Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نوبل للسلام تاريخ من جدل لا ينتهي

يرى المؤرخ البريطاني ريتشارد إيفانز أن الجائزة تحولت إلى ميدالية حسن سلوك

ما إن وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى السلطة عام 2018، حتى سارع إلى عقد اتفاق سلام مع إريتريا، منهياً حالة حرب استمرت أكثر من 20 عاماً، وأسفرت عن مقتل ما يزيد على 90 ألف شخص من البلدين. بدأ الاحتفاء بآبي أحمد كرجل سلام، وبالفعل منح جائزة نوبل للسلام، المرموقة عالمياً، ليصبح أحد أبطال القارة السمراء، أو هكذا تم الترويج له، منضماً إلى قائمة من القادة الذين يحظون بتقدير دولي، مثل الزعيم الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا.

جرائم حرب

لكن بعد أقل من مرور عام على نيل رئيس الوزراء الإثيوبي الجائزة الأرفع عالمياً، اشتعلت حرب أهلية تشكل تهديداً ليس لإثيوبيا فقط، بل للقرن الأفريقي أيضاً، وسط تقارير صادرة من الأمم المتحدة تحذّر من ارتكاب جرائم حرب في إقليم تيغراي الواقع شمال البلاد. وأفادت وكالة الأنباء السودانية الرسمية، الأسبوع الماضي، بأن نحو 25 ألف إثيوبي نزحوا إلى السودان، فارّين من العنف. وقالت الأمم المتحدة إن "التقارير لا تزال تظهر عمليات اعتقال واحتجاز تعسفي وقتل، فضلاً عن التمييز والوصم ضد قبائل تيغراي العرقية". 

ويعود الخلاف بين آبي وإقليم تيغراي إلى بداية وصوله إلى السلطة، عندما أطلق إصلاحات أدت إلى تهميش حكام المنطقة. واشتعل الصراع المسلح بين جبهة تحرير شعب تيغراي، وهي حزب سياسي يسيطر على الحكم في الإقليم، والحكومة المركزية الإثيوبية منذ مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، عندما شنّ الجيش الإثيوبي هجوماً عسكرياً على قوات الجبهة، بعد أشهر من توترات متصاعدة بين الطرفين، بدأت منذ أن نظمت الجبهة انتخابات إقليمية في أغسطس (آب) الماضي فازت فيها بجميع المقاعد، بينما رفضت الحكومة المركزية الاعتراف بها في أكتوبر (تشرين الأول) باعتبارها مخالفة لقرار تأجيل كل الانتخابات في البلاد بسبب وباء كورونا المستجد. ورفضت الجبهة تمديد ولاية جميع الهيئات التي توشك على الانتهاء، بما فيها ولاية مجلس النواب ورئيس الحكومة.

والخميس، أمر رئيس الوزراء الإثيوبي بشنّ هجوم نهائي ضد سلطات تيغراي المتمردة في عاصمة الإقليم ميكيلي، الذي يقطنه نحو 500 ألف شخص، وذلك في ختام مهلة 72 ساعة كان حددها لها. وسبق ذلك تحذير الأمم المتحدة بشأن جرائم حرب محتملة جراء عمليات الجيش الإثيوبي في تيغراي، إذ قالت المنظمة إنها قلقة من خطر اندلاع أعمال قتالية كبيرة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعربت ميشيل باشليه، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، عن "قلقها إزاء التقارير التي تتحدث عن تكديس كثيف للدبابات والمدفعية حول ميكيلي". وأضافت أن "الخطاب العدواني للغاية من الجانبين في ما يتعلق بالقتال من أجل ميكيلي، استفزازي بشكل بالغ ويهدّد حياة المدنيين  الخائفين بالفعل ويتركهم عرضة لخطر داهم".

تدخل نادر

المشهد المتصاعد في شمال إثيوبيا، دفع لجنة جائزة نوبل للسلام إلى تدخّل نادر من جهتها، داعية آبي إلى منع نشوب حرب أهلية في بلاده. وقالت اللجنة، التي نادراً ما تعبّر عن آراء بشأن تصرفات الفائزين بجائزتها، في بيان منتصف الشهر الحالي، "لجنة نوبل النرويجية تتابع التطورات في إثيوبيا عن كثب، وتشعر بقلق عميق"، ودعت جميع الأطراف إلى "إنهاء العنف المتصاعد وحل الخلافات والصراعات بالوسائل السلمية". 

وتدخّل لجنة نوبل في صراع إثيوبيا ربما يأتي بعد انتقادات عدة تعرضت لها خلال السنوات السابقة بسبب ما يصفه مراقبون بـ"التسرّع" في منح الجائزة بشكل مثير للجدل، بما في ذلك تكريم الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي مُنح هذا التكريم بعد تسعة أشهر من رئاسته، وأونغ سان سو تشي، الزعيمة البورمية، التي فازت بالجائزة عام 1991 عندما كانت رهن الإقامة الجبرية، والتي تعرّضت لاحقاً لانتقادات لفشلها في وقف اضطهاد أقلية الروهينغا المسلمة. وفي العالم العربي، واجهت اللجنة انتقادات لمنح الجائزة للناشطة اليمنية توكل كرمان.

