Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تغير إدارة بايدن سياسة الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية؟

يسعى الفلسطينيون لاستثمار المتغيرات الدولية بعد وصول الحزب الديمقراطي للبيت الأبيض

الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن  (أ ف ب)

في الوقت الذي كان يجري فيه وفدا حماس وفتح مفاوضات جديدة للمصالحة في القاهرة، وتوقع حدوث انفراج متعثر منذ سنوات ارتباطاً بالتطورات المتسارعة في الإقليم، أعلنت السلطة الفلسطينية رسمياً استئناف التنسيق الأمني مع الحكومة الإسرائيلية، وكشفت بصورة متعمدة عما دار من تفاصيل اللقاءات على مستوى قيادات أمنية فلسطينية وإسرائيلية ضمت رئيس الأركان الإسرائيلي وقادة تشكيلات في هيئة الأركان، وتصدر المشهد من الجانب الفلسطيني الوزير حسين الشيخ بتكليف مباشر من الرئيس محمود عباس.

إشكاليات حقيقية

لا تزال الرؤى المشتركة بين الجانبين في فتح وحماس متضاربة على مستوى الأولويات وتحديد المهام التي يمكن العمل عليها، في ظل اتهام الفصائل الفلسطينية الأخرى للحركتين بأنهما تسعيان للانفراد بإدارة المشهد فعلياً. وكذلك تتخوف السلطة الفلسطينية من الاصطدام الكامل بمواقف الأطراف العربية المؤيدة والمعارضة للموقف الفلسطيني إثر توقيع الاتفاقات العربية الإسرائيلية الأخيرة، الأمر الذي أدى إلى توالي اعتذارات الدول العربية عن عدم ترؤس دورة اجتماع وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية للمرة الأولى في تاريخها.

تقدر السلطة الفلسطينية أيضاً أن فوز جو بادين سيؤدي إلى تغيير محتمل في المعادلة الفلسطينية الإسرائيلية الراهنة، التي تقوم على أساس صفري، بعد انقطاع الاتصالات الأميركية - الفلسطينية بالكامل، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وقطع المساعدات الاقتصادية، وتصفية وكالة الأونروا في قطاع غزة مع ولاية ترمب، الأمر الذي سيتغير مع إدارة أميركية جديدة تدعو إلى التفاوض على أساس حل الدولتين مجدداً.

ويرى قطاع نافذ في السلطة الفلسطينية أن الوضع العام في إسرائيل غير مستقر، ولن يستقر، وأنها ستذهب إلى انتخابات جديدة، ما قد يُغيب رئيس الوزراء الراهن نتنياهو عن المشهد، وبالتالي فإن ثمة ترجيحات حقيقية بتغيير الموقف الراهن، أو على الأقل تحريك أركانه.

وتدرك السلطة كذلك أن بعض الدول العربية الرئيسة في المشهد الفلسطيني العام لن تعمل على دعم الموقف الفلسطيني، فعلى سبيل المثال قطر ستعمل على دعم قطاع غزة وضخ الأموال دورياً، خصوصاً بعد الاتفاق الذي جرى بين السفير محمد العمادي رئيس لجنة إعمار القطاع والمسؤولين الإسرائيليين، خصوصاً مع التوقع بقرب توقيع الدوحة معاهدة سلام رسمية مع الجانب الإسرائيلي، ومصر التي تتحفظ على مسار ما يجري فلسطينياً في الوقت الراهن على الرغم من الدعوة إلى استئناف المفاوضات في القاهرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتراهن السلطة على أن الموقف العربي الراهن تجاه التعامل مع إسرائيل لا يعمل لصالح الأخيرة في العموم، بدليل استمرار الموقف الكويتي خليجياً، والجزائري والتونسي مغاربياً، وكذلك موقف لبنان وسوريا، وهو ما يتطلب التهدئة وعدم الصدام مع الجميع والتصعيد في مواجهة ما يجري مع بعض الدول العربية وإسرائيل في الوقت الراهن، بما في ذلك الدول التي تقيم سلاماً مع إسرائيل منذ سنوات طويلة، مثل الأردن ومصر.

وتعتبر السلطة الفلسطينية أن المرحلة الراهنة التي تمر بها العلاقات العربية - الإسرائيلية مرحلة انتقالية، وقد تُواجه بعثرات وتحديات حقيقية، ولن تكون حاسمة في ظل حالة الرفض العربي من بعض الدول العربية التي سبقت الإشارة إليها، وهو ما يتطلب إعادة ترتيب الأولويات، ووضع السيناريوهات الجديدة. وكذلك من الإشكاليات إدراكها أن هناك أطرافاً إقليمية كبيرة لا تزال ساعية لتوظيف الملف الفلسطيني بأكمله لحسابات محددة، وهو ما يتطلب منها مراجعة مواقفها، خصوصاً أن الاتفاق على تنفيذ ما جرى طرحه في لقاء بيروت - رام الله، ثم إسطنبول في حاجة لإرادة سياسية حقيقية ومواقف حاسمة، إضافة إلى بعض الوقت، بما في ذلك تصويب مسار منظمة التحرير الفلسطينية، وإصلاح النظام السياسي الفلسطيني بأكمله. كما تراهن السلطة الفلسطينية على أن إتمام أي اتفاق فلسطيني وإدخاله حيز التنفيذ في حاجة لضمانات ليست فقط فلسطينية - فلسطينية، إنما أيضاً ضمانات دولية تتمثل في الدور الروسي بالأساس والرباعية الدولية لضمان ضخ المساعدات، وتقديم المنح من قبل المؤسسات المانحة.

