Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نصائح للحريري بعدم الاعتذار في حال رفض عون لائحته الحكومية

"حزب الله" يقلب الاتهامات الموجهة إليه بتأخير الحكومة نحو الرئيس المكلف

عون مستقبلاً المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش في قصر بعبدا في 27 نوفمبر (دالاتي ونهرا)

أغرق المسؤولون والسياسيون اللبنانيون الرأي العام والوسَطَين السياسي والإعلامي خلال الأسبوعين الماضيين بتفاصيل السجال والنقاش حول إعلان شركة "ألفاريز أند مارسال" وقف العقد بينها وبين الدولة اللبنانية من أجل التحقيق في موازنة وأموال "مصرف لبنان المركزي"، فحجبوا بذلك الأنظار عن الأولوية العاجلة لتأليف الحكومة الجديدة، التي تتعثر ولادتها على الرغم من مُضي 40 يوماً على تكليف زعيم تيار "المستقبل" سعد الحريري تشكيلها.

وخاضت الطبقة السياسية نقاشات حول عدم تسليم "مصرف لبنان" المستندات كافة التي طلبتها الشركة، بذريعة قانون السرية المصرفية الذي يجب على حاكم المصرف المركزي، رياض سلامة، وجميع هيئاته، التزامها، إلا في حالة واحدة هي طلب النيابة العامة من هيئة التحقيق الخاصة، ذلك. وواكب ذلك اتهامات من الفريق الرئاسي الحاكم والرئيس ميشال عون للحاكم بالتغطية على مخالفات في صرف الأموال خلال السنوات الماضية من قبل أفرقاء سياسيين توالوا على عدد من الوزارات، وسط اعتقاد أكثر من فريق بأن عون يريد الاقتصاص من سلامة بحصر أسباب الأزمة المالية الحادة في لبنان والفجوة المالية في أموال المصرف المركزي بقيمة تتراوح بين 50 و60 مليار دولار أميركي، والتغاضي عن تسبب رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل والوزراء الذين عينهم في وزارة الطاقة بهدر نحو 40 مليار دولار على مدى 10 سنوات من دون تأمين الطاقة الكهربائية لللبنانيين.

سجال التدقيق الجنائي والمراوحة الحكومية

من الطبيعي أن يستأثر السجال حول التدقيق المالي الجنائي بالاهتمام الشعبي والسياسي، نظراً لأنه مطلب انتفاضة ثورة 17 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، وكذلك المجتمع الدولي الذي يشترط من بين ما يشترطه من إصلاحات، الشفافية في المالية العامة من أجل مساعدة لبنان على النهوض من الحفرة السحيقة التي وقع فيها. إلا أنه بموازاة هذه الأولوية هناك أولوية تأليف الحكومة الجديدة كي تنفذ الإصلاحات "العاجلة" التي يتوقف على انطلاقها، توفير الدعم الدولي للبنان، وهو أمر يخضع للمراوحة نتيجة عودة التناحر على المواقع الوزارية، وبسبب تداخل العوامل الإقليمية والخارجية مع الصراعات السياسية الداخلية القائمة على منطق المحاصصة بين الأفرقاء المحليين. ودفعت هذه العوامل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مبادرته لإنقاذ لبنان، في 1 سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى الإصرار على قيام حكومة يتمتع وزراؤها بالنزاهة والكفاءة والاستقلالية، وبثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي ليكونوا قادرين على إنجاز الإصلاحات في خريطة الطريق التي وضعها بتأييد جميع الدول المهتمة بلبنان، بما فيها الولايات المتحدة.

مخرج البرلمان: التدقيق يتطلب سنوات؟

استقر السجال اللبناني الداخلي حول التدقيق الجنائي الذي أصر عليه الرئيس عون ولا يستطيع أي من الأفرقاء اللبنانيين معارضته، على قرار من مجلس النواب بعد رسالة وجهها إليه عون مطالباً باتخاذ الإجراء المناسب، معتقداً أنه يحرج بذلك القوى السياسية كافة، لا سيما تلك غير المتحمسة للتدقيق الجنائي. ونص القرار على إخضاع "حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة بالتوازي للتدقيق الجنائي دون أي عائق أو تذرع بسرية مصرفية أو خلافها". ولم يصدر الأمر بقانون يستثني المصرف المركزي من السرية المصرفية، لكن عون وباسيل اعتبراه انتصاراً برفعه "عائق السرية المصرفية"، بعدما كان باسيل اتهم البرلمان بـ"العجز" عن إقرار القوانين المتعلقة بهذا الأمر في رسالة وجهها إلى ماكرون في 26 نوفمبر.

ورأى معظم الأوساط السياسية أن رئيس البرلمان نبيه بري الذي يقف على رأس القوى السياسية التي تشك بأن عون وباسيل يسيسان مطلب التدقيق الجنائي لأهداف فئوية، تصرف بحنكة مع مطلب عون فصاغ قرار البرلمان بطريقة تؤكد التجاوب مع مطلبه، لكنها تترك مجالاً لاستدراك عملية التدقيق في حال اقتضى الأمر ذلك. فإن نص القرار، إضافة إلى شموله التدقيق في كل الوزارات والمؤسسات، تضمن عبارة "بالتوازي" التي تعني أن تتم العملية في الوقت ذاته. وفي لبنان 22 وزارة، وأكثر من 10 مؤسسات وصناديق، ما يوجب في حال تطبيق نص القرار حرفياً، التعاقد مع شركات عدة، مع ما يعنيه ذلك من تكلفة مالية ووقت لإنجاز المهمة، فتهكمت أوساط سياسية ومالية على ذلك بالقول إن العملية قد تستمر عشرات السنين. ويفتح ذلك الباب على استئناف السجال حول تلك الخطوة في الأسابيع المقبلة.

وإذا كان ما تقدم يكفي للإشارة إلى تحول مسألة التدقيق الجنائي إلى مادة لصرف الأنظار عن تأليف "حكومة المهمة" وفق مواصفات المبادرة الفرنسية بصفتها حجر الرحى في أي عملية إنقاذية، فإن المعطيات التي تتحكم بعملية التأليف تشعبت وتنوعت بحيث جرى تشتيت الانتباه عمن يتحمل مسؤولية إعاقتها، لكن الرئيس ماكرون في رسالته إلى عون لمناسبة عيد الاستقلال لم تترك مجالاً للشك بأنه خاطبه بلهجة أقرب إلى اللوم على التأخير؛ إذ جاء فيها أن "العجلة، راهناً، تقتضي تشكيل حكومة من شخصيات مؤهلة، تكون موضع ثقة وقادرة على تطبيق الإجراءات (الإصلاحية). وفي هذا الإطار، لديكم مسؤولية خاصة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


اتهام الحريري بما يتهم به "حزب الله"

وفي وقت تركزت الاتهامات على باسيل بأنه يقف وراء مطالبة عون بتسمية الوزراء المسيحيين، مقابل إصرار الحريري على تجنب الإتيان بوزراء يدينون بالولاء للقوى السياسية، فإن انقطاع الاتصالات بين الرجلين لأكثر منذ أسبوع أتاح تنظيم حملة ترمي مسؤولية تأخير التأليف على الرئيس المكلف. فعون تمسك، بعد العقوبات الأميركية على باسيل التي شكلت ضربة له؛ إذ يعتبره وريثه السياسي ومرشحه في انتخابات عام 2022 الرئاسية، بمطالبه أكثر من السابق، معتبراً أنه يتعرض للظلم من قبل الأميركيين، وأنه مثلما وقف ضد السياسة الأميركية في عام 1989 يتعرض باسيل للظلم أيضاً، وأنه كما صمد وصبر هو، ثم ظفر بالرئاسة في عام 2018، باسيل سيصمد وينتصر في النهاية.

وشاركت أوساط "حزب الله" بالحملة الإعلامية الهادفة للضغط على الحريرى لحمله على تقديم تشكيلته الحكومية إلى رئيس الجمهورية معتبرة أنه يمسك بورقة ‏التكليف، وينتظر تسلم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن مهماته في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، لعل أن تظهر معادلات جديدة في ‏المنطقة تؤدي إلى تغيير المعطيات التي تتيح تسريع تشكيل الحكومة، على اعتبار أنه يخضع لضغوط أميركية وخليجية لحرمان "حزب الله" من تسمية وزير مقرب منه، والإصرار على تسمية الوزراء كافة من المستقلين؛ أي إن وسائل الإعلام القربية من "الحزب" تتهم الحريري بما يتهم به "حزب الله"، بأنه يترك لعون وباسيل كحليفين له أن يعرقلا التأليف ضمن إطار حسابات إيرانية تقضي بالإبقاء على ورقة الحكومة في لبنان إلى أن يأتي أوان التفاوض مع إدارة بايدن لاستخدامها في مقايضات "البازار" الذي يمكن أن يفتح بين واشنطن وطهران. كما أن نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم أبعد الحريري عن عرقلة التأليف بالقول إن لا مشكلة معه في الحكومة، لكنه حض الرئيس المكلف على توسيع مشاوراته، أي إن تشمل باسيل.

