Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينجح الوسيط الأميركي في خفض سقوف التفاوض بين لبنان وإسرائيل؟

عون أظهر ليونة بعدما طالب المفاوض اللبناني بحقول تبلغ شاطئ حيفا فبالغ الإسرائيلي في رده

عون ملتقياً ديروشر في قصر بعبدا في 2 ديسمبر الحالي (دالاتي ونهرا)

صنفت أوساط سياسية لبنانية طلب الجانب الأميركي تأجيل الجلسة الخامسة من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل التي كانت مقررة الأربعاء في 2 ديسمبر (كانون الأول)، بأنه أحد فصول الضغوط الدولية على لبنان من أجل تعديل توجهات السلطة الحاكمة، التي لـ"حزب الله" النفوذ الأقوى فيها، في التعاطي مع القضايا الداخلية والخارجية.
ولم تخرج الكلمات التي ألقيت في "مؤتمر دعم بيروت والشعب اللبناني"، الذي انعقد بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء اليوم ذاته، عن التوجه الدولي الضاغط على الطبقة السياسية في لبنان من أجل تسريع قيام حكومة جديدة تنفذ إصلاحات عاجلة للنهوض من الأزمة الاقتصادية المالية في لبنان. وكان لافتاً قول ماكرون في كلمته على مسمع من الرئيس اللبناني ميشال عون بأن القوى السياسية لم تفِ بتعهداتها تشكيل حكومة ذات صدقية تنفذ الإصلاحات، وأن "لا شيء يمكن قوله حتى الآن سوى أن هناك مجرد كلام".
ومع أن مسألة التفاوض على الحدود البحرية منفصلة بالمعنى العملي للكلمة عن مسألة تسريع تشكيل الحكومة الجديدة، فإن الرابط بالمعنى السياسي بينهما يعود إلى القناعة بأن "حزب الله" يتحكم بالمسألتين، إذ إن المتعارف عليه هو أنه يمسك بالأوراق المهمة في لبنان في سياق الصراع الأميركي - الإيراني الذي يشكّل لبنان إحدى ساحاته. ووفق هذا الاستنتاج، يتحكم "الحزب" بعُقَد تأليف الحكومة تنفيذاً لبنود المبادرة الفرنسية التي تقضي بقيام حكومة من المستقلين (لا يتمثل فيها الحزب مباشرة) ويترك لحليفه الرئيس عون وضع الشروط التي تعيق ولادتها، وأنه يدير من الخلف التفاوض على الحدود البحرية الذي يتولاه عون نفسه وفق صلاحياته الدستورية عبر وفد عسكري - مدني.
واستعاض الجانب الأميركي الذي يلعب دور الوسيط والمسهل في المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية، بناءً لاتفاق ثلاثي لبناني- أميركي- إسرائيلي، عن جلسة التفاوض الخامسة، بلقاءات أجراها رئيس الوفد الأميركي السفير جون ديروشر مع المسؤولين المعنيين في بيروت، وفي طليعتهم الرئيس عون، لمعالجة الصعوبات التي واجهت الجلستَين الأخيرتَين من التفاوض في مقر قيادة قوات الأمم المتحدة في بلدة الناقورة في جنوب لبنان. وبدا واضحاً أن الجانب الأميركي أراد من التأجيل إقناع المسؤولين اللبنانيين بتغيير مقاربتهم لهذه المفاوضات، فيما أشارت أوساط سياسية متابِعة لحركة الجانب الأميركي أن زيارة ديروشر هدفت إلى ممارسة ضغوط على الجانب اللبناني لئلا تفشل المفاوضات ويجري تحميل مَن هم في السلطة تبعات هذا الفشل.

"الخطوات اللازمة"