مشهد مرتبك

وفقاً لما سبق فإن حركة فتح تعاني صعوبات حقيقية في تشكيل قوائمها وترتيب أولوياتها، وتتمهل في موقفها التنفيذي لاستحقاقات المصالحة، كما تعاني سيطرة تيار القيادي السابق في فتح محمد دحلان (تيار الإصلاح) على جانب لا يستهان به من شعبية فتح، خصوصاً في قطاع غزة.

إن الجانب الإسرائيلي والبيئات العربية والدولية في الأوضاع الراهنة، لا تقبل بعقد انتخابات يمكن أن تجدد الفوز، و"الشرعية الرسمية" لحركة حماس ولـ"الإسلام السياسي"، كما أن بقاء السلطة ومبرر وجودها إسرائيلياً مرهون أساساً بالتنسيق الأمني، ومما يؤكد استمرار هذا المشهد الراهن على حاله أن الجانب الأميركي، الذي أوقف كل أشكال الدعم استثنى الأجهزة الأمنية، وأقر لها 61 مليون دولار، أحبطت أجهزة أمن السلطة 40 في المئة من عمليات أمنية ضد إسرائيل.

وعلى الرغم من التقارب الأخير بين الحركتين، الذي سيعود إلى المربع رقم صفر بعد استئناف التنسيق الأمني، بقي ملف العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة يراوح مكانه، دون وجود أي مؤشرات على إمكانية إلغاء تلك العقوبات في الوقت القريب، على الرغم من تأثيرها في مجالات الحياة المختلفة في قطاع غزة، إذ لم تفلح المطالبات الشعبية والحقوقية المتواصلة، في حلحلة موقف القيادة الفلسطينية، أو دفعه لاتخاذ خطوة إيجابية في هذا الملف.

أسباب فلسطينية للتجاوب

انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، وهو الذي يحمل برنامجاً سياسياً بشأن القضية الفلسطينية، يبدو مريحاً للجانب الفلسطيني، ويقضي بالقبول بخيار حل الدولتين، وفتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وإعادة فتح القنصلية الأميركية شرق القدس، إضافة إلى ضخ الأموال مجدداً في وكالة الأونروا بقطاع غزة، مع إعادة منظومة المساعدات الاقتصادية بالكامل للسلطة، وهو ما يدفع السلطة لمبادرة اتخاذ إجراءات مباشرة تتجاوب مع الطرح الأميركي الجديد.

وقد تؤدي معاناة السلطة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة إلى الانهيار، الأمر الذي دفع القيادة الفلسطينية للعمل على الخيار الأميركي من جديد في ظل تعقد إجراءات الضخ المالي من المؤسسات المالية المانحة، التي لم تتجاوب في دعمها، نظراً إلى ضغوط الإدارة الأميركية الحالية، التي استمرت في عدائها للسلطة الفلسطينية، نظراً إلى رفض الأخيرة التفاوض وفقاً لشروط الأولى، التي رأت فيها السلطة مساساً بالحقوق الفلسطينية الكاملة.

وتدرك السلطة أنها يجب أن تعيد النظر في سياساتها الخارجية مع إسرائيل، خصوصاً أن هناك كثيراً من المتغيرات بدأت تعلن عن نفسها، وترتبط بالوضع الداخلي واحتمال ذهاب إسرائيل لانتخابات رابعة، ما يتطلب سرعة العمل والتحرك لمخاطبة أركان الحكومة الإسرائيلية، وهو ما بدا في سلسلة الاتصالات واللقاءات الأمنية العليا التي جرت على مستوى قيادات السلطة، وهيئة الأركان الإسرائيلية تمهيداً لاستئناف التنسيق الأمني المنشود إسرائيلياً. وتحاول السلطة الفلسطينية التعامل من منطق المسؤولة، وليست فصيلاً في ظل منافسة حركة حماس، وتؤكد أنها وحدها المنوط بها التحرك دولياً دفاعاً عن الحقوق الفلسطينية، وهو ما يفسر إقدام حركة حماس على مهاجمتها في قرارها، واعتبارها خارج سياق الصف الفلسطيني الموحد.

