Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

برلمان صنعاء بين التطويع أو الحل والتجميد

ضيّق الحوثيون على البرلمانيين لإخضاعهم وتنفيذ سياساتهم

صورة أرشيفية لإحدى جلسات البرلمان اليمني الخاضع لسلطة الحوثيين ( غيتي) 

كغيره من أجهزة الدولة اليمنية ومؤسساتها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن البرلمان أو ما تبقى منه في صنعاء ليس أمامه إلا خياران: إما التطويع للعمل وفق أجندة الحاكم الجديد للعاصمة وشرعنة قراراته، وإما التجميد كحل جاهز للإشهار في أي لحظة.

كان للبرلمان في صنعاء محطات يمكن أن تكون فارقة في الأزمة اليمنية، لولا تدخل بعض الأطراف والقوى السياسية خوفاً من تركيبته السياسية والمآلات التي يمكن أن تفرزها الأغلبية العائدة إلى حزب المؤتمر الشعبي العام (حزب النظام السابق). لذا، فإنه عند استقالة الرئيس عبدربه منصور هادي منع الحوثيون المجلس من الانعقاد لقبول الاستقالة أو رفضها، خوفاً من اعتبار رئيس المجلس الشيخ يحيى الراعي رئيساً للبلاد، وفق الدستور اليمني. 

تعطيل البرلمان

بعد مرحلة فراغ عمل البرلمان وتجميده، كانت أول قرارات جماعة أنصار الله (الحوثيون)، كسلطة حاكمة، حلّ مجلس النواب، إذ نصت المادة الخامسة من الإعلان الدستوري على إنشاء مجلس وطني بـ551 عضواً بدلاً من المجلس المنحل، وانشأت غرفة لتسجيل الراغبين في الانضمام إلى المجلس المستحدث، إلا أن هذه الخطوة فشلت بعد معارضة حزب المؤتمر. وهو ما رآه الحوثيون حينها معارضة مؤتمرية للواقع الجديد ضمن أجندة غير وطنية.

يؤكد الكاتب السياسي يحيى العابد أن الحوثيين لجأوا منذ فشل خطتهم في حل مجلس النواب إلى مضايقة البرلمانيين وإخضاعهم ورفع السلاح في وجوههم، وملاحقتهم في المحاكم والنيابات بتهم ملفقة، مذكراً بعدد من النواب الذين وصل الخلاف بينهم وبين الحوثيين إلى حد حصول اشتباكات مسلحة، وعلى رأسهم البرلماني عبدالوهاب معوضة. إلا أن مصدراً حوثياً يؤكد أن هناك دولة في حالة حرب، وأي تمرد عليها يواجه بالقوة ولولا القبضة الأمنية لرجال الأجهزة الأمنية لما استطاعت البلاد الصمود في وجه التحالف العربي نحو ست سنوات.

في المقابل، يتذكر العابد أشهر محطات تخوين البرلمان من قبل الحوثيين، عند تأييده مبادرة في شأن الحديدة عام 2016 وتبنيها، تتضمن إيقاف الحرب ورفع الحصار، قبل أن تعود الجماعة لتوافق على المطالب الأممية تجاه الحديدة، بخاصة اتفاق ستوكهولم.

تعاملت سلطات جماعة أنصار الله مع البرلمانيين فردياً، إما بالاستمالة والترغيب والعطايا، أو الترهيب، قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل احتوائهم، والمتمثلة في تنظيم انتخابات تكميلية في 20 دائرة لتأمين بديل من المتوفين.

بعدها، أرادت الجماعة الحوثية الانتقال إلى خطوة متقدمة للسيطرة على هيئة رئاسة ما تبقى من البرلمان، عبر انتخابات فشل فيها ممثلها، لتلجأ إلى رفض النتائج وتجميد عمله وتهديد الفائزين بالقتل والتصفية، وفق منشورات للبرلماني عبده بشر، الذي أعلن استقالته من البرلمان بعد تلقيه تهديدات بالتصفية من قيادات وشخصيات لم يسمها على خلفية نتائج انتخابات الهيئة.

وفي نص الاستقالة، قال بشر إنها جاءت نزولاً عند رغبة القيادي الحوثي مهدي المشاط، وحتى لا يتحمل أعضاء المجلس الضغوط بسبب ممارستهم لحقهم الدستوري والقانوني في انتخاب هيئة رئاسة مجلس النواب بطريقة قانونية وديمقراطية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال إن استقالته جاءت نظراً لعدم قدرته على الاستمرار في مجلس يُعمل بالدستور فيه بحسب الطلب والمزاج، وعدم الالتزام بأي شراكة أو تحالفات من قبل البعض، وعدم تطبيق مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات ومحاولة تكميم الأفواه ومصادرة الحريات.

كانت الجماعة الحوثية قد جمدت عمل البرلمان في صنعاء بعدما أسفرت انتخابات هيئة رئاسته عن فوز شخصيات من غير الموالين لها، في حين كانت تسعى إلى إزاحتها لتأمين وصول شخصيات من معقلها في محافظة صعدة.

وسبق لبشر أن كشف عن تعرض أعضاء مجلس النواب في صنعاء لمساومة وابتزاز واضحين من الجماعة الحوثية. 

وقال، "هناك محاولات لإرجاع البلاد إلى المربع الأول والنفق المظلم، ونحن نبرأ إلى الله من ذلك". 

أدوات الجماعة

يرى مراقبون إن استقالة بشر تؤكد أن جميع مؤسسات الدولة، أو ما تبقى منها في مناطق سيطرة الحوثيين، عبارة عن أداة لها لتطويع المجتمع وإخضاعه وتنفيذ مشروعها الإيراني في اليمن، بينما يرى مصدر مقرب من الحوثيين في صنعاء أن بشر شخصية مهووسة بالشهرة ويرغب في البقاء تحت الأضواء، بينما عملياً يفشل، بدليل فشله وزيراً للصناعة ومن ثم استقالته.

وأكد المصدر أن هذه ليست الاستقالة الأولى لبشر، لأنه يميل إلى هذا النوع من العمل كأسلوب ابتزاز، إذ استقال من حزبه المؤتمر الشعبي العام، ومن ثم من منصبة كوزير للصناعة والتجارة، ثم أخيراً من البرلمان والتي لا تزال مطروحة أمام أعضاء المجلس للبت فيها. 

البرلماني عبدالرحمن معزب يقول، إنه قرأ مع عدد من زملائه البرلمانيين في صنعاء حيثيات ما يجري، ووجدوا أنهم أمام جماعة تحتكم لاعتبارات خارجة عن النهج الوطني، بعدما طغت السيطرة "الميليشياوية" على كل مناحي الحياة في صنعاء ولم يعد المجال مفتوحاً للحفاظ على الشيء البسيط من أهداف الثورة اليمنية.

وأكد أن البرلمانيين يلاحظون توجهاً حوثياً كبيراً لتسخير المجلس لخدمة مشاريعهم السلالية والطائفية، ما يجعلهم غير قادرين على تقديم شيء للدفاع عن واجباتهم، ما دفعهم إلى اتخاذ قرار بالمغادرة من مناطق الحوثيين، الذين طلبوا من البرلمان إقرار قانون الخمس وهو عنصري وغيره من القوانين.

وفي ما يخص الحديث عن أن ما يجري في البرلمان هو أحد مظاهر خلافات أجنحة الجماعة، أكد معزب أنه لا ينبغي المراهنة على خلافات في الصف الحوثي، لأن السفير الإيراني في صنعاء سيجمعهم، وهو يعد مسؤولاً عنهم جميعاً طبقا لتعبيره.

وأشار إلى أن نتائج انتخابات هيئة رئاسة البرلمان، التي استُبعد فيها مرشح الحوثي عن منصب نائب الرئيس تؤكد أن البرلمانيين أحرار وليسوا حوثيين على الرغم من الضغوط الهائلة التي تمارس عليهم.

في المقابل، يؤكد الشيخ ناصر باجيل النائب السابق لرئيس مجلس النواب في صنعاء أنه فاقد الصلاحية بسبب تعنّت الحوثيين، فعندما عقدت دورة انتخابية جديدة، ولم تأتِ النتائج كما يرغبون، أقفلوه.

وقال "بعد الذي حصل، فإن أي قرار يصدر عن برلمان صنعاء غير قانوني، لأنه اتّخذ بإجبار من الحوثيين"، مشيراً إلى أن هذا السلوك "يثبت أنهم جماعة لا ترضى بالديمقراطية والحرية والدستور والقانون".

ويتفق معزب وباجيل على أن الخطوة الحوثية الأخيرة، وما سبقها من رغبة في حل البرلمان وتجميده، تثبتان أنها تخاف من صوت الشعب، وتنسفان مزاعمها بالتعايش والشراكة مع الآخر.

المزيد من تقارير