Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الموجة الثانية لكورونا تضع الأطفال العرب في مرمى خطورة مضاعفة

نحو تسعة ملايين طفل عربي لم يحصلوا على لقاحي شلل الأطفال والحصبة بسبب القيود التي فرضتها الجائحة

أثرت القيود المفروضة على الحركة وإغلاق المدارس سلباً على الروتين اليومي للأطفال (أ ف ب)

خيب كورونا الآمال وضرب عرض الحائط بالأمنيات، ومضى قدماً دون أن يلتفت إلى آهات الكوكب وأوجاع مليارات البشر، إن لم يكن لإصابة فيروسية، أو حدوث وفاة لقريب أو حبيب، فلتوتر وقلق يضربان الحاضر في مقتل، وضبابية وغموض يكتنفان المستقبل بخطوطه العريضة وتفاصيله الصغيرة.
أكثر من نصف صغار المنطقة العربية يعانون نفسياً وعاطفياً بسبب ما فرضه الوباء من قيود وضغوط وخسائر ومرض وتهديد. ما يزيد على ثلاثة ملايين إصابة مؤكدة بـ"كوفيد-19" في المنطقة العربية ألقت بظلال ثقيلة ووخيمة على ملايين الأطفال. وتشير إحصاءات صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إلى أن حياة نصف أطفال العرب باتت مضطربة بفعل الوباء. وقال المدير الإقليمي لـ"يونيسيف" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تيد شيبان، إن "القيود المفروضة على الحركة وإغلاق المدارس أثرا تأثيراً سلبياً شديداً على الروتين اليومي للأطفال وتفاعلاتهم الاجتماعية وصحتهم النفسية. وكلما طالت الجائحة، زاد تأثيرها المدمر على الأطفال".

مصابون دون فيروس

وعلى الرغم من أن أرقام الإصابات والوفيات تؤكد أن الأطفال ليسوا في مقدمة صفوف المصابين بالفيروس، فإنهم من بين أكبر ضحاياه، وحياتهم تتغير إلى الأسوأ، وصحتهم النفسية تتأثر أكثر. وآثار الوباء الاجتماعية والاقتصادية تنال منهم بشكل أكبر. وإذا كان الكبار يتأثرون بالوباء وإصاباته وقيوده وآثاره، فإن تأثر الصغار يكون أشد بأساً، لأن الوباء سيظل عاملاً مؤثراً في حاضرهم ومستقبلهم ومحفوراً في وجدانهم.
وأظهرت سلسلة دراسات الاستقصائية أجرتها "يونيسيف" في الجزائر والأردن والمغرب وسوريا وقطر وتونس حول أكبر التحديات والمخاوف التي تواجهها الأسر منذ ظهور الوباء، نتائج كارثية؛ فما يزيد على 95 في المئة من المشاركين في الاستطلاعات قالوا إن أطفالهم تأثروا سلباً بالوباء وقيوده وآثاره، ونصف المشاركين أكدوا أن أطفالهم يعانون نفسياً وعاطفياً منذ ظهور الوباء. وأعرب نحو 40 في المئة من الأهل عن قلق بالغ حيال الأضرار التي يلحقها الوباء بالتعليم. وقال نصف الآباء والأمهات إن التعلم عن بعد ليس فعالاً بالقدر الكافي، وذلك لنقص الموارد والدعم المقدم من الأشخاص البالغين وصعوبة الاتصال بالمعلمين.

الحل الرقمي

طرح الحل الرقمي لمعضلة التعليم في ظل الوباء تحديات عدة، وكشف عن فجوات ومشكلات من شأنها أن توسع الهوة التعليمية والحقوقية بين الأطفال العرب وبعضهم البعض. وتضمن البيان الختامي للقادة الصادر عن "قمة الرياض لمجموعة العشرين" بنداً قائماً بذاته عن التعليم. فقد أشار البند رقم 26 إلى الإجراءات العديدة التي تم اتخاذها للتخفيف من تأثير جائحة كورونا على التعليم. واتفق القادة على أهمية استمرار التعليم في أوقات الأزمات، وذلك عبر اتخاذ تدابير لضمان التعليم الحضوري الآمن والتعليم عن بعد والتعليم المدمج المتسم بالفعالية والجودة. وأشار البيان إلى "التعليم الشامل والعادل والجيد للجميع، لا سيما الفتيات، أساساً لتشكيل مستقبل أكثر إشراقاً والحد من عدم المساواة". وأشار البيان إلى "أهمية تحسين الوصول إلى تعليم الطفولة المبكرة عالية الجودة وبتكلفة ميسورة.


عالم ما بعد كورونا

وتزامن البيان الختامي لقمة العشرين مع مؤتمر عقد في القاهرة في مقر المجلس العربي للطفولة والتنمية، بمشاركة افتراضية لعشرات الشخصيات العربية المهتمة والعاملة في مجال حقوق الأطفال العرب، تحت عنوان "جائحة كورونا وحقوق الطفل"، بحثاً عن أفكار وآفاق تحول أزمة الوباء إلى فرصة لتغيير أوضاع الأطفال في المنطقة العربية إلى الأفضل. ودعا رئيس المجلس الأمير عبد العزيز بن طلال آل سعود، المعنيين بقضايا الأطفال العرب والتنمية إلى العمل والتكاتف من أجل التعافي من الأزمة الحالية، وإنقاذ ما هو قادم "لنؤسس عالماً أكثر عدالة وشمولاً واستدامة ومراعاة للبيئة وقدرة على الإبداع"، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى "الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، والتي أدت إلى صورة ضبابية مقلقة حول التداعيات الصحية والتعليمية والاجتماعية على الأطفال"، لافتاً إلى التعطيل الذي طرأ على تقديم خدمات التطعيم والعلاجات للأطفال بسبب الجائحة مع تزايد خطر ارتفاع وفيات الأطفال الرضع وتعطل التعليم مجدداً بسبب الموجة الثانية من الوباء".
يشار إلى أن نحو تسعة ملايين طفل عربي لم يحصلوا على لقاحي شلل الأطفال والحصبة بسبب القيود والغضوط التي فرضتها كورونا.

هوة شاسعة

تحدث رئيس المجلس العربي للطفولة والتنمية عن الهوة الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي تجعل التعلم عن بعد باستخدام المنصات الرقمية والتكنولوجية أمراً بالغ الصعوبة لملايين الأطفال العرب، وهو ما يهدد بزيادة نسب الفقر وعمالة الأطفال والزواج المبكر للفتيات وتفاقم العنف المنزلي، ناهيك بالقلق والتوتر. وأضاف أن "هذه الصورة لا تعني إلا أمراً واحداً، وهو الحاجة إلى العمل معاً حتى بعد التعافي من جائحة كورونا"، فالتعاون العربي من أجل الأطفال في ظل الجائحة الحالية لم يعد خياراً.
كذلك تحدث شيبان، عن إمكانية تحويل كورونا إلى "فرصة تعزز حقوق الطفل عن طريق دعم استمرار التعليم وسد الفجوات الرقمية ودعم الخدمات وبناء الثقة بالدعم الحكومي، بالإضافة إلى التعامل مع شبكات الأمان الاجتماعي وتوفير الدعم النقدي باعتبارها أولوية قصوى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أزمة في الإطعام

يشار إلى نتائج الاستطلاعات التي أعلنتها "يونيسف" قبل أيام، حول تأثير الجائحة على أطفال المنطقة العربية، كشفت عن أن القدرة المادية للطفل الواحد من بين كل خمسة، في 6 دول مشاركة، تأثرت بشكل أدى إلى تقليل المال المتوفر للإنفاق على طعام الأسرة. وقدرت "يونيسيف" عدد الأطفال الذين يعيشون ضمن عائلات فقيرة في تلك الدول العربية الست بنحو 60.1 مليون طفل في عام 2020، ما يعني أن معدلات الفقر زادت بفعل كوفيد-19؛ إذ لم يتعد عدد الأطفال الذين يعيشون في كنف عائلات فقيرة الـ50.4 مليون في العام الماضي قبل انتشار الفيروس، كما أن بقاء الأهل في البيت وفقدان الوظائف والأعمال في المنطقة العربية أدى إلى الانكماش الاقتصادي، والمؤكد أن العمال وموظفي القطاعات غير الرسمية هم الأكثر تضرراً.
وأشار شيبان أثناء إطلاق نتائج استطلاعات "يونيسيف"، إلى جانب إيجابي لم يلقَ حظه من الأضواء المسلطة، ألا وهو الإجراءات التي اتخذها عدد من دول المنطقة أثناء الجائحة ومنها الإفراج عن أطفال كانوا رهن الاحتجاز ويقدر عددهم بنحو ثلاثة آلاف طفل، وتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية أو توسيعها من خلال المساعدات النقدية، إضافة إلى انخفاض وتيرة العنف في مناطق النزاع.

