Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من ماذا يتكون اللقاح المضاد لكورونا؟

عالم شارك في لقاحي "فايزر" و"موديرنا" يبين أن الطعمين لا تلزمهما خبرة البيولوجيا بل يتكفل بهما علم الكيمياء

فيما يُنتظر طرح لقاحات مضادة لـ"كوفيد- 19"، يقدِّم العالِم الذي يقف وراء تقنية مخبرية تعتمدها شركتا الأدوية "فايزر" و"موديرنا"، شرحاً حول ماهية المكونات التي ستحتويها الدفعة الأولى من الجرعات التحصينية.

ابتكر الدكتور درو وايسمان، وهو بروفيسور في "كلية بيرلمان للطب" في "جامعة بنسلفانيا"، تركيبة تصلح أساساً في صنع لقاح. وسمّيت تقنية "الحمض النووي الريبوزي المرسال" Messenger RNA  (اختصاراً "أم آر أن أي" mRNA)، في إشارة إلى نوع الحمض النووي الوراثي الذي تستند إليه. وتعاون مع "فايزر" و"بيونتيك" على تصنيع نسختيهما من اللقاح. [تحتوي الخلايا الحية على نوعين من الأحماض الوراثية، أولهما الذي يُشار إليه باسم "دي أن أي" يكون موجوداً في نواة الخلية ويحتوي الشيفرة الوراثية ("الجينوم"). ويؤدي "دي أن أي" عمله بالاستناد إلى حمض نووي آخر مُشابه له ومختلف عنه، هو الحمض الريبوزي المرسال "أم آر أن أي"، لأنه يعمل على نقل شيفرة أوامر "دي أن أي" وتوجيهاته إلى الخلايا كلها، ولذا سُمّي المرسال أو الناقل)].

أخبر البروفيسور "اندبندنت" أن لقاح كورونا، خلافاً لكل لقاح جرى تطويره قبل ذلك، يتضمّن في تقنية تستطيع حمل أوامر الشيفرة الوراثية وتوجيهاتها التي تتضمن أن تصنع الخلايا نُسخاً من بروتينات أو بالأحرى تراكيب جينية [يشار إلى التراكيب الجينية أحياناً بتسمية البروتينات، نظراً للدور المحوري الذي تؤديه الأخيرة في بنية الجينات] هي جزء من فيروس "كوفيد -19" (تحديداً، التراكيب الجينية البروتينية المعروفة باسم "سبايك"، ومعناها الشوكة، التي تغطي السطح الخارجي لكورونا وتعطيه شكله الشائع). ويتمثّل الهدف من تحفيز الخلايا على صنع تركيبة "سبايك" الجينية، في تحفيز جهاز المناعة كي يولّد استجابة مضادة لها في الجسم.

وفق وايسمان، يُنتج "الحمض النووي الريبوزي المرسال" [الذي يحمل التوجيهات عن صنع بروتين "سبايك"] بواسطة إنزيم ينسخ الجزء من حمض "دي أن أي" الذي يحتوي الشيفرة عن التركيبة المطلوبة لصنع بروتين "سبايك". 

يضيف، "تُستخدم أربعة أنواع من الدهون من أجل توليد جسيمات نانوية دهنية، تجمع نفسها تلقائياً مع "الحمض النووي المرسال" [إنها تشكل نوعاً من الهيكل أو الدعامات، التي تستند إليها بقية تراكيب الـ"الحمض المرسال"، فتعتبر عناصر مساعدة في تركيبة ذلك الحمض البروتيني]. وتُشكَّل تلك الدهون النانوية الأربعة وكذلك بقية التراكيب البروتينية في "أم آر أن أي"، بطريقة اصطناعية تماماً. وتملك الشركات ["فايزر" و"موديرنا"] الملكية الفكرية عن تلك الدهون المُساعدة".

يشرح الدكتور وايسمان أن لقاحات "كوفيد- 19" تحتوي على ذلك النوع من "الحمض النووي الريبوزي المرسال"، الذي يضم الشيفرة الوراثية عن تركيبة "سبايك" والدهون النانوية الأربعة، بصورة اصطناعية. ويتعاكس ذلك تماماً مع الطرق التقليدية في صنع اللقاح التي تعتمد على صنع كامل الفيروس المطلوب داخل خلايا حيّة [مع توهينه كي يتمكن الجسم من مقاومته].

ويؤكِّد وايسمان أن "لا شيء من تلك التراكيب [التي يحتويها لقاح كورونا المستند إلى تقنية "أم آر أن أي" مصنوع داخل خلايا مأخوذة من أنواع حيوانات ثديية".

بالتالي، تمثّلت نتيجة [المقاربة المبتكرة في تركيب جزء من الفيروس مختبرياً بطريقة التركيب الاصطناعي]، في لقاح تبلغ فاعليته 95 في المئة، مع غياب أي مخاوف تتعلَّق بالسلامة، وفق "فايزر" و"بيونتيك"، بينما تشير "موديرنا" إلى إن نسختها من اللقاح فاعلة بـ94.5 في المئة.