يشار إلى أنه أثناء الإعلان رسمياً عن استئناف التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل كانت هناك مفاوضات بين حركتي فتح وحماس في القاهرة، لتنفيذ استحقاقات المصالحة المعطلة منذ سنوات، وهو ما أثار عدة تساؤلات حول تزامن الحدثين على النحو التالي:

إن استئناف الاتصالات بين حركتي حماس وفتح في القاهرة لم يرتبط بجدول أعمال واضح، وجرى الاكتفاء بأنه يأتي في سياق السعي للتوصل لإتمام المصالحة، وكذلك الخطوات المتممة لما جرى التوصل إليه سلفاً من عقد اجتماع للفصائل الفلسطينية، والاتفاق على الخريطة الزمنية المحددة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لم تستكمل، ومن ثمَّ فإن التحفظات التي ستثيرها الفصائل الرئيسة ستقف في مواجهة ما يجري من خطوات للسلطة تجاه إسرائيل، خصوصاً إذا تطور التنسيق الأمني إلى نظيره السياسي تمهيداً لبدء التفاوض مع تولي الإدارة الأميركية مهامها الفيدرالية.

المبررات الإسرائيلية في التعامل

من جانبها، تتخوف الحكومة الإسرائيلية من نجاح الجانب المصري في تحقيق المصالحة، خصوصاً أن الطرفين أوشكا على الاتفاق في المفاوضات الأخيرة وبدء خطوات التنفيذ الخاصة بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وبناء موقف وطني بالضفة الغربية والقطاع، بالتالي جاء الموقف الإسرائيلي متجاوباً بصورة مبكرة بهدف استثمار الموقف الفلسطيني والاستفادة من التوجهات الجديدة للسلطة الفلسطينية.

وتتحسب الحكومة الإسرائيلية لردود الفعل الأميركية تخوفاً من وقوع صدامات أولية، وهو ما تتجنبه الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً أن ما ستدفعه إسرائيل يبدو في المقابل مربحاً وجيداً، فأموال المقاصة التي يجب أن تدفعها إسرائيل للسلطة الفلسطينية لا يوجد فيها خلاف، وما كانت تقوم به الحكومة الإسرائيلية مرتبط بقانون محدد اقتص بعض الأموال من السلطة للضحايا الفلسطينيين، وهو ما رفضته إسرائيل، كما أن استئناف التنسيق مهم للغاية لأمن إسرائيل، وارتبط بحرص إسرائيلي على عدم وقوع عمليات في الداخل، أو فيما وراء الخط الأخضر.

إن إعادة التأكيد الإسرائيلي على الالتزام بمقررات الاتفاقيات الثنائية مهم للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني معاً، وليس لطرف واحد، على اعتبار أن هذه الاتفاقيات هي التي دشنت السلطة الفلسطينية على الأرض، وأرست دعائم وجودها وفقاً لاتفاق أوسلو، كما أن اتفاقية باريس التي حددت مجالات التعاون الاقتصادي ستظل قائمة ومحددة في ظل الالتزام الثنائي مع تأكيد أن السلطة سبق أن طالبت رسمياً بإجراء تعديلات في صيغة اتفاقية باريس الاقتصادية، ورفضت الحكومات الإسرائيلية تباعاً هذا الأمر، بل وضعت عراقيل مختلفة لعدم الالتزام ببنود اتفاقية باريس.

وترغب الحكومة الإسرائيلية في عدم إعطاء السلطة الفلسطينية الفرصة للانفراد بإدارة المشهد الراهن، خصوصاً في اتجاه الولايات المتحدة، بخاصة أن الجانب الفلسطيني لا يزال يضع شروطاً لاستئناف عملية المفاوضات بين الجانبين برعاية أميركية. ومن الواضح أن قرار استئناف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ارتبط فعلياً بخطة سلام تدعو إليها السلطة الفلسطينية، التي تبدأ بمؤتمر دولي اقتُرح مطلع بدايات العام لانعقاده، وهو ما يشير إلى التوقع بما هو قادم، والذي يجب على الحكومة الإسرائيلية التماهي معه، والتجاوب الحذر معه، وفقاً للمنظور السياسي العام في تل أبيب، الذي يرى أن السلطة الفلسطينية تتحرك في التوقيت الراهن بتكتيك وبمنظور استراتيجي غير مسبوق.

الخلاصات الأخيرة

يمكن التأكيد إذن أننا أمام مرحلة مهمة في استئناف الاتصالات الفلسطينية - الإسرائيلية مجدداً، وأن السلطة الفلسطينية تتحرك انطلاقاً من دورها السياسي المسؤول في مواجهة ما يجري، وفي إطار مراجعة الأولويات والمهام، استثماراً لما هو جارٍ دولياً، بعد وصول الحزب الديمقراطي للسلطة في البيت الأبيض، ما قد يؤدي لتبعات حقيقية على مسارات واتجاهات العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية في الفترة المقبلة. ولن يقتصر الأمر على استئناف الاتصالات الأمنية، بل سيتعداها إلى خطوات أخرى سياسية ودبلوماسية، لن تُمانع الحكومة الإسرائيلية في التجاوب معها، بما في ذلك تقديم أموال المقاصة من دون خصومات، كما يبدو أن النهج الأميركي في التعامل المقترح سيكون منطلقاً للتحرك وفقاً لأرضية جديدة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل