Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السعودية تسحب البساط من تحت متطرفي حماية البيئة

ترمب استمر بالادعاء والتدليس خلال اجتماعات مجموعة العشرين

الصورة الجماعية لقادة دول مجموعة العشرين على جدار قصر سلوى في حي الطريف في الدرعية السعودية (رويترز)

كانت مميزات قمة مجموعة العشرين التي استضافتها السعودية، عن غيرها من القمم المماثلة في دول أخرى في الماضي عديدة، وأغلبها يعتمد على وجهة نظر المتكلم. من وجهة نظري، فإن الاتفاق على بعض النقاط الأساسية بالإجماع مهم، بسبب الخلافات الكبيرة بين عدد من أعضائها، كالحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا، والخلاف الصيني - الياباني في بحر الصين الجنوبي، والخلاف التركي - الأوروبي، والخلاف البريطاني مع دول الاتحاد الأوروبي، والخلاف السعودي - التركي.
لا شك في أن حجم الكارثة التي سببها فيروس كورونا هو الذي دفعهم إلى ذلك الاجماع، لكن لا يمكن تجاهل دور المنظِم، السعودية، في الوصول إلى هذه النتائج.

جائحة كورونا أزمة عالمية، وتتطلب تعاضد عالمي لوقفها من جهة، والتخفيف من آثارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية. من هنا كان رد فعل دول مجموعة العشرين منطقية، لكن وجود خلافات ضخمة في ما بينها يجعل رد الفعل هذا استثنائياً.
الملفت للنظر هو الالتزام بتطبيق مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين للدول الفقيرة، ويشمل ذلك تمديدها إلى يونيو (حزيران) 2021.  ويمكّن تأخير الدفعات الدول الفقيرة من زيادة الإنفاق لمقاومة آثار الجائحة عالمية تطال الجميع، فإذا لم يقضَ عليها في كل مكان فستستمر في دورتها القاتلة حول العالم.

البيئة والمناخ والطاقة

تبنّت مجموعة العشرين منصة الاقتصاد الدائري للكربون، وهي صناعة سعودية بفكر سعودي، جاء بها وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، فزرعها ونماها واعتنى بها، بمشاركة فريق كبير من المتخصصين في مجالات شتى.
هل لنا أن نتصور أن تقوم دول مهووسة بحماية البيئة ومعادية للنفط والدول المنتجة له، بتبني أفكار دولة نفطية؟ زراعة الفكرة وتنميتها إنجاز كبير، وإقناع قادة العشرين بتبنيها تاريخي ستذكره كتب التاريخ.
سحب الأمير عبد العزيز بن سلمان البساط من تحت متطرفي حماية البيئة وهم نيام، وسيفجَعون حين يستيقظون. وعندها ستظهر الحقيقة، إذا كانوا فعلاً حماةً للبيئة، فليس لهم إلا المشاركة والتأييد، وإذا عارضوا يعني أنهم يتخذون من ملف حماية البيئة غطاءً لعدائهم المستفحل للنفط ودول النفط. باختصار، تبنّي مجموعة العشرين منصة الاقتصاد الدائري للكربون سيفضح أعداء دول النفط العربية الذين يتخذون من حماية البيئة ستاراً لهم.

لا بد من التأكيد على أن هناك أدلة كثيرة على "العنصرية البيئية"، التي هي امتداد في النهاية، للتمييز العنصري ضد كل ما هو أبيض. لهذا فمن المزعج أن يقوم هنود بمهاجمة دول الخليج لأنها دول نفطية مدمِّرة للبيئة، متبنين الأفكار الأوروبية، من دون أن يدركوا أن الأفكار ذاتها ومَن يقدمها، ضدهم أيضاً، والأدلة على "العنصرية البيئية" في الهند واضحة للعيان. 

من الصعب تعريف هذه العنصرية في فقرة من مقال، لكن من مظاهرها تصدير النفايات إلى الدول الناشئة والنامية، ودفن النفايات النووية سراً أو علناً في الدول الفقيرة، ونقل المصانع الأكثر تلويثاً للبيئة من الدول المتقدمة إليها، وتركيز تخزين البيانات في الهند. مراكز البيانات تستهلك كميات كبيرة من الطاقة ومن ثم فإن بصمتها الكربونية كبيرة.      

خطاب ترمب: استمرار الادعاء والتدليس

افتخر ترمب بأنه سحب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ لأنها تؤدي إلى خسارة الكثير من الأميركيين وظائفهم، وأنها حققت أكبر انخفاض في انبعاثات الكربون في عهده، من دون الالتزام باتفاقيات المناخ. وفي ظل تبني مجموعة العشرين "منصة الاقتصاد الدائري للكربون"، واستمرار ترمب بالادعاء والتدليس، كان يغرد خارج السرب.
كما هو معروف فإن أكثر مصادر الطاقة تلويثاً للبيئة هو الفحم. وترمب وعد بدعم صناعة الفحم الأميركية وإنعاشها، وقام بما لم يقم به رئيس سابق لدعمها. ومع ذلك أفلست بعض شركات الفحم في عهده، وأُغلقت مناجم عدة، وسرّح عدد كبير من العمال، وانخفض إنتاجه واستهلاكه في الولايات المتحدة. والأمرّ من ذلك، هو أن صديق ترمب، رئيس إحدى أكبر شركات الفحم، أفلست شركته من جهة، ثم مات منذ أسابيع بمرض السحار الفحمي (الرئة السوداء)، الذي يصيب عمال المناجم ويقتلهم.
خسر الفحم سوقه بسبب الانخفاض الكبير في أسعار الغاز، التي تحولت إلى سالبة مرات عدة، وليس نتيجة أي سياسة ترمبية. نتج من هذا الانخفاض الكبير في الأسعار قيام شركات الكهرباء بزيادة نسبة تشغيل مولدات الغاز، وخفّضت أو أوقفت مولدات الفحم. كما أن كل المحطات الجديدة في السنوات الأخيرة كانت تعمل على الغاز. هذا التحول من الفحم إلى الغاز، وزيادة استخدام الطاقة المتجددة، بخاصة الرياح، خفّض الانبعاثات بشكل كبير، بناءً على قوى السوق، وليس نتيجة سياسات ترمب، الذي عارض بشدة أيضاً طاقة الرياح وسخر منها علناً مرات، لكنها أسهمت في خفض الانبعاثات في عهده.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لا علاقة لترمب بانخفاض الانبعاثات، ولو نجحت خططه في دعم صناعة الفحم ووقف توسع طاقة الرياح، لكانت الزيادة في الانبعاثات في الولايات المتحدة في عهده هي الأعلى في العالم.
أما بالنسبة إلى قوله إن التزام واشنطن باتفاقية باريس للمناخ سيؤدي إلى خسارة الوظائف، كلام مردود عليه لسببين، الأول هو أن خسائر الوظائف في صناعة الفحم كانت تحصيل حاصل، ونعلم الآن أنها حصلت وانتهت خلال عهده. والسبب الثاني هو أن نمو الطاقة المتجددة وصناعة النفط والغاز الصخريين (إلى أن جاء فيروس كورونا)، خلق ملايين الوظائف، وتشير البيانات إلى أن عددها في قطاعات الطاقة المتجددة وتكنولوجيا زيادة الكفاءة في الاستخدام تجاوز 3 ملايين. 

عند الحديث عن قرار ترمب سحب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ، لا بد من ذكر الأمور التالية:

1- سحب ترمب الولايات المتحدة من اتفاقيات دولية عدة، والتمويل من منظمات أخرى. المنظمة الوحيدة التي لم يهددها ولم يسحب أي تمويل منها، على الرغم من دعمها الدائم للطاقة المتجددة، هي وكالة الطاقة الدولية. والسبب أنها كانت تطبّل وتزمّر للنفط الصخري الأميركي في السنوات الماضية، وتهلل باستمرار لنجاح الرئيس الأميركي المنتهية ولايته في تحقيق "الاستقلال الطاقي" لبلاده، وكأنهم عرفوا المفتاح السري لشخصيته. 

2- لا يمكن فصل قرار الانسحاب من اتفاقية المناخ عن الحرب التجارية مع الصين. وكان بالإمكان البقاء في الاتفاقية للضغط باتجاه إدخال تعديلات عليها لإجبار بكين على البدء بخفض الانبعثات بشكل أبكر وأكبر. المشكلة التي حصلت أخيراً بالنسبة إلى ترمب هي أن الصين قررت المشاركة طوعاً وكانت من داعمي خطة السعودية في الاقتصاد الدائري للكربون. وهذا سيسهّل عودة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى اتفاقية المناخ.

3- ارتفاع أسعار الغاز في الولايات المتحدة فوق 4 دولارت يُجبر شركات الكهرباء على التحول إلى الفحم، ما سيؤدي إلى زيادة الانبعاثات في عهد بايدن، وقد يدفع الإدارة الجديدة إلى اتخاذ سياسات تحد من الفحم وتشجع استخدام الغاز ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى.

5- من أول القرارات التي سيتخذها بايدن بعد توليه منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، إعادة الولايات المتحدة إلى اتفاقية المناخ، واتخاذها دوراً رائداً فيها. هذا يعني وجود فرصة كبيرة للتعاون بين السعودية وإدارة الرئيس المنتخب في هذا الإطار في ظل منصة الاقتصاد الدائري للكربون، ومنتدى الطاقة الدولي الذي يتخذ من الرياض مقراً له ويرأسه الأميركي جوزيف ماكمانيغول.

الاقتصاد الدائري للكربون يقصد به الاقتصاد الذي يُصدر أقلّ قدر من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ويوقم على أربعة ركائز: الأولى هي التخفيف أو التقليل من اتبعاثات غازات الكربون وغيرها عن الطريق اعادة هيكلة مصادر الطاقة بحيث يتم الاعتماد بسكل أكبر على المصادر قليلة النبعثات مثل الطاقة السمسية والرياح والطاقة النووية. 

والثانية إعادة استخدام هذه النبعاثات وتحويلها من شيئ مضر إلى شيئ مفيد، حيث يمكن استخدامها كمدخلات في بعض الصناعات أو اعادة حقنها في أبار النفط لزيادة إنتاجيتها.

 والثالثة إعادة التدوير والذي يعني جزء منها استخدام مواد يمكن ان تتحلل طبيعيا مع مرورالزمن، وهذا يتضمن استخدام مواد مثل الأمونيا والميثانول والهيدروجين.

والرابعة الإزالة عن طريق التقاط أو حجز الكربون وتخزينه ...

التكنولوجيا لكل واحدة من هذه المراحل متوافرة، إلا أن هناك اشكاليات في موضوع ارتفاع التكاليف.  ومشوار الأف ميل يبدأ بخظوة، وتبني مجموعة العشرين للمشروع خطوة عملاق.

المزيد من آراء