Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كلاخ" فنان بلا هوية سوى "جداريات" بالسعودية

طغت وجوه النساء على رسوماته التي توشحت بها الأماكن المهجورة

لم يكن الوصول إلى صاحب الجداريات الأشهر في السعودية أمراً سهلاً، فـ"كلاخ" كما يعرف لدى متداولي رسوماته، لا يملك اسماً حقيقياً معروفاً، ولا صورة أكيدة تشير إليها سوى لقطات لأشخاص مختلفين تنسب إليهم الرسومات، مكتفياً بمتابعة الجدل من دون تأكيد أو نفي.

الحالة "الشبحية" التي يعيشها هذا الفنان تتجاوز هويته إلى رسوماته، فالأصعب من تحديد شخصه هو الوصول إلى إبداعاته، على الرغم من أنها تحتل جدران الشوارع بارتفاع يتجاوز الأمتار الخمسة في بعض الحالات.

 

غير أن هذا الشبح يفضل الرسم في الأماكن المهجورة، التي لا يرتادها الناس عادة، في مواصلة لدائرة الغموض التي تلف رسام وجوه النساء في شوارع لم تعتد على رؤيتها.

هويتي رسوماتي

بعد أيام من التمنع، قبل كلاخ الحديث معنا، مشترطاً أن لا يضطر إلى إظهار هويته، اسمه وصورته أو حتى صوته، قائلاً "لا مشكلة لديّ مع الإعلام، لكن الظهور الإعلامي لا يحقق لي شيئاً. أهدافي التي أعمل عليها تسير في جانب معاكس لفكرة الانتشار الإعلامي والشهرة".

وحول أهدافه التي تجعله يسير في الظل ويمر مرور الأشباح، يضيف "أنا لا أملك هوية سوى رسوماتي التي على الجدران، هي هويتي الوحيدة، ليس اسمي ولا صورتي. الرسومات فقط".

وتابع "ما الذي سأجنيه لو طغت صورتي على صور الوجوه التي أرسمها؟ لا شيء، إما أن يعرفني الناس بفني، وإما أن لا يعرفوني"، وهو ما يتحقق فعلاً في حالته اليوم.

ولا يؤكد صحة اللقطات النادرة التي تنسب إليه، مفضلاً إبقاء أمر هويته سراً من دون الكشف عنها.

رسومات ابن كلاخ

حصل الفنان المجهول على اسمه من مسقط رأسه ومنطقة البدايات، فـ"كلاخ" قرية صغيرة تقع جنوب مدينة الطائف (غرب السعودية)، وتبعد عنها قرابة الـ70 كيلومتراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشهدت القرية أولى رسومات الفنان الذي لم يكن قد اتخذ توقيعاً حينها، كجزء من حالة الغموض التي يعيشها، لكن الأمر تغير مع وصول الناس إلى إبداعاته وانتشار صورها كما يقول "لما انتشرت رسوماتي من دون هوية، بدأ بعض الأشخاص خارج القرية ينسبونها لهم، خصوصاً أن القرية ليست معروفة ولا يعرفها الكثيرون"، ليدافع أهل كلاخ عن فنانهم "فبدأ أهل القرية بالتصدي لهم بالقول (هذه رسومات ابن كلاخ) ليختصر الأمر مع الوقت إلى (كلاخ) مجردة"، ومنها اعتمد توقيعه بعد ذلك على كل جدارياته.

غير أن هذا يصادم رغبته في إخفاء هويته أيضاً "لم أكن أفضل وضع التوقيع في البداية، لأنني كنت أريد أن أرسم وأغادر من دون أي هدف شخصي، سوى أن أمارس عملي على أكبر مساحة ممكنة، لكن التسمية أطلقت عليّ من قبل أهل القرية وانتشرت، فاعتمدتها بعد ذلك".