قول الشيء وعكسه

كما أن الحملة الإعلامية المضادة المركزة على الحريري تناولت إحجامه عن التواصل مع باسيل من أجل إشراكه في تأليف الحكومة، مقابل الاتهامات التي طالت صهر رئيس الجمهورية بأنه يقف وراء تصلب الأخير في خرق مبدأ استقلالية الوزراء الذي يصر عليه الحريري كي يكونوا مقبولين من المجتمع الدولي والدول العربية.

ومع أن عون شكا أمام أفرقاء محليين وأمام مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل، من أن الحريري لا يتواصل مع باسيل للاتفاق معه على التمثيل الوزاري في الحكومة كرئيس لكتلة نيابية وازنة، فإن التسريبات عن أن الأخير يصر على وضع الشروط على الرئيس المكلف لإحراجه فإخراجه على قاعدة "إما نكون سوياً في الحكومة أو كلانا خارجها"، دفعت عون إلى إصدار بيان ينفي فيه ذلك للمرة الثانية. وتحدث البيان عن "معلومات مختلقة عن مسار تشكيل الحكومة الجديدة، بالإشارة إلى دور لرئيس (تكتل لبنان القوي) النائب جبران باسيل في عملية التشكيل". ووصف البيان الرئاسي هذه المعلومات بأنها "كاذبة، ولا تمُت إلى الحقيقة بصلة، وتتكرر من حين إلى آخر وتعمم من وسيلة إعلامية إلى أخرى بتنسيق واضح من جهات معروفة". وجدد البيان التأكيد أن تشكيل الحكومة يتم بالاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ولا دور لأي طرف ثالث فيه". وأعقب ذلك بيان نفي من باسيل للاتهامات الموجهة ضده بالسعي إلى إخراج الحريري.

ماذا لو رفض عون لائحة الحريري المكتملة؟

نجح عون و"حزب الله" في توجيه الأنظار نحو الرئيس المكلف فوجهت الانتقادات للحريري بأنه لم يقدم تشكيلة متكاملة خلال كل مشاوراته السابقة مع رئيس الجهورية، ما دفع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي إلى مطالبة الحريري بأن يطرح لائحته على عون.

ومع احتفاظ الحريري بالصمت خلال الأسابيع الماضية، تسرب أوساطه بأنه سيطرح على عون تشكيلته الحكومية الكاملة في الساعات المقبلة وسط تساؤلات لا أجوبة عنها: ماذا سيفعل في حال رفضها عون؟ إذ إن هناك قراراً بعدم تشكيل الحكومة على الرغم من الظروف الملحة لولادتها، لا سيما من الجانب الفرنسي، الذي ينظم الأربعاء 2 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مؤتمراً دولياً عبر تقنية الفيديو لجمع مساعدات إنسانية للبنان توزع عن طريق المجتمع المدني لا الحكومة اللبنانية؟

يقول بعض قياديي تيار "المستقبل" إن مغامرة تقدم الحريري بلائحة مكتملة لحكومة من 18 وزيراً غير معروفة النتائج، فإذا رفضها عون وأصر على مطالبه بتسمية أكثرية الوزراء المسيحيين، يكون الحريري بين خيارات أحلاها مُر: إما أن يقبل مع عون بمطالبه، ولهذا عواقب مع الخارج والداخل، أو يعود الخلاف إلى نقطة الصفر، وبالتالي المراوحة، أو أن يعتذر عن مهمة تأليف الحكومة وهذا يعني أنه سلم بانهزامه أمام رئيس الجمهورية، وفتح معركة غير متحمس لها مع عون. وسيؤدي ذلك إلى مزيد من التدهور في أوضاع البلد المالية وانهيار سعر صرف الليرة أكثر، بينما تتردد معلومات عن أن المسؤولين الفرنسيين ينصحونه بتجنب الاعتذار.

المزيد من العالم العربي