Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كورونا يعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تونس

ارتفعت نسبة البطالة في البلاد إلى 18 في المئة وأكثر من ألف مؤسسة أعلنت إفلاسها

يقدر عدد المتضررين من كورونا في تونس نحو ثلاثة ملايين شخص (أ ف ب)

تعيش تونس تحت وطأة أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية حادة، فاقمتها جائحة كورونا. ففي أبريل (نيسان) الماضي ذكر تقرير للمعهد العربي لأصحاب المؤسسات، أن نحو نصف الشركات التونسية عاجز عن دفع الأجور خلال هذا الشهر، على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، لمجابهة تداعيات الفيروس.

كما حذر مقرر اللجنة المالية في مجلس النواب فيصل دربال، من تبعات الأزمة الاقتصادية التي تلوح بإمكانية إعلان إفلاس الدولة، مشيراً إلى وصول العجز التجاري إلى 14.9 في المئة، وبلوغ الدين 85 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى الانكماش الاقتصادي 21.6 في المئة خلال الربع الثاني من 2020.

إفلاس المؤسسات

وفي هذا الشأن، يقول رمضان بن عمر، الناطق باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بتونس "لم تكن البلاد مستعدة كما يجب لهذه الجائحة، فالإمكانات لم تسمح بمواجهة فعلية وحقيقية"، مضيفاً "تونس اختارت الحل الأصعب، أسوة بعدد من دول العالم، وهو الحجر الصحي الشامل في عهد حكومة إلياس الفخفاخ، واتخذت حزمة من الإجراءات، تقدر تكلفتها تقريباً بـ2.7 مليار دينار (مليار دولار)، لكنها أخذت شكل مساعدات لا تفي بالغرض، ولا تستجيب للحاجات الأساسية لشرائح واسعة من الفئات الهشة من المجتمع".

وشدد بن عمر على أن كل الفئات المستهدفة بهذه الإجراءات، لم تكن لها نفس الهشاشة والتعرضية للجائحة، موضحاً "توجد فئات كانت منهكة بالأساس، وتعمقت أزمتها بسبب الفيروس، بينما صمدت مجموعات أخرى جزئياً أمام التداعيات، والشريحة الواسعة من المجتمع التونسي هي التي عانت بشكل واضح".

ويقدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عدد المتضررين من الجائحة بنحو ثلاثة ملايين شخص.

الفقر يتجاوز 40 في المئة

فيما يتعلق بمستوى الفقر، أكد محدثنا أن نسبة الفقر على المستوى الوطني في حدود 15 في المئة، بينما تصل في الجهات الداخلية إلى أكثر من أربعين في المئة، مشيراً إلى أن هذه الأرقام ستتضخم، بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس اليوم، ومضيفاً "المواطن اليوم لم يعد همه العدوى بالفيروس، بل إن شغله الشاغل هو كيفية تحصيل قوت أبنائه، وهو ما يفسر تنامي الاحتجاجات الاجتماعية، حيث سجل أكثر من ألف احتجاج خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وتابع "كما أن الجائحة خلعت ورقة التوت عن المنظومة الصحية، ولم يعد التونسيون مطمئنين إلى سياسة الدولة في التعاطي مع الأزمة، أمام تزايد أعداد الضحايا، وعدم قدرة المستشفيات على استيعاب جميع المرضى. ومن ثم زاد الإحباط الداخلي وتنامت ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي أصبحت تشمل عائلات بأكملها، حيث غادر خلال يوليو (تموز) 2020 أكثر من أربعة آلاف البلاد".

ودعا بن عمر إلى وضع سياسات عمومية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية "تقوم على العدالة الاجتماعية"، حتى يتقاسم الجميع أعباء تداعيات أي أزمة في المستقبل، مشدداً على أهمية الاستثمار في القطاعات الحيوية الاجتماعية، مثل الصحة والتربية والتعليم.

خسارة 160 ألف وظيفة

الواقع الاجتماعي الهش لفئات واسعة من التونسيين كان نتيجة طبيعية لنسيج رخو من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي يعتمد عليها الاقتصاد التونسي، لذلك كانت للجائحة تأثير مباشر على الاقتصاد، وهي في تقدير المتخصص الاقتصادي عز الدين سعيدان ناتجة عن "عدم التعاطي بجدية مع الأزمة"، عبر حماية المؤسسات الاقتصادية وتقديم السيولة اللازمة لها لمواجهة الوضع الطارئ، مشيراً إلى أن "عدداً من التجارب المقارنة التي نجحت نسبياً في تقليص تداعيات كورونا بالاعتماد على البنوك المركزية التي وفرت السيولة للشركات المتضررة".

وبحسب المعهد الوطني للإحصاء، فإن تونس خسرت أكثر من 160 ألف موطن شغل خلال ثلاثة أشهر خلال الثلث الأول من 2020، وبلغ معدل النمو 21.7 في المئة، معتبراً أن البلاد مقبلة على سنة صعبة، في ظل وضع عالمي حساس، وعدم استقرار سياسي داخلي، فضلاً عن الالتزامات المالية الخارجية، إذ ستسدد 16 مليار دولار (أكثر من 5 مليارات دولار).

ودعا سعيدان إلى تدارك الوضع من خلال العمل على "المحافظة على ما تبقى من النسيج المؤسساتي الاقتصادي"، بتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، معتبراً أن تخصيص 1.5 مليار دينار (556.5  مليون دولار) للاستثمار غير كافٍ، ولا يمكن أن ينعش الاقتصاد، ولا يمكن استقطاب المستثمر الأجنبي في ظل تصنيف ائتماني سلبي للبلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتفق أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي، مع رأي سعيدان في إخفاق الحكومة التونسية في التعاطي مع الجائحة اقتصادياً، خصوصاً من ناحية عدم توفير السيولة الضرورية للمؤسسات الاقتصادية، من أجل استمراريتها بعد أن فرضت عليها الدولة ضرورة المحافظة على أجور العمال طيلة فترة الحجر الصحي الشامل.

وقال الشكندالي "الاقتصاد التونسي مرتبط هيكلياً بنظيره العالمي، خصوصاً الأوروبي، لذلك فهو يتأثر بتراجع الاقتصاد العالمي لاعتماده أساساً على توريد المواد الأولية من الخارج"، مضيفاً "تعتمد تونس على السياحة التي تضررت بشكل لافت (تراجعت في حدود 77 في المئة)، بعد أن فرض عديد من الدول الأوروبية إجراءات تحد من التنقل إلى الخارج، بينما تراجع قطاع الخدمات 50 في المئة، والصناعة 40 في المئة".

وتابع "وبالتبعية ارتفعت البطالة من 15 في المئة قبل الجائحة إلى 18 في المئة، وذهب مئة وستون شخصاً إلى خانة العاطلين". وختم بالقول "انعدام الثقة بين مختلف المتدخلين في المشهد السياسي وبين مؤسسات الحكم يعطي صورة قاتمة عن تونس في الخارج، وهو وضع لا يشجع على استقطاب الاستثمار الخارجي".

فشل إدارة أزمة كورونا

من جانبه، يؤكد أستاذ القانون وعضو المجلس الوطني التأسيسي سابقاً، رابح الخرايفي، أن العقل السياسي التونسي "غير قادر على إدارة الأزمات، لافتقاره للآليات الناجعة"، مضيفاً "جائحة كورونا عمقت الأزمة في تونس بمختلف أبعادها"، مشيراً إلى أن "ما وضع من بروتوكولات صحية لا يُطبق بالشكل المطلوب".

وأكد الخرايفي أن الدولة عجزت عن تقدير التكلفة الحقيقية للأزمة، وهو ما جعلها تتخبط في مستنقعها، ما أصبح يهدد كيانها بالنظر إلى الفوضى السياسية السائدة حالياً، وصراع الرئاسات الثلاث على الحكم، علاوة على العبث بمستقبل تونس من خلال النزوع نحو العنف السياسي من دون ملامسة المشاغل الحقيقية للمواطن.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد