يواجه فريق بايدن الجديد وعدد من المرشحين لمناصب وزارية رفيعة، مثل أنتوني بلينكن، المرشح لتولي الخارجية، وميشيل فلورنوي، التي تعد من أبرز المرشحين لتولي وزارة الدفاع، وأفريل هاينز، المرشحة لمنصب مديرة المخابرات الوطنية، اختباراً أخلاقياً؛ بسبب انخراطهم في شركات استراتيجية وجماعات ضغط، وروابطهم مع شبكات مصالح خلال عملهم السابق، ما أثار قلق اليسار الديمقراطي واليمين المحافظ على حد سواء، وبينما يؤكد فريق بايدن التزامه بقطع كل صلة تربطه بشركاته ومؤسساته السابقة التزاماً بمبدأ الشفافية، ومن أجل الالتزام الأخلاقي الذي قطعه الرئيس المنتخب على نفسه، إلا أن المخاوف ما زالت قائمة من تكرار ما فعله ترمب وفشله في تجفيف المستنقع.
أين وزير الدفاع؟
عندما كشف الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن عن فريقه للأمن القومي والسياسة الخارجية، كانت هناك حالة غياب ملحوظة في أحد أهم المناصب الوزارية، وهو المرشح لقيادة وزارة الدفاع (البنتاغون)، والسبب وراء ذلك أن ميشيل فلورنوي، المرشحة الرئيسة للمنصب، والتي شغلت مناصب عليا في البنتاغون خلال إدارتي كلينتون وأوباما، واجهت انتقادات من الجمهوريين، وأيضاً من الديمقراطيين التقدميين والناشطين ذوي الميول اليسارية على حد سواء لعلاقاتها بشركات تتعاقد مع وزارة الدفاع، فضلاً عن قيادتها شركة استشارات استراتيجية في واشنطن.
وقد يكون عمل فلورنوي لصالح شركة "بوز آلين هاملتون"، وهي شركة استشارية تتعاقد مع البنتاغون، إحدى أبرز العقبات في طريق حصولها على موافقة مجلس الشيوخ على تعيينها؛ إذا رشحها الرئيس المنتخب بايدن في نهاية المطاف؛ ولهذا دعا عدد من أبرز المشرعين التقدميين بايدن إلى اختيار رئيس للبنتاغون ليست له صلات بالشركات المتعاقدة مع وزارة الدفاع.
بلينكن وهاينز وبساكي
لكن فلورنوي ليست الوحيدة التي تتعرض لتساؤلات من هذا النوع، فقد أسس أنتوني بلينكن، المرشح لمنصب وزير الخارجية مع ميشيل فلورنوي، بعد مغادرتهما إدارة أوباما، شركة أطلقا عليها اسم "ويست إكسيك"، وهي شركة استشارات استراتيجية لا تكشف عن أسماء عملائها، ولا تفصح عن الأموال التي تتقاضاها، وتقدم استشارات إجرائية وسياسية لاجتياز المخاطر العالمية لعملائها وكيفية الدخول والخروج إلى الدوائر السياسية في واشنطن، بما يمثل نموذجاً عن كيفية استفادة المسؤولين السابقين من خبراتهم واتصالاتهم، وكيفية الوصول إلى هدفهم في مجتمع واشنطن المعقد.
ومن بين الذين عملوا أيضاً في شركة "ويست إكسيك" أفريل هاينز، التي رشحها بايدن لمنصب مديرة الاستخبارات الوطنية، وإيلي راتنر، الذي يساعد في تنظيم عملية انتقال السلطة في البنتاغون، وجينيفر بساكي مستشارة الفريق الانتقالي لبايدن، والتي رشحها مؤخراً لتكون متحدثة باسم البيت الأبيض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تضارب المصالح
وعلى الرغم من أن الشركة لا تكشف عن أسماء عملائها، فإن مصادر مطلعة كشفت لصحيفة "نيويورك تايمز"، عن أن من بين العملاء شركة "شيلد" للذكاء الاصطناعي، وهي شركة مقرها سان دييغو، وتصنع طائرات مسيرة (درون) للاستطلاع والمراقبة، وكانت قد وقعت عقداً بقيمة 7.2 مليون دولار مع القوات الجوية الأميركية هذا العام لتقديم أدوات ذكاء اصطناعي لمساعدة طائرات الـ"درون" على العمل في مهام قتالية.
وفي الوقت نفسه، عمل بلينكن وفلورنوي مستشارين لشركة أخرى هي "باين آيلاند كابيتال" التي جمعت هذا الشهر 218 مليون دولار لإنشاء صندوق جديد لتمويل الاستثمارات في شركات عسكرية وجوية وفضائية أميركية، كما اشترت "باين آيلاند كابيتال" شركة "إنفريس" التي تبيع أنظمة تدريب على أسلحة المحاكاة بالكمبيوتر إلى البنتاغون، الأمر الذي دفع ناشطين حقوقيين وجهات رقابية إلى المطالبة بتحديد خطوات لتقليل تأثير تضارب المصالح الذي ميز فترة حكم الرئيس ترمب منذ البداية.
نقطة خلاف
لا تقلق هذه المجموعات الرقابية والحقوقية فقط من أن مساعدي بايدن يمكنهم صياغة السياسات الحكومية بطرق يمكن أن تفيد الشركات التي تدفع لجماعات الضغط، ولكن أيضاً من أن جماعات الضغط هذه يمكن أن تصبح نقطة جذب للباحثين عن الوصول إلى إدارة بايدن.
ولهذا يطالب المنتقدون فريق بايدن بالكشف الكامل عن جميع العلاقات المالية وقوائم العملاء، والتخلي عن أي حصص ملكية في شركات وجماعات الضغط، والتأكد من أن مساعديه سيتراجعون عن أي قرارات يمكن أن تفيد مصالحهم التجارية السابقة.
كما أثار ذلك حفيظة النشطاء المدافعين عن الشفافية والحكم الرشيد، الذين توقعوا أن يكون عمل بلينكن السابق نقطة خلاف عندما تعقد جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ لتثبيت بلينكن في منصبه الجديد، وخصوصاً أن الجمهوريين أكدوا اعتزامهم إثارة ومناقشة هذه العلاقة، فضلاً عن رغبتهم في التدقيق حول طبيعة هيكل شركة "ويست إكسيك" التي تختلف عن جماعات وشركات الضغط الأخرى من حيث عدم حاجتها للتسجيل لدى الحكومة، ويريد الجمهوريون الحصول على توضيح بشأن ماهية عمل الشركة، وما إذا كانت أنشطتها تتعارض مع مرشحي بايدن لتولي مناصب عامة رفيعة في الإدارة الأميركية.
إدارة أكثر أخلاقية
في المقابل، أوضح متحدث باسم بايدن في بيان أنه إذا تأكد تعيين بلينكن وأي مرشح لمنصب حكومي آخر فإنهم سيستقيلون من هذه الشركات إذا لم يكونوا قد فعلوا ذلك بالفعل، ويبيعون حصص ملكيتهم ويلتزمون بالإجراءات الملائمة للإفصاح والمكاشفة الخاصة بعملائهم. وأضاف المتحدث أن الرئيس المنتخب تعهد بأكثر إدارة أخلاقية صرامة في التاريخ الأميركي، وسيلتزم كل عضو في الإدارة الأميركية بقواعد الأخلاق الصارمة ويلتزم بجميع متطلبات الإفصاح.
فحص وتدقيق
ونتيجة للجدل المثار حالياً حول إمكان وجود تأثير ونفوذ لجماعات الضغط على الإدارة الجديدة، خضع العديد من اختيارات بايدن لوزرائه وتعييناته لمساعديه وقيادات البيت الأبيض، لفحص وتدقيق شديدين؛ بسبب عملهم في شركات وجماعات ضغط أميركية، أو بسبب تاريخهم السابق في هذا المجال.
ويمثل الخلاف حول تشكيل إدارة بايدن أولى بؤر التوتر التي تقفز للعلن بين مؤسسة الحزب الديمقراطي والتيار اليساري داخل الحزب بعد تعاونهما الواضح في التنسيق من أجل ضمان انتخاب بايدن وحرمان الرئيس دونالد ترمب من الفوز بولاية ثانية، وقدمت مجموعات تقدمية داخل الحزب الديمقراطي، قائمة مقترحة خاصة بها تضم أكثر من 400 شخص لتعيينهم في الإدارة الجديدة للرئيس المنتخب، وهي مجموعة لا تتضمن أشخاصاً عملوا سابقاً في شركات وجماعات الضغط.