ولم يخلُ بيان أصدرته السفارة الأميركية من التلميح إلى الخيبة الدولية من الطبقة السياسية اللبنانية، بعد اجتماعات شملت إلى الرئيس عون، قائد الجيش العماد جوزيف عون والعميد الركن بسام ياسين (رئيس الوفد اللبناني المفاوض)، إضافة الى أعضاء الوفد اللبناني. ووصفت السفارة المحادثات بأنها "في إطار جهود الوساطة المستمرة للسفير ديروشر بشأن ترسيم الحدود البحرية اللبنانية– الإسرائيلية، وكانت المناقشات مثمرة وسمحت بتبادل صريح لوجهات النظر حول الخطوات اللازمة للتوصل إلى اتفاق طال انتظاره يفيد الطرفين".
الجانب الأميركي الذي يميل إلى وجهة نظر إسرائيل باعتراف ديبلوماسييه منذ سنوات، على الرغم من وصفه بالوسيط في اتفاق الأول من أكتوبر (تشرين الأول) على بدء التفاوض، كان اعتبر في الجلستين اللتين شهدتا تباعداً في المواقف بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي أن لبنان يطرح شروطاً تعيق العملية التفاوضية. وعكس ذلك المسؤولون الإسرائيليون وتسريباتهم للإعلام الإسرائيلي، على الرغم من أن واشنطن لم تعلن ذلك، واكتفت بتكرار العبارة التي يتضمنها أي تصريح للدبلوماسية الأميركية، التي تشدد على استمرار المفاوضات للتوصل إلى اتفاق "طال انتظاره يفيد الطرفين". أي أن واشنطن بتجديدها التأكيد على أن الكثير من الوقت قد ضاع منذ بدأت وساطتها في العام 2012 عبر السفير الأميركي آنذاك فريدريك هوف، تعتبر أن هناك عرقلة للمفاوضات الراهنة. وكان السفير هوف توصل إلى اقتراح يقضي بتقاسم الـ860 كلم مربع المتنازَع عليها، بحيث يحصل لبنان على 58 في المئة منها ويبدأ بالتنقيب فيها، فيما تحصل إسرائيل على الباقي بشكل مؤقت من دون أن تبدأ التنقيب فيها بانتظار الاتفاق النهائي بين البلدين على الحدود.

الخيط المتبقي لتخفيف الضغط

ويؤكد وزير سابق معني بملف التفاوض بشأن الحدود البحرية، وكان واكب رسم الجانب اللبناني للخرائط التي تحدد الحقوق اللبنانية في البحر، أنه "حين جرى تذليل العقبات أمام إطار التفاوض الصيف الماضي، كما أعلن عنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، كان متعارفاً عليه أن تبدأ المفاوضات من الخلاف على الخط الذي رسمه السفير هوف وسلمه للجانبين في عام 2014".
إلا أن سفيراً لبنانياً سابقاً في واشنطن يعتبر أن تأجيل جلسة التفاوض على الحدود البحرية، هو بمثابة تلويح أميركي بأنه إذا كان الإفراج عن المفاوضات من قبل "الثنائي الشيعي" عبر اتفاق الإطار الذي أعلنه بري في 1 أكتوبر الماضي، كان مؤشراً إلى تساهل من قبل هذا الفريق بهدف وقف مسلسل العقوبات على حلفاء "حزب الله"، بعد أن طالت مساعد بري، الوزير السابق علي حسن خليل ومساعد زعيم "تيار المردة" سليمان فرنجية، الوزير السابق يوسف فنيانوس في 8 سبتمبر (أيلول) الماضي، فإن تأجيل التفاوض ربما يكون مقدمة لإلغاء الخيط الوحيد المتبقي الذي يمكن أن يخفف الضغوط الأميركية على لبنان، فإذا انقطع هذا الخيط تصاعد الضغط أكثر مما هو عليه الآن. فالمطالب اللبنانية في جلسات التفاوض جرى تصنيفها على أنها عودة إلى التشدد من قبل "الحزب"، استدعت التحرك الأميركي.

عون و"الصعوبات الممكن تذليلها"

ففي خطوة لم تخف مصادر رسمية قريبة من الوفد اللبناني العسكري- المدني، بأنها تنطلق من مبدأ المطالبة بالكثير للحصول على أقصى الممكن في المفاوضات، طرح الجانب اللبناني خرائط جديدة لعملية الترسيم المفترضة، تؤدي إلى توسيع حقوق لبنان المتنازع عليها مع سرائيل، من 860 كلم مربع إلى 2160 كلم مربع، مستنِداً بذلك إلى قانون البحار وإلى خرائط للحدود اللبنانية- الفلسطينية رُسمت في عام 1923 (اتفاقية نيوكومب وبوليه بين الانتدابين البريطاني والفرنسي آنذاك) وتحدد نقطة انطلاق رسم الخط البحري للحدود، من اليابسة، في تلة تقع في منطقة رأس الناقورة، ما يعني مطالبة الوفد اللبناني بمساحة إضافية عن الـ860 كلم مربع، في البحر تقارب الـ1400 كيلومتر مربع وتشمل جزءاً من حقل "كاريش" الإسرائيلي الذي تستثمره إسرائيل عبر شركة يونانية. ولبنان كان بعث برسالة إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة (عام 2011) يعترض فيها على ترسيم إسرائيل لحدودها تؤكد أنها تعتدي على مساحة 860 كلم مربع تعود إليه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


رفض الجانب الإسرائيلي

في المقابل، علّق وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس حينها بالقول إن "لبنان غيّر موقفه الرسمي بشأن حدوده البحرية مع إسرائيل سبع مرات"، مشيراً إلى عدم تفاؤله بالمفاوضات. لكن الرئيس اللبناني ميشال عون حرص على إبداء بعض الليونة حين زاره رئيس الوفد الأميركي الوسيط السفير ديروشر في 2 ديسمبر، وقال إن "لبنان المتمسك بسيادته على أرضه ومياهه، يريد أن تنجح مفاوضات الترسيم لأن ذلك يعزز الاستقرار في الجنوب وسيمكّن من استثمار الموارد الطبيعية من غاز ونفط".

وأشار الرئيس اللبناني إلى أن "الصعوبات التي برزت في جولة التفاوض الأخيرة يمكن تذليلها من خلال بحث معمّق يرتكز على الحقوق الدولية ومواد قانون البحار وكل ما يتفرع منها من نصوص قانونية"، لافتاً إلى "ضرورة استمرار هذه المفاوضات لتحقيق الغاية من إجرائها، وإذا تعثر ذلك لأي سبب كان، يمكن درس بدائل أخرى".

تلويح بعقوبات جديدة؟

سبق زيارة السفير ديروشر، زيارتان أجرتهما السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، الأولى للرئيس عون الأسبوع الماضي، مستغربةً الطرح اللبناني الجديد، وداعيةً إلى العودة إلى التفاوض على خط هوف. ونسبت مصادر إعلامية قريبة من "حزب الله" إلى  أن تحرك السفيرة شمل تهديداً مبطناً بعقوبات على المزيد من الشخصيات السياسية. أما الزيارة الثانية فأجرتها شيا إلى رئيس البرلمان نبيه بري قبل يوم من مجيء السفير ديروشر، وتناولت الموضوع ذاته معه، على الرغم من أن موعدها معه كان متفقاً عليه قبل أسبوعين، خصوصاً أن بري يعتبر أن مهمته انتهت في متابعة التفاوض بعدما كان توصل مع الجانب الأميركي والأمم المتحدة إلى اتفاق الإطار الذي وضع آليات التفاوض، وانتقل إلى رئاسة الجمهورية.
إلا أن تشديد عون على ضرورة استمرار المفاوضات، والاستعداد "لدرس بدائل أخرى"، شكّل إشارة بأن الرئاسة اللبنانية منفتحة على إمكان تليين الموقف التفاوضي اللبناني، تجنباً للجمود، على اعتبار أن عون يتصرف على أساس أن هذا المسار هو الوحيد الذي يبقي على التواصل الإيجابي مع الولايات المتحدة بعد فرض العقوبات على صهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل.

لقاءات مكوكية لخفض السقوف العالية؟

ولا يستبعد مصدر مواكب لمراحل التفاوض على الحدود البحرية منذ عقد من الزمن، أن تكون "البدائل" التي أشار إليها عون، تتمثل في أن يتولى السفير ديروشر لفترة من الزمن الوساطة بين لبنان وإسرائيل بلقاءات مكوكية مع كل منهما، في ظل تعليق جلسات التفاوض لمدة من الزمن علّه ينجح بهذه الطريقة في خفض السقوف لدى الجانبين، لأن بقاء كل فريق على طروحاته لن يوصل إلى أي نتيجة.
فالطرح اللبناني بإضافة 2160 كلم مربع إلى الـ860 كلم مربع المتنازع عليها، أدى إلى توسيع حصة لبنان إلى المربعات المائية الإسرائيلية التي تختزن الغاز أو النفط، بما فيها حقل "كاريش" قبالة مدينة حيفا، فرد الوفد الإسرائيلي برسم خط آخر يؤدي عملياً إلى استيلاء إسرائيل على أقسام من البلوكات الواقعة في المنطقة الاقتصادية الخالصة التي يملكها لبنان وصولاً إلى البقعة شمال بيروت، بحيث ادعى الإسرائيليون ملكيتهم أجزاء من البلوكات الرقم 5 و8 (45 في المئة) و9 (10 في المئة) و10 (50 في المئة). وهذا ما جعل الطروحات من الجانبين غير واقعيين، ويحتاج الأمر إلى إعادة التفاوض على تعديل خط هوف.

المزيد من العالم العربي