Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

منتصرون خائفون... ومهزوم مخيف

السؤال هو: هل حان الوقت بالنسبة إلى الحسابات الإقليمية والدولية لإنهاء البغدادي؟

ما خسره "داعش" هو "الجغرافيا" وما بقي له هو "التاريخ" الذي لعب ورقته ولا يزال (الباغوز- اندبندنت عربية)

تعدّد المنتصرون والمهزوم لا يزال مخيفاً. وتنوّع المتهمون بخلق داعش والمؤكد واحد: لجوء الجميع إلى توظيف داعش في خدمة أهداف متناقضة، كما سعى داعش إلى توظيف أطراف عدة في خدمة مشروعه.

وليس غريباً أن يسارع أكثر من فريق إلى المفاخرة بأنه صاحب الدور الأهم في قتال داعش: أنقرة، موسكو، دمشق، طهران ووكلاء هذه العواصم، مع أن الجهد الأكبر في العراق كان للجيش العراقي والحشد الشعبي، وفي سوريا لقوات سوريا الديمقراطية، وكلها بدعم جوي وبري واستشاري من التحالف الدولي بقيادة أميركا، ولا من المفاجآت أن يوحي كل طرف تقريباً أنه ألحق الهزيمة بخصومه إلى جانب داعش:

المحور الإيراني

المحور الإيراني يتصرف على أساس أنه هزم إلى جانب داعش الغرب الأميركي والأوروبي وحلفاءه العرب وكل من شن "الحرب الكونية" على سوريا ومحور "الممانعة والمقاومة". أميركا تحسب أنها هزمت مع داعش والإرهاب خصوم إسرائيل وهزت المشروع الإيراني على الطريق إلى هزيمته الكاملة.

تركيا التي احتلت جزءاً من سوريا، بعدما فتحت حدودها لتدفق الإرهابيين إلى سوريا تدّعي أنها في حرب ضد الإرهاب وتصف قوات سوريا الديمقراطية التي حرّرت شرق الفرات من داعش وأسقطت عاصمة "الخلافة" الداعشية في الرقة بأنها "إرهابية".

إسرائيل التي دعمت التكفيريين في جنوب سوريا تركز حملاتها حالياً على القوات الإيرانية فوق الأراضي السورية حتى في حلب. وروسيا استخدمت الكل وتتصرف كأنها قائدة الانتصار الرابحة من الكل وعلى البعض.

المهزوم ليس مهزوماً

الواقع أن المهزوم ليس مهزوماً بالمعنى الإستراتيجي، فما خسره داعش هو "الجغرافيا" التي أقام عليها "الدولة الإسلامية" فوق مساحة تعادل مساحة بريطانيا وتضم 12 مليون إنسان، وما بقي له هو "التاريخ" الذي لعب ورقته ولا يزال، وليس سراً أنه جمع خلال أربع سنوات مليارات الدولارات من سيطرته، وبحسب معلومات "النيويورك تايمز" حصل على 75 في المئة‏ من محصول القطن في سوريا و40 في المئة‏ من القمح في العراق، و50 في المئة‏ من الحقول والسدود ومناجم الفوسفات وحقول النفط، وهو حالياً أغنى تنظيم إرهابي.

في العام 2006 أعلنت أميركا هزيمة "القاعدة" في العراق، لكن تنظيم القاعدة الذي بقي له في بلاد الرافدين 700 عنصر فقط، عاد إلى التنامي والانتشار في العالم، وخرج من عباءته داعش، وصارت "إمارة إدلب" في سوريا تحت سيطرة فرعه "جبهة النصرة" التي دعت إلى تحقيق "شوكة التمكين".

اليوم يبدو داعش قادراً على خوض حرب عصابات في العراق وسوريا وسيناء وأفريقيا والفيليبين وأوروبا وأميركا، والسر، بحسب كتاب علي صوفان "تشريح الإرهاب: من موت بن لادن إلى صعود الدولة الإسلامية"، هو أن جاذبية داعش ليست من قتال القوات الأميركية بل من "إنشاء الدولة الإسلامية حيث لا قانون سوى شرع الله".