اختيارات مثيرة
لكن في المقابل، رشح بايدن أحد مساعديه القدامىـ، وهو ستيف ريشيتي، للعمل مستشاراً للرئيس في البيت الأبيض، على الرغم من أنه كان عضواً سابقاً في جماعة ضغط، وقضى أكثر من 10 أعوام في العمل مع شركات الرعاية الصحية والأدوية خلال الفترات التي كان فيها خارج البيت الأبيض في عهدي كلينتون وأوباما، كما رشح بايدن سيدريك ريتشموند، عضو مجلس النواب الأميركي عن ولاية لويزيانا، مديراً لمكتب المشاركة العامة، وهي خطوة وصفتها إحدى الحركات الشبابية المدافعة عن البيئة بأنها "خيانة"، بسبب علاقات ريتشموند بشركات الطاقة التي دفعت عشرات الآلاف من الدولارات لدعم حملته الانتخابية في الكونغرس، حسب مركز السياسة المستجيبة.
40 من 500
من بين فريق بايدن الانتقالي المكون من 500 شخص، والذي بدأ التواصل مع الهيئات الحكومية لتسهيل نقل السلطة، هناك ما لا يقل عن 40 شخصاً من جماعات الضغط الحالية والسابقة المسجلين لدى الحكومة الأميركية، وفقاً لسجلات جماعات الضغط الفيدرالية، ومثّل العديد منهم نقابات عمالية مختلفة أو مجموعات بيئية أو منظمات مدنية غير ربحية، بينما مارس البعض الآخر ضغوطاً نيابة عن مصالح الشركات والأعمال، مثل شركات الأدوية والطاقة.
ويجب أن يوافق الفريق القانوني للفترة الانتقالية للرئيس المنتخب على الأشخاص الذين سبق لهم العمل في جماعات الضغط، بمن في ذلك أي شخص سجل لدى الحكومة خلال العام الماضي، كما يجب على أعضاء الفريق الانتقالي أيضاً السعي للحصول على الموافقة من الفريق القانوني إذا كانوا قد مثّلوا حكومات أو أحزاباً سياسية أجنبية خلال العام الماضي، أو قدموا المشورة لها، ويحظر عليهم العمل مع أي أحزاب أو حكومات أجنبية لمدة عام إضافي بعد الفترة الانتقالية.
تجفيف المستنقع
وجلب الجدل حول هذا الموضوع إلى الذاكرة ما صنعه الرئيس ترمب على مدى السنوات الأربع الماضية، فقد تعرض لانتقادات واسعة بسبب انتهاكه قاعدة أخلاقية أرساها هو بنفسه حينما وعد بتجفيف المستنقع في واشنطن، في إشارة إلى جماعات المصالح والضغوط المنتشرة في العاصمة الأميركية.
فخلال الأسبوع الأول من توليه المنصب، أصدر ترمب أمراً تنفيذياً يطلب من جميع المعينين من قبل إدارته التوقيع على تعهد أخلاقي بأنهم لن يشاركوا في أي مسألة تتعلق بصاحب العمل السابق أو العملاء السابقين، وعدم العمل في جماعات الضغط لصالح الوكالات والشركات التي عملوا فيها لمدة خمس سنوات من تركهم مناصبهم الحكومية، ولكن في غضون الشهرين الأولين من توليه المنصب، ألغت إدارة ترمب 16 من هذه القيود الأخلاقية، وسمحت للموظفين بالعمل في البيت الأبيض والالتفاف على قواعد الأخلاقيات خلال باقي سنوات رئاسته، وانخرط عديد من الأعضاء السابقين في إدارة ترمب في ممارسة ضغوط وفي تمثيل مصالح خاصة تعهدوا بعدم تمثيلها لمدة خمس سنوات على الأقل.
وفي حين لا يتوقع أن تنشر القواعد الأخلاقية لإدارة بايدن إلا عندما يتولى منصبه في 20 يناير (كانون الثاني)، يأمل دعاة الشفافية والحكم الرشيد في تحديد مبادئ إرشادية وخطوط فاصلة تمنع من أسهموا في جماعات الضغط المسجلين لدى الحكومة من العمل في الإدارة الأميركية، على اعتبار أن عملية إعادة البناء، تتطلب وجود حكومة أخلاقية في سلوكها، وإذا تخلت إدارة بايدن عن هذه القواعد، فلن يكون بوسعها الوفاء بوعدها للشعب الأميركي.