاية جورجيا، الأمر الذي يهدد إقرار تشريعات طموحة حول المناخ والاقتصاد والصحة وغيرها، ومن ناحية أخرى، قد تضطر إدارة بايدن الجديدة إلى إعادة تشكيل حكومة ممزقة، قبل أن تتمكن من بدء العمل بكفاءة مرة أخرى، بعدما كشفت جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية عن حدود قدرة الحكومة على الاستجابة للأزمات التي تتطلب تنسيقاً وموارد مالية.

حقل ألغام

علاوة على ذلك، من المرجح أن يواجه الرئيس المقبل حقل ألغام من التغييرات البيروقراطية التي جرت في عهد ترمب، وفُقد خلالها كثير من الوظائف المهمة في الدرجات الوسطى ذات الخبرة، التي تشكل جوهر الأعمال اليومية للحكم، فضلاً عن التغييرات التي أجرتها إدارة ترمب بقوة في اللوائح التي تؤثر على البيئة، والصحة والسلامة في مكان العمل، وسياسة التعليم وبرامج صحية.

وعلى الرغم من أنه يمكن عكس بعض التغييرات سريعاً بأمر رئاسي تنفيذي بالطريقة نفسها التي فعلها ترمب، إلا أن معظمها يتطلب وقتاً طويلاً لوضع القواعد الخاصة بها، ومن أجل مراعاة التحديات القانونية المحتملة.

وقد لا يدرك بايدن وفريقه مدى التغيير الذي حدث، وعدد الهياكل الأساسية لإدارة الحكم اليومية التي غُيرت في عهد ترمب، وعلى رأسها المعايير الديمقراطية التي تسمح بالانتقال السلس عبر الإدارات أو داخلها، إلا أن الكثير سوف يعتمد على ما ستكتشفه إدارة بايدن، عندما تتسلم في النهاية مفاتيح البيت الأبيض.

المزيد من تحلیل