من أزمة إلى فرصة

يبدو أن الأوضاع بالغة الصعوبة المفروضة على المنطقة بسبب وباء كورونا قادرة على تحويل الأزمة إلى فرصة، حيث إن هناك إمكانية لإصلاح الأنظمة التي تخدم الأطفال وتحسين سبل وصولهم إلى الخدمات مثل التعليم الجيد والرعاية الصحية الأولية ودعم الصحة النفسية وخدمات مواجهة العنف المنزلي والعنف القائم على النوع.
ووضعت "يونيسيف" ست نقاط تلخص الوضع الحالي للأطفال، وفي الوقت ذاته تضمن اجتياز الأزمة الحالية بأقل أضرار ممكنة. النقطة الأولى هي ضمان أن يتعلم جميع الأطفال مع التأكد من إغلاق الفجوة الرقمية. وأدى الإغلاق الأول للقطاع التربوي بسبب الجائحة إلى تعطل تعليم 91 مليون طالب حول العالم، وتحمل الأطفال الفقراء والمهمشون والفتيات الوطأة الأشد. أما النقطة الثانية فهي ضمان الحصول على خدمات الصحة والتغذية واللقاحات بتكلفة ميسورة للجميع؛ إذ إنه   ارت الأنظمة الصحية الهشة أصلاً، ما يضع ملايين الأطفال بمواجهة مباشرة مع الجوع والأمراض. وتتمحور النقطة الثالثة حول دعم وحماية الصحة العقلية للأطفال والمراهقين وإنهاء الإساءات والعنف الجنسي والإهمال أثناء مرحلة الطفولة. ويشار إلى أن انقطاع الأطفال عن خدمات الدعم الرئيسة عرضهم إلى قدر مضاعف من الأذى الجسدي والنفسي جراء الإغلاق الأول.

والنقطة الرابعة هي زيادة إمكانية الحصول على المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي والنظافة والتصدي للتدهور البيئي. وعلى الرغم من أن الجائحة غطت على الأزمة البيئية وتغير المناخ، فإنها قيدت قدرات ملايين الناس في تطبيق إجراءات النظافة الشخصية المنقذة للأرواح وأبسطها، وهي غسل الأيدي. وركزت النقطة الخامسة على التعامل الفوري مع الزيادة المفزعة في نسب الفقر بين الأطفال بسبب كورونا، لا سيما أنه عادة ما يتبع الأزمات الاقتصادية اقتطاعات في الإنفاق الحكومي بما في ذلك على البرامج المخصصة للأطفال. وإذا كرر العالم هذا النمط في أعقاب جائحة "كوفيد-19" فسيتواصل تصاعد تأثير الفقر والحرمان على الأطفال حتى بعد تراجع الأزمة المباشرة.

وفي السياق ذاته، تشدد النقطة السادسة على مضاعفة الجهود لحماية ودعم الأطفال وأسرهم ممن يعيشون في مناطق نزاعات وكوارث وتهجير. وكان متوقعاً قبل جائحة كورونا أن يشهد عام 2020 زيادةً في أعداد البشر المحتاجين لمساعدات إنسانية أكثر من أي وقت مضى. وأدت الجائحة إلى تفاقم نقاط الضعف لدى الأطفال المهاجرين والمهجرين واللاجئين والذين يعيشون في بلدان متأثرة بأزمات.

الأزمات المتواترة والمتشابكة التي فرضتها كورونا أثرت سلباً على الجميع، لكن التأثير على الأطفال أكبر وأعمق وأخطر، ومع شبح الموجة الثانية للوباء، وعدم وضوح إمكنيات الحصول على اللقاحات التي يتم تداول أخبارها المتضاربة والشكوك الكثيرة حول عدالة الحصول عليه، وما يعنيه ذلك من مستقبل ضبابي للصغار وحاضر بالغ الصعوبة لهم، يمثل الأطفال في المنطقة العربية تحدياً ضخماً لمستقبل المنطقة برمتها، لا سيما أن أوضاعهم قبل الجائحة لم تكن رائعة.

المزيد من صحة