عموماً، تحتوي اللقاحات التقليدية على مُكوّن فاعل الغرض منه توليد استجابة مناعية في الجسم، وعادة ما يكون عبارة عن أجزاء صغيرة من الكائن المُمرض في شكل بروتين، وفق "منظمة الصحة العالمية".

كذلك تحتوي اللقاحات التقليدية على مواد حافظة من قبيل "ثنائي فينوكسي إيثانول"2-phenoxyethanol  وعناصر مثبِّتة كبعض أنواع السكريات ("لاكتوز" و"سكروز")، وأحماض بروتينية أمينية ("غلايسين") وجيلاتين، أو بروتينات (كالنوع المعروف باسم بروتين "ألبومين"، وهو موجود لدى البشر، لكنه يركب اصطناعياً عبر اشتقاقه من تراكيب جينية في الخميرة).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقليدياً، تضاف إلى ذلك مواد تعمل على خفض التوتر السطحي [للسائل الذي يحتوي اللقاح]، المُستخدمة في لقاحات عدة. ومن الأمثلة على تلك المواد، هنالك الآيس كريم. وتعمل المواد الخافضة للتوتر السطحي على حفظ تماسك مُكوّنات اللقاح معاً كمجموعة، بينما يمكن أن يحوي اللقاح أيضاً بقايا خلَّفتها عملية التصنيع نفسها، كبروتينات البيض أو الخميرة أو المضادات الحيوية، لكنها تكون بكميات ضئيلة.

واستطراداً، يستخدم المصنِّعون أيضاً مواد مخفِّفة كالماء المعقم ومواد مساعدة تحفِّز الخلايا المناعية الموضعية، يمكن أن تأتي على شاكلة أملاح الألومنيوم كـ"فوسفات الألومنيوم" أو "هيدروكسيد الألومنيوم" أو "كبريتات الألومنيوم والبوتاسيوم".

في تفاصيل متصلة، يسمّى اللقاحان التجريبيان من "فايزر" و"موديرنا"، تقنياً "بي أن تي 162 بي 2" (BNT162b2) و"أم آر أن أي- 1273" (mRNA-1273) على التوالي. يجري تركيبهما اصطناعياً باستخدام "حمض ريبي نووي مرسال" (أو اختصاراً "آر أن أي"). ومعلوم أن الـ"آر أن أي" والـ"دي أن أي" (الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين) حمضان نوويان يحملان التعليمات الجينية الضرورية للكائنات الحية.

عوضاً عن حقن نسخة عضوية من الفيروس بغية توليد استجابة مناعية مضادة في الجسم، يحتوي "الحمض النووي الريبوزي المرسال" [المستخدم في لقاحي كورونا] على "نتفات" من الشيفرة الجينية المتخصصة في صنع بروتين "سبايك" بفيروس كورونا. وبذا، توعز تلك الشيفرة إلى خلايا الجسم بأن تُنتج نسخة مصغرة من ذلك البروتين "سبايك" الشوكي المظهر. وتالياً، تفيد تلك النُسخ المُصغرة في تنشيط الجهاز المناعي لإنتاج أجسام مناعية مضادة لفيروس كورونا.

وفق الدكتور وايسمان، "يتحقق ذلك باستخدام شيفرة الجزء من الحمض النووي التي تحمل تعليمات عن صنع الإنزيم [اللازم لتركيب "أم آر أن أي" الذي ينقل شيفرة تركيب البروتين "سبايك"]. وفي خطوة أولى، "يطلب" من الخلايا أن "تبدأ" في العمل [على صنع تراكيب بروتينية]، ويتبع ذلك تنفيذ أوامر عن صنع التراكيب المتسلسلة المتعلقة بصنع البروتين ("سبايك"). ثمة تسلسلات أخرى تزيد من كمية إنتاج ذلك البروتين ومدته".

ووفق وايسمان نفسه، "ثمة فارق مهم في لقاحنا المعتمد على تقنية "أم آر أن أي". أن شيفرة التوجيهات التي يحملها قد جرت "خربطتها" عمداً كي تنتج خلايا الجسم "حمضاً نووياً مرسالاً" لا يكون نسخة كاملة من "أم آر أن أي" في الفيروس، بل نسخة مُعدّلة عنه. يجري ذلك عبر تعديل مركب جيني يُسمّى "نيوكلويتايد" nucleotide، وهو وحدة أساسية في بناء الأحماض النووية، بل إنه بمثابة الحروف الأساسية التي تُكتب بها الجينات. ويهدف ذلك التعديل إلى إعطاء الخلايا توجيهات عن صنع بروتين "سبايك" يكون مختلفاً عن "سبايك" الموجود في الفيروس، ما يعني تالياً تخليص "سبايك" الذي تصنعه خلايا الجسم من القدرة على إثارة الالتهابات التي يسببها "سبايك" الفيروس".

إذاً، تبقى معرفة التركيبة الدقيقة للقاح "كوفيد"، رهينة في المعادلات الكيماوية المستخدمة في صنع الحمض المرسال "أم آر أن أي" [المتعلق بـ"سبايك"] من طريق تركيبه اصطناعياً، وهي معلومات سرية متصلة بالملكية الفكرية وستدفن في شبكة معقدة من براءات الاختراع، وفق تعبير الدكتور وايسمان.

جدير بالإشارة إلى أن "فايزر" وكذلك "موديرنا" ماطلتا في الردّ على طلبات بشأن الكشف عن تفاصيل المواد الكيماوية التي ينطوي عليها "بي أن تي 162 بي 2" أو "أم آر أن أي- 1273".

في ذلك المنحى، تحدّثت بولا كانون، أستاذة مساعدة في علم الأحياء الدقيقة في كلية الطب "كيك" في "جامعة جنوب كاليفورنيا"، إلى "اندبندنت"، مشيرة إلى إن مطوِّري اللقاح قد أدخلوا تعديلات محسِّنة إلى الحمض المرسال "أم آر أن أي" الطبيعي [بمعنى الموجود في الفيروس] المتعلق بتركيب "سبايك". وتتسم تلك التراكيب [في الفيروس] بأن عمرها قصير وبنيتها هشّة. وأضافت كانون "في المستطاع تركيبه بصورة اصطناعية بالكامل، من دون حاجة إلى عالم أحياء بل إلى عالم في الكيمياء".

وبالنسبة لها، يكمن "جانب من عملية التصنيع السرية للقاح في أن علماء الكيمياء قد وجدوا طريقة لتعديل "الحمض النووي الريبي" وتحسين ما طوَّرته الطبيعة بغية تعزيز ثباته وإبطال كونه عنصراً غريباً بالنسبة إلى الجسد. لا نريد أن يخرج الجسم عن طوره نتيجة حقنه بهذا "أم آر أن أي" الموجود في اللقاح. لذلك أجريت عليه تعديلات كيماوية تجعله أكثر قدرة على التخفي".

 

في حين أن الخصوصية المُحاطة بتلك التعديلات الكيماوية ليست متاحة بسهولة، فمن الشائع أن لقاحات (كورونا) مغلَّفة بجسيمات نانوية دهنية، وهي تشكل غطاء دهنياً لحماية الجزيئات الهشَّة لـ"أم آر أن أي" في اللقاح.

كذلك وردت إشارة إلى تلك الدهون، المُطوَّرة اصطناعياً أيضاً في دراسة صدرت في يوليو (تموز) الماضي. وقد نشرت مجلة "نيو إنغلاند الطبية"New England Journal of Medicine  مقالاً بشأنها يحلل تجربة المرحلة الأولى الخاصة بلقاح "موديرنا"، التي ذكرت أن "الجسيمات النانوية الدهنية تتكون من أربعة دهون".

على الرغم من أننا بعيدون تماماً عن الاطلاع على التفاصيل السرية الخاصة بعملية تصنيع اللقاحات، إلا أن الدراسات المنشورة تقدم نظرة ثاقبة حول الطريقة التي يعمل بها "أم آر أن أي" الاصطناعي، والجسيمات النانوية الدهنية معاً بهدف إيصال اللقاح إلى الجسم.

في ذلك الصدد، أضافت كانون، "إنها (الجسيمات النانوية الدهنية) أشبه بمادة كيماوية حاملة وواقية تساعد في عمليتي التغليف والحماية، وتسهم في إيصال "أم آر أن أي" الاصطناعي إلى الجسم. يعتمد ذلك غالباً على دهون مصنوعة كيماوياً بالكامل".

وقدّمت كانون وصفاً لذلك الأمر، مشيرة إلى أنه "في قارورة يُصنع "أم آر أن أي" الاصطناعي وفي قارورة أخرى تُصنع الدهون، ثم يختلطان معاً إلى حد ما، وكيماوياً ينجذب "أم آر أن أي" الاصطناعي إلى الدهون، ويشكل مركّباً معها، ما يجعله في حالة صالحة للعمل".

كما صار معروفاً، ينبغي تخزين لقاح "فايزر" عند درجة حرارة 94 تحت الصفر على مقياس فهرنهايت (70 درجة مئوية تحت الصفر) كي يبقى في تلك الحالة الصالحة للعمل، بينما يجب حفظ لقاح "موديرنا عند 4 درجات فهرنهايت تحت الصفر (20 درجة مئوية تحت الصفر).

طوال عقود، حاول الباحثون أن يخدعوا الجهاز المناعي في الجسم باستخدام "أم آر أن أي"، وستكون لقاحات "كوفيد" أول تطبيق ناجح منذ بدء البحوث عن ذلك الأمر في أوائل تسعينيات القرن العشرين.

وإذا، حاز اللقاحان موافقة "إدارة الغذاء والدواء" الأميركية، فلن يقتصر تأثيرهما الكبير على جائحة "كوفيد" فحسب، إنما سيفتحان الباب أمام مجموعة كاملة من اللقاحات المضادة للفيروسات. ويشمل ذلك فيروسات الـ"هربس" و"نقص المناعة البشرية" (الإيدز) و"الإنفلونزا".

© The Independent

المزيد من صحة