جدل سابق

ومُنح أوباما جائزة نوبل للسلام عام 2009، بعد 263 يوماً فقط من تولّيه منصبه "لجهوده غير العادية في تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الناس"، بحسب تصريح اللجنة. وعلّق وقتها ليخ فاليسا، الرئيس البولندي السابق والحائز على جائزة نوبل عام 1983، "بسرعة للغاية. في الوقت الذي لا يزال أوباما يقدّم مقترحات فقط. لكن في بعض الأحيان تمنح لجنة نوبل الجائزة لتشجيع العمل المسؤول". وبالفعل بدا أوباما متفاجئاً في تعليقاته التي أعقبت الكشف عن نيله الجائزة، قائلاً "بصراحة، لا أشعر أنني أستحق أن أكون بصحبة عدد كبير من الشخصيات التي أحدثت تحوّلاً ممن كُرّموا بهذه الجائزة، رجالاً ونساءً ممن ألهموني وألهموا العالم بأسره من خلال سعيهم الشجاع لتحقيق السلام".

وقبل 10 أيام فقط من قبول الجائزة، أعلن الرئيس أوباما، آنذاك، نشر 30 ألف جندي إضافي في أفغانستان. كما تبنّت إدارته حرب الطائرات من دون طيار، إذ سمح بضربات جوية أكثر بعشر مرات في الحرب السرّية على الإرهاب من سلفه جورج دبليو بوش، مما أسفر عن سقوط عشرات المدنيين. 

وفي الوقت الذي أدت الحملة التي شنّها جيش بورما ضد مسلمي الروهينغا في ولاية راخين إلى دفع أكثر من 700 ألف شخص إلى البحث عن ملاذ في بنغلاديش المجاورة، إلا أن أونغ سان سو تشي، التي كان ينظر إليها طويلاً كمدافعة عن حقوق الإنسان والحريات، اختارت الصمت عما يقترفه جيش بلادها بحق أقلية الروهينغا، بل أنكرت أمام المحكمة الجنائية الدولية الاتهامات بارتكاب الجيش إبادة جماعية. 

الجائزة ضلت طريقها

ويقول ريتشارد إيفانز، المؤرخ البريطاني وصاحب كتاب "السعي وراء القوة: أوروبا 1815-1914"، إن جائزة نوبل للسلام ضلّت طريقها، فأصبحت وساماً لأعمال حقوق الإنسان وخانت نوايا ‏مؤسسها. ويضيف "على نقيض جوائز نوبل الأخرى التي كانت خالية من الجدل، فإن جائزة ‏السلام التي خصصت لصنّاع السلام الدولي، أصبحت ميدالية حسن سلوك عام، الأمر الذي يترك غصة ‏في الحلق عندما يتبيّن أن حامليها أقدامهم ملوثة بالطين".

وتابع إيفانز في مقال نشر في مجلة "فورين بوليسي"، أنه كما هو منصوص عليه في الوصية الأخيرة لألفريد نوبل الموقعة عام 1895، فإن جائزة السلام ينبغي منحها سنوياً "للشخص الذي قام بأكثر أو أفضل عمل للأخوة بين الدول، من أجل إلغاء أو تقليص الجيوش وعقد مؤتمرات السلام والترويج لها". 

لكن بحلول أواخر القرن العشرين، حُوّلت الجائزة إلى جائزة دولية عامة للمساهمات في تقدّم حقوق الإنسان، وفي بعض الحالات، صنّفت لتكون من نصيب من ينتقدون الأنظمة الديكتاتورية، كما هي الحال مع سو تشي نفسها، أو الألماني كارل فون أوسيتسكي عندما كان يقبع في سجن نازي عام 1936، أو دعاة المساواة العرقية مثل القس ديزموند توتو، الذي ناضل في ظل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

ويقول إيفانز إن التشعب في منح جائزة نوبل للسلام تسبب في جعل الجدل بشأنها أمراً حتمياً، فكثيرون يختلفون مع المبدأ الذي تم بموجبه منح بعض الجوائز في السنوات الأخيرة. وحتى عندما منحت الجائزة لأولئك الذين عملوا على المصالحة بين الدول المعادية، كان يتم دائماً تجاوز سياساتهم الداخلية لصالح المبدأ الأكبر، كما هي الحال مع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن. 

ويضيف إيفانز أنه مع تحوّل التركيز إلى حقوق الإنسان، كانت الجوائز من هذا النوع تعتبر تصريحات سياسية مثيرة للجدل من قبل لجنة نوبل. فلقد ندد إسرائيليون كثر بياسر عرفات باعتباره مروّجاً للهجمات الإرهابية على بلادهم، بينما انتقد الفلسطينيون شيمون بيريز لفشله في وقف ما اعتبروه تطهيراً عرقياً من خلال توسّع المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية بشكل غير قانوني.

المزيد من سياسة