"برنامج حرب عصابات واسعة"

حتى نسوة الإرهابيين اللواتي غادرن "الباغوز" آخر معقل لداعش ولجأن إلى "مخيم الهول"، فإنهنّ رفعن شعارات داعش وهنّ في الصحراء، وأحدث تسجيل داعشي أشار إلى "برنامج حرب عصابات واسعة لاستعادة الخلافة" وإلى أن "الخليفة" البغدادي حيّ وجيشه من 12 ألف مقاتل، فضلاً عن عشرات آلاف المناصرين في العراق وسوريا.

ذلك أن داعش "فكرة" لا مجرد تنظيم إرهابي، والمواجهة مع "فكرة" أصعب من مقاتلة تنظيم، وإنهاء حرب عصابات أصعب بكثير من السيطرة على أرض "الدولة الإسلامية"، فمنذ سقوط السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وإعلان "إنهاء الخلافة" وإقامة الجمهورية بقيادة كمال أتاتورك، وأحزاب الإسلام السياسي تضع استعادة الخلافة محور برامجها، من الشيخ حسن البنا الذي أسس الإخوان المسلمين لـ "استعادة الخلافة وأستاذية العالم" إلى داعش الذي أعلن "الدولة الإسلامية" من مسجد النوري في الموصل، مروراً بعشرات التنظيمات على اختلاف نسبة التطرف لديها .

ضعيف... وليس مهزوماً

ولم يكن تشارلي وينتر الباحث في مركز دراسة الراديكالية في كلية الملك في لندن يبالغ بالقول "هناك ميل لإعلان النصر بسرعة كبيرة وفي وقت مبكر جداً، إذ إن داعش ضعيف في الوقت الحاضر، ولكن ليس ثمة فرصة للقول إنه مهزوم".

ولا مجال لإنكار الواقع: داعش ليس مجرد "مؤامرة". والظروف التي أسهمت في خلقه لم تتغير: من الأزمة البنيوية في المجتمعات العربية والإسلامية إلى قوة الأنظمة في دول فاشلة، ومن الظلم التاريخي الذي ألحقه الاستعمار بالبلدان العربية إلى احتلال إسرائيل الأرض العربية والغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، ومن عودة القوى الأجنبية إلى البلدان التي استقلّت في منتصف القرن الماضي إلى تنامي المشروع الإيراني في أربعة بلدان عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن، حسب المفاخرة الإيرانية.

الحرب على الارهاب

ومن الطبيعي أن يشارك العالم كله في الحرب على الإرهاب، سواء على الجبهة العسكرية أو على الجبهة الأمنية أو حتى على جبهة التنمية البشرية والمساعدات الاقتصادية. لكن من غير الطبيعي ولا المطلوب الرهان على مشاركته في المعركة الفكرية والإيديولوجية. فالسياسات الإقليمية والدولية هي جزء من المشكلة لا من الحل، والاعتراض عليها، هو في جانب مهم منه، عامل في نشوء التنظيمات المتشددة، أما الدور الحقيقي والمهم في معركة الفكر ضد التكفير والتأويل الخاطئ الذي كان مرتبطاً بظروف تاريخية، فإنه للمراكز الإسلامية والمفكرين المتنورين في العالمين العربي والإسلامي.

السؤال على كل لسان بعد إعلان النصر على "دولة الخلافة" كان: أين "الخليفة" أبو بكر البغدادي الذي ظهر مرة واحدة حين أعلن نفسه "خليفة" قبل أربع سنوات؟ لماذا لا يزال هناك من يبايعه؟ ولماذا لم يكن الإمساك به على رأس الأولويات؟

جواب قائد قوات التحالف الدولي الجنرال سيت فولسوم "أن الحرب ضد داعش مثل لعبة الشطرنج: القضاء على الجنود والقادة والقلاع، ثم القضاء على الملك"، لكن الحرب على فكرة أشد تعقيداً من لعبة الشطرنج، والسؤال هو: هل حان الوقت بالنسبة إلى الحسابات الإقليمية والدولية لإنهاء البغدادي؟

المزيد من آراء