جداريات لا يراها أحد

أغرب ما في القصة هو أن الوصول إلى جدارياته الكبيرة ليس أمراً سهلاً، فالعثور على آخر أعماله في الرياض تطلب رحلة طويلة بالسيارة، تلتها مسافة جرى قطعها على الأقدام لا يمكن للسيارات الوصول إليها؛ إذ يمعن كلاخ في شبحيته باختيار الأماكن المهجورة التي لا يصل إليها الناس بسهولة، للعمل. يقول "أغلب الصور المنتشرة لرسوماتي أنا من نشرها، وقليلة هي التي وصل إليها الناس من أنفسهم، لأنني لا أرسم إلا في أماكن مهجورة، ولا يرتادها الناس بسهولة".

وعن سبب ذلك يشرح "لا يوجد سبب محدد، أنا بدأت هكذا قبل 6 سنوات، لا أريد أن أجد نفسي مضطراً، لأن أشرح للناس لماذا أرسم وجوه نساء، أو أن أدخل في نقاش مع أحد حول الجانب الشرعي لرسم ذوات الأرواح، أريد أن أرسم وأمضي من دون أن أتحمل مسؤوليات إضافية في جوانب لا تخصني"، وهو ما كان يتعرض له فعلاً، بحسب ما قاله لنا.

ويوجد سبب آخر، وعن ذلك يضيف "في تجربتي الوحيدة التي قررت فيها الخروج من الأماكن المهجورة والرسم في مكان عام جرى العبث برسمتي"؛ إذ رسم فتاة في شارع الشيخ جابر في الرياض، ليفاجأ بعد أيام أن أحداً محا ملامحها بطريقة تبدو اعتراضاً شرعياً، الأمر الذي رسخ فيه ضرورة العودة للظل حمايةً لهويته.

ويرى كلاخ أنه وصل إلى ما يريد عن طريق صنع هوية خاصة تميزه الناس بها من دون التعرف على شخصيته. ويضيف "بدأت الرسم على الجدران من ست سنوات تقريباً، لا يعرف الناس الكثير عني ولا عن الأماكن التي أرسم فيها، لم أخرج من قريتي إلا مؤخراً، فرسمت في جدة والرياض وأبها، مع ذلك صارت لي هويتي التي يعرفني بها الناس دون التعرف على شخصيتي"، وهو ما يسعى للوصول إليه منذ بداية رحلته.

ولازمت كلمة "العيب" بدايات كلاخ، بسبب تعمده رسم وجوه الفتيات، في حين كان ينظر آخرون إلى العملية على أنها "عبث وكتابة على الجدران"، الأمر الذي يرى أنه صار أقل حضوراً اليوم بعد سنوات من التجربة.

الموناليزا الحجازية

أشهر رسوماته كان آخرها التي أبدعها في (مكان ما) بالعاصمة السعودية الرياض، عندما رسم عدة جداريات من ضمنها الفنانة التشكيلية السعودية الشهيرة "صفية بن زقر" في ريعان شبابها. ويقول عن الرسمة "قرأت بالمصادفة كتاباً يتحدث عن مسيرتها بعنوان (الموناليزا الحجازية)، وكان يتضمن صوراً لها في شبابها، أعجبتني الصور، وقررت رسمها".

وأضاف "مسيرتها كانت سبباً مهماً لرسمها، فصفية بن زقر كانت تنظم معارض وتعرض رسماتها في السعودية ولندن وباريس منذ السبعينيات، في الوقت الذي لم يكن فيه الفن ذات جدوى في بلدها، بل ربما لم تكن فرشاة الرسم معروفة حتى"، ما دفعه إلى محاولة تكريمها على أحد الجدران المهجورة.

 
 

وفي زيارتنا لموقع رسمة "ابن زقر" وجدنا في الشارع المقابل عدة صور، كانت أبرزها واحدة تتجاوز 6 أمتار للفنانة السورية أصالة نصري، كان قد تحفظ على نشرها في البداية لحمايتها، إلا أنه وافق بشرط أن لا نشير إلى مكان الصورة، وهو ما نلتزم به مكتفين بالإشارة إليه بـ"مكان ما في الرياض".

 

 

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة