Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"في انتظار عودة الحياة إلى طبيعتها" نمط جديد وعادات سيستمر بعضها

الأمر يستلزم الإسراع في إيجاد طرق للتعامل مع هذه التهديدات المتزايدة قبل أن تصل إلى حد تكون فيه أخطر من الفيروس نفسه

تسير الحياة شبه طبيعية مع الالتزام المتفاوت بين بلد وآخر بالإجراءات المفروضة (غيتي)

بين تصاعد عدد الإصابات عالمياً واندلاع حرب الحصول على تراخيص اللقاح، وبين كيل وسيل من الاتهامات لمنظمة الصحة بعدم الجدية، وتناقض توجيهاتها التي لا زالت حتى اللحظة غير مثبتة علمياً بشكل دقيق، ومحاولات مؤسسات الصحة في الدول كافة تحقيق إنجازات بإمكانها الكشف عن حقيقية مصدر الفيروس، تسير الحياة شبه طبيعية مع الالتزام المتفاوت بين بلد وآخر ومنطقة وأخرى، تبعاً لعدد الإصابات وخطورة انتشار الفيروس.

لكن من الواضح أن دخول أي مكان عام أو وسيلة نقل أصبح يتطلب انتظاراً طويلاً، ويخضع لبروتوكول خاص، يتضمن التقيد بارتداء الكمامات والالتزام بالوقوف على مسافة أمان محددة مسبقاً، ومشار إليها برموز على الأرضيات أو مقدرة في أحيان أخرى. وعلى الرغم من أن تطبيق التعليمات والالتزام بالإجراءات جاء متفاوتاً، خصوصاً في المناطق التي لا تخضع إلى رقابة شديدة، وفي ظل عدم وجود أي مؤشر يدل على عودة الحياة إلى سابق عهدها في الوقت القريب، فمن الجيد تحويل القيود المفروضة إلى نمط حياة اختياري، والتأقلم معه ومع العادات الجديدة التي أنتجها الفيروس، للتخفيف تدريجاً من التداعيات الصحية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عنه.

لا شيء سيعود كما كان

وفي ما يتعلق بظروف العمل، فنحن أمام إعادة ترتيب نمط حياة كامل بتفاصيله الداخلية والخارجية كافة، وبما يتضمنه من إعادة تنسيق مساحة العمل واكتساب أساليب ومهارات عمل مختلفة، وما يترتب عليها من تغييرات نفسية واجتماعية وجسدية مستقبلية.

نحن نتحدث هنا عن بيئة عمل مختلفة كلياً عما تعودنا عليها سابقاً، فخياراتنا واختياراتنا العملية بشكل أو بآخر لم تعد ملكنا، فكل ما يفرض من قرارات وإجراءات متلاحقة يتحكم في شكل ومكان وزمان العمل وتفاصيله، خصوصاً وأن أدوات العمل والتنقل أصبحت عامل خطر من الممكن أن يزيد احتمال انتقال الفيروس بسهولة وسرعة أكبر، بحسب منظمة الصحة العالمية، التي ورد عبر موقعها الرسمي في إجابة عن سؤال يتعلق بالصحة والسلامة في مكان العمل، أن "كوفيد-19" ينتشر بشكل أساسي من خلال ملامسة الأسطح والأشياء الملوثة كاحتمال أساسي ثانٍ بعد رذاذ التنفس، وهذا يمكن أن يحدث في أحد احتمالاته في مكان العمل وكذلك في الطريق من وإلى مكان الشغل، وهنا التشديد على ضرورة  أن تكون أسطح المكاتب والهواتف ولوحات المفاتيح نظيفة ومعقمة بشكل مستمر.

وكان الخيار الأفضل هنا هو خفض عدد العاملين في المقر، وتحويل قسم منهم إلى العمل من المنزل، في محاولة للسيطرة على الوضع أكثر، ومضاعفة القدرة على تطبيق التوصيات الصحية بشكل أكثر فاعلية، وبذلك تحوّل أكثر من نصف القوة العاملة تقريباً إلى مزاولة المهنة عن بعد، وكان الانتقال بحسب الأبحاث سلساً ومرضياً بشكل نسبي للأطراف المعينة، من حيث توفير الوقت والجهد والمال ورفع الإنتاجية.

ترتيبات جديدة

ورافق هذا الخفض في عدد العاملين وضع ترتيبات جديدة للموظفين الباقين في مقر العمل، من ناحية تحديد عدد الموجودين في مساحة معينة، سواء المكاتب أو الاجتماعات، بحيث لا تتجاوز نسبة محددة مسبقاً من طاقته الاستيعابية، ومنع تناول الطعام بشكل مشترك في المكاتب، الأمر الذي استغلته من جهة أخرى مطاعم الوجبات السريعة في التسويق بكثافة لصناديق وجبات الغداء، وكذلك منع التواصل وجهاً لوجه أو الالتماس بأي شكل من الأشكال، مع الاكتفاء بالتواصل الإلكتروني والرسائل، وتقليل عدد الكراسي والمكاتب وزيادة التباعد بين غرف العمل التي كانت سابقاً شبه متلاصقة في مساحات العمل الجماعي، أو حتى تركيب فواصل عازلة بين تلك الباقية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأمر هنا لا يقتصر على الأثاث، بل تجاوزه إلى الصيانة الدائمة لشبكات التهوية، إضافة إلى استخدام رؤساء العمل لتطبيقات الهواتف الذكية لتتبع نشاط موظفيهم، وقد تصل بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قيمة سوق هذه التقنيات إلى أربعة مليارات دولار سنوياً، وفقاً لتقديرات شركة International Data" "Corporation لأبحاث السوق وتحليل البيانات.

من جهة أخرى، سارعت عدد من شركات التصميم والتكنولوجيا إلى تسويق أجهزة فحص درجة الحرارة وتطبيقات تخطيط أرضيات المكاتب لاعتماد التباعد الاجتماعي والكاميرات الحرارية التي تستشعر درجة حرارة الجسم، وبحسب الصحيفة ذاتها، يمكن أن تتحول الردهات في الشركات إلى ما يشبه نقاط تفتيش أمنية، كما في المطارات.

وكذلك تسوّق شركات مراقبة أنظمة الأمان نظام "إدارة فيروس كورونا" خاص بكل شركة، بحيث يُطلب من الموظفين تنزيل تطبيق محدد يفتح الأبواب تلقائياً للأشخاص المؤهلين للدخول إلى المكتب، وبالتالي، واعتماداً على الملف الشخصي لكل موظف، سيحدد ما إذا كان شخصاً آمناً أم غير آمن، ويحتاج إلى الفحص قبل دخوله.

والجدير ذكره أن هذه النظريات والأساليب المطروحة لم تُختبر حتى الوقت الحالي، وبالتالي فلا دليل ملموس على فاعليتها.

هل الأمر بهذه السهولة؟

من المؤكد أن العمل من المنزل فرصة كان يرغب باقتناصها كثيرون، فأن تنتج من منزلك وفي الوقت الذي يناسبك والشكل الذي تحدده، وأنت ترتدي لباسك المريح وتجلس في زاويتك المفضلة مع مشروبك اللذيذ، وتستثمر ببراعة في الوقت الذي كان يضيع سابقاً وأنت في الطريق إلى العمل، كلها تفاصيل كانت أشبه بالحلم لدى بعضهم، لكن هل فعلاً طابق هذا الحلم الواقع؟

في الحقيقة، الأمر كان نسبياً وربما أكثر وردية خلال الفترة الأولى، لكن برزت مع الوقت مشكلات عدة لم توضع في الحسبان سابقاً، أبرزها تداخل الحدود ما بين الحياة العملية والحياة الخاصة وربما طمسها تماماً، الأمر الذي أثر في بعض الأحيان على الإنتاجية بشكل ما، وأدى إلى تراكم الأعمال وظهور ضغوطات نفسية من نوع آخر، نستطيع تسميتها بضغوطات الرفاهية، فالوقت الحر المنفلت بهذا الشكل كان يحتاج جهداً لإعادة ضبط الأولويات وترتيبها بشكل لا يسرقك فيه وقت الاسترخاء والترفيه من إنجاز أعمالك.

إضافة إلى تراكم الأعمال والواجبات المنزلية، خصوصاً بوجود الأطفال طوال الوقت، وانتقال صفوف دراستهم إلى المنزل، فأصبحت الأعباء مضاعفة على أولياء الأمور، ففرصة العمل من المنزل لم تأت بشكل فردي وبقرار منفصل، بل جاءت كردّ فعل جماعي حوّل كل شيء، المدرسة والجامعة ومقر العمل ونادي الرياضة، إلى داخل المنزل.

كما أن البعض وجد نفسه يعمل بشكل أفضل ويظهر التزاماً أكبر في حال حُدد له مسبقاً وقت العمل ومكانه وتفاصيله، على عكس عادة "الاختيار الحر" الطارئة عليه، والتي لم يعتد عليها بعد.

أما بالنسبة إلى أصحاب العمل، فقد كانت فرصة حقيقة للتطور والانتقال بالعمل إلى نمطٍ أكثر مرونة ومواكبة للعصر الحالي والمستقبل المقبل بالاعتماد على التقنيات الحديثة، وإنجاز الأعمال والاجتماعات وربط فرق العمل عن بعد، الأمر الذي يعد ضرورة بغض النظر عن الواقع الحالي.

جائحة الظل "shadow pandemic"

أكثر ما يشغل بال الغالبية هو أخطار الجائحة على الصحة النفسية التي ستجتاح النفوس في ظل تعاظم مشاعر القلق والخوف والوحدة والتهديد وعدم الأمان، وما يتبعها من ضغوطات نفسية وعقلية، وصولاً إلى الأمراض العضوية التي تُعد نتيجة طبيعية ستظهر تداعياتها بشكل أو بآخر في جوانب حياتنا الاجتماعية والعاطفية والاقتصادية وغيرها، فقد انتقلت سلوكيات الناس بين المبالغة واللامبالاة، فهم إما خائفون وحريصون جداً أو غير مبالين ومهملين، مما انعكس على عاداتهم اليومية، كعادات الأكل التي شهدت تفاوتاً بين الشراهة وفقدان الشهية، مع تراجع عادات الاستهلاك القديمة، مثل انخفاض استهلاك اللحوم مع بداية انتشار الفيروس بسبب الروايات التي تربطه بها، إذ استمر بالانخفاض تدريجاً بعد ارتفاع سعرها من جهة، والرغبة في اتباع نظام صحي يساعد في رفع المناعة وتزويد الجسم بالقوة اللازمة لمقاومة الفيروس في حال الإصابة.

كما أن الجلوس الطويل في المنازل والانعزال التام عن المحيط الخارجي من تواصل إنساني، والاحتكاك بالطبيعية وعناصرها، أنتج أيضاً مشكلات بين الأفراد أنفسهم، تمثلت في سوء التواصل وتراجع القدرة على اتخاذ القرارات المتأنية، وفقدان الاستجابة السريعة التي تحولت إلى ردود فعل وصلت في بعض الأحيان إلى سلوكيات خطيرة، إذ تذكر دراسة نشرت على موقع "CNN" انفجار حالات العنف المنزلي وانتشاره على نطاق عالمي شمل في كثير من الحالات الأطفال، فيذكر الموقع أنه "على الرغم من أن الهدف الأساسي من الحجر هو الحماية، إلا أنه كان مميتاً بالنسبة للبعض"، فيما يندرج تحت مسمى جائحة الظل shadow" pandemic".

كما أن للبيئة دوراً كبيراً في زيادة خطورة الفيروس لارتباطه الوثيق بتلوث الهواء، الذي تشير الدراسات إلى أنه يتزايد ببطء، فأصبح إيجاد حلول سريعة لخفضه أمراً ضرورياً وأكثر إلحاحاً لما يتسبب به أصلاً من أمراض تنفسية وأمراض الأوعية والشرايين، مما يستلزم الإسراع في إيجاد طرق للتعامل مع هذه التهديدات النفسية والعقلية المتزايدة قبل أن تصل إلى حد تكون فيه أخطر من الفيروس نفسه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات