في تصعيد جديد، تجددت المواجهات العسكرية بين مسلحي المجلس الانتقالي والقوات الحكومية في محافظة أبين (مسقط رأس الرئيس عبد ربه منصور هادي)، وهو تطور من شأنه إحداث تهديد حقيقي لاتفاق الرياض المبرم بين الطرفين برعاية حكومة الجارة السعودية.
وبين حين وآخر تشهد مناطق عدة تابعة لمحافظة أبين المحاذية للعاصمة المؤقتة عدن (جنوب اليمن) اشتباكات بين الطرفين راح ضحيتها العشرات، في ظل اتهامات متبادلة بينهما بالمسؤولية عن سبب اشتعالها. وفي يونيو (حزيران) الماضي، حذر وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي، من أن "استمرار تمرد المجلس الانتقالي دون رادع سينهي ما تبقى من أمل في تنفيذ اتفاق الرياض".
وأفاد النقيب في الجيش اليمني، مطلق جوهر، بأن مناطق الطرية، والشيخ سالم، وقرن الكلاسي، وخنفر (شرق محافظة أبين)، شهدت مواجهات بين الطرفين منذ الجمعة الماضية، استخدمت خلالها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة.
وأوضح جوهر أن الاشتباكات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، بينهم شقيق قائد اللواء الثالث - حماية رئاسية، هيثم الزامكي، وقيادي بمسلحي المجلس الانتقالي يدعى سالم الشبحي، في حين أصيب عشرات آخرون من الجانبين، إضافة إلى إعطاب نحو 7 آليات متنوعة، بينها مدرعات وعربات دفع رباعي.
وفي تعليقه على التصعيد الذي تشهده أبين، قال منصور صالح، نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي الجنوبي، إن ما يجري من تصعيد في أبين "يقوده جناح آخر في الشرعية، وبدعم من جماعة الإخوان، بهدف تسجيل حضور ومحاولة الضغط لضمان عدم خروجهم من الحكومة، بعد تأكدهم أنهم لن يكونوا جزءاً منها".
وفي رده على حديث الحكومة حول أن تحركاتها تهدف إلى تسريع تنفيذ اتفاق الرياض، أضاف "لا علاقة لما يجري بالمطالبة بتنفيذ اتفاق الرياض، بل هي محاولات لتعطيل تنفيذ الاتفاق واستفزاز متعمد لوفد المجلس لدفعه إلى الانسحاب. أما الاتفاق فهناك خطوات محددة لتنفيذه، وهناك اتفاق حول آلية تسريعه، وهو ما تعمل الشرعية على المماطلة في عملية التنفيذ من خلال وضعها العراقيل المستمرة أمام تشكيل الحكومة".
ثقة معدومة
عن رؤية المجلس الانتقالي لحلحلة الأوضاع، أضاف صالح "رؤيتنا كانت بأهمية تزامن تنفيذ الشق العسكري مع إعلان الحكومة وبضمانة رعاة الاتفاق، لا سيما أن الثقة معدومة بما تسمى بالشرعية، ولنا تجربة وعبرة معها قبل عام بعد توقيع الاتفاق، حيث باشرت القوات الجنوبية بالانسحاب، وامتنعت القوات الإخوانية، بل عززت من قواتها، وحشدت قوات أكثر في محاولة لاستغلال الوضع الجديد".
وأضاف "لذلك، فالحل هو الإسراع في تنفيذ اتفاق الرياض، وسحب القوات الغازية من الجنوب (في إشارة إلى القوات الحكومية التي يتهمها الانتقالي بأن عناصرها ينتمون إلى محافظات ليست جنوبية)، وتوحيد جبهة مواجهة الحوثي، عدا ذلك نعتقد أننا سنكون أمام تحديات كبيرة، سيكون أكبر المستفيدين منها هم الحوثيون، وأكبر الخاسرين هي الشرعية".
وبشأن الاتهامات الحكومية لـ"الانتقالي" بالتمرد ورفع السلاح في وجه الحكومة الشرعية، قال نائب الدائرة الإعلامية للمجلس الانتقالي "لا علاقة للقوات الجنوبية بما يجري من تصعيد في أبين، فهي في موقع الدفاع دائماً، وهي في جاهزية دائمة لذلك. لهذا نحن نعتقد أن المشكلة الحقيقية تكمن في حالة صراع الأجنحة في داخل الشرعية بين مؤيد ورافض للاتفاق، ويسعى لتعطيله، كما تكمن في سيطرة جماعة الإخوان على قرار مؤسسة الرئاسة وتسخيره لمصلحتها ومشروعها الذي يبدو أنه بدأ يتضح ويتضح أكثر في اتجاه استجلاب قوى دولية أخرى داعمة لها، وتحديداً تركيا، التي يبدو حضورها في المشهد، خصوصاً في محافظات الجنوب المحتلة من قبل الإخوان"، على حد تعبيره.
من جانبه، يرى المحلل السياسي اليمني عدنان هاشم، أن تصاعد المواجهات بين الطرفين سببه الوصول إلى طريق مسدود بشأن تنفيذ "الشقين الأمني والعسكري" في اتفاق الرياض، ورغبة المجلس الانتقالي في إعلان الحكومة قبل تنفيذهما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مواجهات هي الأعنف
على الرغم من نشر التحالف العربي مراقبين من القوات السعودية في مناطق التماس بين الجيش اليمني وقوات الانتقالي، في العاشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فإن الطرفين لم يلتزما وقف التصعيد، لتتجدد المواجهات بينهما، تزامناً مع تسريبات متواترة تتحدث عن اقتراب إعلان "تشكيل الحكومة اليمنية الجديدة"، التي يشارك فيها الانتقالي الجنوبي، بحسب اتفاق الرياض.
وتعد هذه الاشتباكات الأعنف منذ إعلان السعودية نهاية يوليو (تموز) آلية لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض الموقع بين الجانبين في الـ5 من نوفمبر العام الماضي، والمتضمن "استمرار وقف إطلاق النار والتصعيد بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وفصل قوات الطرفين في أبين وإعادتها إلى مواقعها السابقة"، إضافة إلى بت تشكيل حكومة، تشارك فيها كل القوى الجنوبية بما فيها "الانتقالي".
ويتضمن الملحق العسكري لاتفاق الرياض جملة من البنود، أبرزها خروج القوات المسلحة التابعة لـ"الانتقالي" من عدن وتسليم الأسلحة الثقيلة، وانسحاب قوات الجيش الحكومي من شقرة، على أن تتمركز قوتان عسكريتان من الطرفين في عدن، لتأمين تحركات مسؤولي الجانبين، وكذلك إعادة انتشار قوات قرب مناطق القتال مع ميليشيات الحوثي.
وفي أغسطس (آب) من العام الماضي، تمكن مسلحو المجلس الانتقالي من إحكام سيطرتهم على مدينة عدن، بما فيها قصر معاشيق الرئاسي، بقوة السلاح، بعد أيام من المواجهات العنيفة مع القوات الحكومية وألوية الحماية الرئاسية، انتهت بطرد الحكومة التي كانت تتخذ من المدينة عاصمة مؤقتة للبلاد، قبل أن تسارع الجارة السعودية إلى التدخل وإيقاف المواجهات الدامية التي راح ضحيتها مئات من الطرفين.
ونجحت السعودية في نوفمبر2019 في التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين حمل اسم "اتفاق الرياض"، الذي يتضمن 29 بنداً لمعالجة الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية في جنوب اليمن، وينص أبرز بنوده على عودة الحكومة الشرعية إلى عدن، وتشكيل حكومة وحدة وطنية مناصفةً بين الشمال والجنوب ودمج الوحدات المسلحة في إطار وزارتي الدفاع والداخلية.